الأستاذ "محمد علي آذر شب" لـ"إكنا"؛

أبرز أساتذة البلاغة في اللغة العربية هم الإيرانيون

تُعدّ اللغة العربية ركناً من أركان التنوع الثقافي للبشرية. وهي إحدى اللغات الأكثر انتشاراً واستخداماً في العالم، إذ يتكلمها يومياً ما يزيد على 400 مليون نسمة من سكان المعمورة. يحتفل العالم باليوم العالمي للغة العربية في الثامن عشر من كانون الأول/ديسمبر من كل عام.

2024-12-18

قال الأستاذ الأكاديمي المختص في اللغة العربية وآدابها بجامعة طهران “الدكتور محمد علي أذرشب”: “إن اللغة العربية ليست لغة العرب إنما هي لغة “الحضارة الإسلامية” كما أن أكبر وأفضل الخدمات قدّمها الإيرانيون إلى اللغة العربية وإن أبرز أساتذة البلاغة في اللغة العربية هم “الإيرانيون”.

 

وتُعدّ اللغة العربية ركناً من أركان التنوع الثقافي للبشرية. وهي إحدى اللغات الأكثر انتشاراً واستخداماً في العالم، إذ يتكلمها يومياً ما يزيد على 400 مليون نسمة من سكان المعمورة. يحتفل العالم باليوم العالمي للغة العربية في الثامن عشر من كانون الأول/ديسمبر من كل عام.

 

وقد وقع الاختيار على هذا التاريخ بالتحديد للاحتفاء باللغة العربية لأنه اليوم الذي اتخذت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1973 قرارها التاريخي بأن تكون اللغة العربية لغة رسمية سادسة في المنظمة.

 

وقد أبدعت اللغة العربية بمختلف أشكالها وأساليبها الشفهية والمكتوبة والفصيحة والعامية، ومختلف خطوطها وفنونها النثرية والشعرية، آيات جمالية رائعة تأسر القلوب وتخلب الألباب في ميادين متنوعة تضم على سبيل المثال لا الحصر الهندسة والشعر والفلسفة والغناء.

 

وتتيح اللغة العربية الدخول إلى عالم زاخر بالتنوع بجميع أشكاله وصوره، ومنها تنوع الأصول والمشارب والمعتقدات. ويزخر تاريخ اللغة العربية بالشواهد التي تبيّن الصلات الكثيرة والوثيقة التي تربطها بعدد من لغات العالم الأخرى، إذ كانت اللغة العربية حافزاً إلى إنتاج المعارف ونشرها، وساعدت على نقل المعارف العلمية والفلسفية اليونانية والرومانية إلى أوروبا في عصر النهضة. وأتاحت اللغة العربية إقامة الحوار بين الثقافات على طول المسالك البرية والبحرية لطريق الحرير من سواحل الهند إلى القرن الأفريقي.

 

وبمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، أجرت وكالة الأنباء القرآنية الدولية(إکنا) حواراً مع الباحث الايراني المرموق، والأستاذ الأكاديمي المختص في اللغة العربية وآدابها بجامعة طهران وعضو لجنة الثقافة والحضارة الاسلامية وإیران بالمجلس الأعلى للثورة الثقافية في إیران والناشط والداعية في مجال التقريب بين المذاهب الاسلامية “الدكتور محمد علي أذرشب”.

 

وقال الأستاذ الدكتور محمد علي آذرشب إنه “رغم أن الثورة الإسلامية في إيران قامت على القرآن، وحركتها كانت على القرآن الكريم، إلا أننا اليوم لم نصل إلى المكانة التي ينبغي أن نكون عليها في ممارسة تعاليم القرآن”.

 

وأضاف الباحث الايراني المرموق والناشط في مجال التقريب بين المذاهب الاسلامية أن “أحد أسباب هذه القضية هي “اللغة”، في الواقع، أهم ضعف نعاني منه في إيران هو الضعف في اللغة العربية وآدابها”.

 

وفي معرض ردّه على أسباب هذه المعاناة في إيران، قال: “من القضايا التي تثار أحياناً هي أن اللغة العربية لا ينبغي أن تكون بديلاً أو منافساً للغة الفارسية وهذه هي القضية التي تشغل بال الكثير من الناس”.

 

أبرز أساتذة البلاغة في اللغة العربية هم الإيرانيون

 

وأضاف: “يقول هؤلاء بأنه إذا قمنا بتوسيع اللغة العربية، فسوف تضعف اللغة الفارسية. ويجب أن ندرك أن اللغة العربية واللغة الفارسية ليستا منافستين بل إنهما مكملتان لبعضهما البعض، يتقن الشاعر الايراني الكبير “سعدي الشيرازي” اللغة العربية لدرجة أنه لديه شعر باللغة العربية”.

 

وأردف الأستاذ محمد علي أذرشب قائلاً: “من القضايا التي يجب أن ننتبه إليها هي أن اللغة العربية ليست “لغة العرب”، بل هي لغة “الحضارة الإسلامية” كما أن الإيرانيين قدّموا خدمات كثيرة للغة العربية، في الصرف والنحو، ويُعدّ “سيبويه الشيرازي” أحد العلماء الإيرانيون المشهورین وقائد مدرسة النحو البصرة، وهو المؤسس الأول لعلم النحو، كما أن أهم أساتذة البلاغة في اللغة العربية هم “الإيرانيون”.

 

وفي معرض ردّه على سؤال حول أفضل توجه نحو فهم القرآن الكريم والتدبر فيه، قال: “لفهم القرآن، يبدو لي أن الترجمة ليست كافية، الترجمة ضرورية ولكنها ليست كافية، يجب على الإنسان أن يعرف اللغة العربية جيداً، الترجمة جيدة،يمكن للإنسان أن يستخدم الترجمة لفهم المزيد (القرآن)، ولكن إذا كان لا يفهم اللغة العربية، فتنشأ مشكلتان: إحدهما أنه لا يتم فهم لغة القرآن جيداً، والثانية أن من لا يعرف العربية يبقى غير متصل بالعالم الإسلامي”.

