عمل الكاتب والمفكّر الهولندي “عبد الواحد فان بومل” بعد إعتناقه الدين الإسلام على نقل المعاني القرآنية إلى الجيل الجديد في هولندا باستخدام لغة عصرية.
إن تاريخ وصول الدين الإسلامي إلى هولندا يعود إلى القرن السادس عشر ميلادي، عندما بدأ عدد قليل من التجار الأتراك والإيرانيين بالاستقرار في المدن الساحلية لهذا البلد.
ويتكون معظم السكان المسلمين في هذا البلد اليوم من المهاجرين المغاربة والأتراك. ويعتبر الإسلام ثاني أكبر ديانة في هولندا بعد المسيحية، وبحسب تقديرات عام 2018 فإن 5% من سكان البلاد مسلمون. غالبية المسلمين في هولندا هم من السنة، ويعيش معظمهم في المدن الأربع الكبرى في البلاد، وهي أمستردام وروتردام ولاهاي وأوتريخت.
الآن يوجد في هولندا أكثر من 400 مسجد نشط، منها حوالي 200 يملكها أتراك، و140 يملكها مغاربة، و50 يديرها صوماليون و10 مساجد متاحة أيضًا للمجتمعات الإسلامية الأخرى في هولندا.
وشهد المذهب الشيعي في هولندا نمواً ملحوظاً في نصف القرن الماضي، وأتباع هذا المذهب هم من المهاجرين الإيرانيين والعراقيين والأفغان.
ومع زيادة عدد السكان المسلمين في هذا البلد، أصبحت هناك حاجة إلى ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة السائدة هناك. أول ترجمة مطبوعة باللغة الهولندية، بعنوان “القرآن العربي” للمترجم “سالومون شوايغر” تمت طباعتها بالخط اللاتيني في هامبورغ عام 1641 ميلادي.
ومن أبرز الناشطين المسلمين الهولنديين المعاصرين الذين نشطوا في مجال ترجمة الأعمال الإسلامية هو “عبد الواحد فان بومل” الذي كان اسمه “ووتر فان بوميل”(Wouter van Bommel)، ثم غيّر اسمه إلى عبد الواحد بعد اعتناقه الإسلام. وهو أحد الشخصيات الإسلامية البارزة في هولندا منذ السبعينيات، وُلد في أمستردام عام 1944 لأب كاثوليكي وأم بروتستانتية.
بين عامي 1967 و1971، قرّر اعتناق الإسلام وهو القرار الذي دفعه نحو البحث عن معنى هذا الدين ودراسة القرآن والشريعة الإسلامية والتفسير والتأويل في إسطنبول. كما درس قواعد اللغة العربية وإعرابها، والفقه، والعقائد، والكلام والأصول من أجل فهم القرآن.
وتزوج عبد الواحد فان بومل من إمرأة إندونيسية تدعى “فريدة” وزاول نشاطه في مسجد “بيت الرحمن” في غرب هولندا. منذ عام 1992، كان أيضًا إمامًا لمركز معلومات المسلمين في مركز ” Beklaan” الاعلامي للمسلمين في لاهاي ومدير شركة الإذاعة والتلفزيون للمسلمين في هولندا.
وفي عام 2017، نشر كتاب De Koran: uitleg voor kinderen”” وهو أول “تفسير للقرآن للأطفال” باللغة الهولندية، وصدر المجلد الثاني من هذه المجموعة عام 2020 والمجلد الثالث عام 2024 بالتركيز على قصص الأنبياء أولی العزم (نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (علیهم السلام))، ويتناول هذا المشروع قصة حياة أحد الأنبياء (ع) من خلال الآيات القرآنية في كل مجلد.
يقول فان بوميل حول ترجمة القرآن الكريم: “إن القرآن لا يمكن ترجمته، يمكننا أن نقترب مما يعنيه، لكن الترجمة الحرفية لا تقترب أبداً من التجربة الأصلية لتلاوة القرآن ويكاد يكون من المستحيل ترجمة الاستعارات القرآنية”.
ويقول: يجب أن ننظر إلى المصدر نفسه، والجمهور، ورد فعل الجمهور على المعلومات المنقولة والسياق الاجتماعي. تتمتع هولندا بخلفيتها الاجتماعية والثقافية الخاصة فيما يتعلق بالدين والعلمنة، لكن فان بوميل يجد الترجمات الإنجليزية مصدراً مفيدًا للحصول على تفاصيل أو لإيجاد نهج أكثر فهماً لتفسيره للآيات القرآنية.
ويرى فان بوميل أن أي ترجمة لنص القرآن الكريم من العربية إلى الهولندية يجب أن تكون معبرة ومفيدة. ويجب فهم النص في السياق المحدد للزمان والمكان المعاصرين. لا ينبغي أن تكون كلمات سور القرآن ذات معنى لأطفال القرن الحادي والعشرين في هولندا فحسب، بل ينبغي أيضًا أن يفهم لهم تاريخ حياة النبي (ص) وحياة الأنبياء(عليهم السلام) قبله. وهذا النهج يشبه النهج الذي اعتمده قادر عبد الله في ترجمته الأدبية للقرآن إلى اللغة الهولندية. عند اعتماد هذا النهج، فإن الفهم النفسي الدقيق للجمهور أمر بالغ الأهمية لأي مترجم للقرآن.