 

وأشار إلى تبني سلسلة آل بوية للغة العربية، مبيناً: “في القرن الرابع للهجرة استقلت سلسلة آل بوية عن الخلافة، أي أصبحوا دولة مستقلة، رغم أنهم كانوا تابعين للخلافة العباسية إسماً، إلا أنهم أرادوا ألا ينفصلوا عن الدائرة الحضارية للعالم الإسلامي ووزرائهم كانوا من كبار الأدباء العرب مثل ابن العميد، وصاحب بن العباد، وشخصيات أخرى وتم إصدار كتب كثيرة باللغة العربية في زمن آل بويه”.

 

واستطرد قائلاً: “في الوقت نفسه بلغت اللغة الفارسية ذروتها وكان في زمن آل بوية كتّاب فارسيون من الدرجة الأولى وأيضاً في عصر حكم السلسلة السامانية، كان هناك من يعرف اللغتين العربية والفارسية جيداً”.

 

وأضاف: لقد قمت بتأليف كتابين هما “المتنبي في إيران” و”الجواهري في إيران”، والهدف من تأليف هذين الكتابين هو توضيح العلاقة بين كبار شعراء الوطن العربي وإيران، لذلك يسمى الجواهري أكبر شاعر العالم في القرن العشرين الميلادي كما يسمّى المتنبي شاعر العرب الأكبر مما يعني أنه كان شاعر الوطن العربي من الدرجة الأولى منذ قرون.

 

أبرز أساتذة البلاغة في اللغة العربية هم الإيرانيون

 

وأوضح أن هناك كتابات كثيرة حول العلاقة بين اللغة العربية وآدابها واللغة والأدب الفارسي، حتى أن تأثير الشاعر العربي الكبير “المتنبي” على الشاعر الإيراني “سعدي الشيرازي” كان كبيراً لدرجة أنه تم تأليف كتاب مستقل بعنوان “المتنبي وسعدي” بقلم الأستاذ العراقي “الدكتور حسين علي محفوظ” بحيث قدّم هذا الكتاب كرسالة الدكتوراه إلى جامعة طهران. هذا الكتاب مكتوب باللغتين الفارسية والعربية، وتم فیه ذكر عدد كبير (حوالي 50) من الشعراء باللغة الفارسية الذين تأثروا بالمتنبي، مما يدلّ على الارتباط القوي بين اللغة والأدب العربي واللغة والأدب الفارسي.

 

وصرّح الأستاذ محمد علي آذرشب أنه من المؤكد أنه كلما ازدهرت اللغة العربية ازدهر الأدب القرآني أيضاً. والحقيقة أن کبار العلماء في مجال جماليات القرآن هم إيرانيون يتقنون اللغة العربية، وقد ألّفوا العديد من الكتب، مثل أسباب الإعجاز، وأسرار البلاغة، و… وهذا مثال على الكتب كتبها إيرانيون لإظهار مدى جماليات القرآن، رغم أنهم إيرانيون، إلا أنهم على دراية تامة بعمق اللغة العربية.

 

السيرة الذاتية

 

ولد الدكتور محمد علي آذرشب في كربلاء المقدسة عام 1947 للميلاد لأبوين إيرانيين. تم قبوله في فرع الهندسة المدنية في كلية بغداد بعد أن أنهى تعليمه في المرحلتين الابتدائية والثانوية. وفي عام 1974 م، وبعد سنوات من التدريس والحصول على درجة الماجستير في اللغة العربية وآدابها في جامعة طهران، نُقل إلى جامعة طهران للتدريس، وعندما حصل على الدكتوراه في علوم القرآن والحديث عام 1983؛ أصبح أستاذاً في جامعة طهران.

 

وقام بالعديد من الأنشطة التنفيذية بما فیها معاون كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة طهران في الشؤون التعليمية والبحثية، والمستشار الثقافي لإيران لدى السودان وسوريا، ونائب المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية في الشؤون الدولية، وهو ضمن الفائزين بجائزة العلامة الطباطبائي العلمية بدورتها الثالثة لمؤسسة النخبة الوطنية الإيرانية عام 2013. كما قد كان الدكتور آذرشب أيضاً هو المحرر والمسؤول عن مجلات “رسالة التقريب”، و”ثقافاتنا”، و”ثقافة التقريب”.

 

من مؤلّفاته هي “نهج العاشقين، العلاقات الثقافية الإيرانية ـ العربية، محاضرات في حوار الحضارات، يد العشق، الملتقى، دراسات في التراث الإسلامي، بحوث ودراسات في التقريب بين المذاهب الإسلامية، مقالات في تاريخ القرآن، صدر المتألّهين الشيرازي، كيف نواصل مشروع حوار الحضارات، محاضرات مؤتمر المخطوطات العربية في إيران، صور أدبية في الحضارة الإسلامية، حكمة الفنّ الإسلامي، ابن المقفّع بين حضارتين”.

 

وقد ترجم من الفارسية إلى العربية بعض كتب الشهيد المفكّر مرتضى‏ المطهّري، والتي‏ منها: “المفهوم التوحيدي للعالم، الإنسان والإيمان، إحياء الفكر في الإسلام، الإمداد الغيبي في حياة البشرية، مسائل النظام والثورة، الشهادة، المجتمع والتاريخ، نهضة المهدي في ضوء فلسفة التاريخ، الإمداد الغيبي في حياة الإنسان”.

 

 

المصدر: ايكنا