زينب عقيل
في الفترة التي تلت الثورة الصناعية في أوروبا، لم تكن الأسماء اللامعة من الفلاسفة الذين أعقبوا الثورة العلمية، متحمّسين لمساواة المرأة مع الرجل. إلا أن التحولات الاقتصادية التي أفرزتها الثورة الصناعية تمظهرت بالحاجة إلى اليد العاملة، فبدأ العالم يشهد حضور النساء الطاغي على الرجال في المصانع. وبدأ التنظير للتحرر من القيم الاجتماعية والترويج لإلغاء كافة أشكال التمييز بين الرجل والمرأة من منظور القيم المادية، على أنّ كافة الجهات التي نظّرت للنسوية كانت رؤيتها مدعومة من العقل الراعي لرأس المال.
اجتماعيًا، بدا هذا تحوّلًا حضاريًا طبيعيًا ناتجًا عن الثورة العلمية والصناعية في الغرب، وكرد فعل ثوري على السلطة البطريركية الأبوية. ومع انحسار سلطة الكنيسة لتحلّ محلّها الأنظمة العلمانية، كانت حركة التحرر النسائي مسألة سهلة ومدعومة بالقوانين والتشريعات.
استخدام حقوق المرأة للحصول على غنائم المستعمرات
في تلك الفترة، ما بدا أنه حركة تقدّمية وتحررية للشعوب الأخرى، لم يكن سوى أحد المداخل التي قادت المشاريع الإمبريالية الكبرى في القرن التاسع عشر، إذ استُخدمت النسوية للحصول على غنائم المستعمرات، كما حصل مع القنصل البريطاني في مصر اللورد كرومر (1883 – 1907) الذي اعتبر أن “إهانة الإسلام للمرأة من خلال إجبارها على الحجاب والعزلة” كان “عقبة قاتلة” أمام وصول المصريين إلى الرقي في الفكر والشخصية الذي ينبغي أن يترافق مع دخول الحضارة الغربية، وأنه يجب “إقناع” المصريين أو إجبارهم على أن يصبحوا “متحضرين” بالتخلص من الحجاب. لكن ماذا فعل كرومر عندما عاد إلى بريطانيا؟ لقد أسس وترأس رابطة الرجال لمعارضة حقّ المرأة في التصويت، والتي حاولت بكل الطرق منع النساء من التصويت في وطنه.
الولايات المتحدة لم توقع على اتفاقيات حقوق المرأة الدولية
وفي العصر الحديث وقف بوش أمام الأمم المتحدة وقال “قمع المرأة في كل مكان خاطئ دائمًا”، محفّزًا الغرب على مهاجمة العراق “من أجل نسائه”. تمامًا كما كان لتحرير النساء من البرقع حصة لقصف أفغانستان، وتم حصار الصين بسبب سياسة الطفل الواحد، والهند بسبب الاعتداء على حرق الأرامل. ولكن، في الولايات المتحدة، لا يعود بوش نسويًا. في أول يوم له في المكتب البيضاوي، قطع التمويل عن كل منظمة دولية لتنظيم الأسرة تقدم خدمات أو استشارات تتعلق بالإجهاض.
وليس بعيدًا في التاريخ، كان قانون مكافحة العنف ضد المرأة قد سقط في عام 2019 تحت قيادة الرئيس السابق ترامب بعد خلاف حول بند مقترح يحظر على المتزوجين المتهمين بالعنف المنزلي شراء سلاح. إلى أن أعاده بايدن العام الماضي في 16 آذار 2022. كما أن الولايات المتحدة لا تزال متخلفة عن العديد من الدول في التزاماتها الدولية لمكافحة العنف ضد المرأة. حيث لم تصدق الولايات المتحدة على العديد من الصكوك القانونية الدولية التي تحمي حقوق المرأة. وعلى وجه الخصوص، وقعت الولايات المتحدة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW) ولكنها لم تصدق عليها . تُعرف اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة باسم “الشرعة الدولية لحقوق المرأة”، لأنها الاتفاقية ذات الحماية الأكثر شمولاً ضد التمييز القائم على النوع الاجتماعي. وذلك بسبب عدم موافقة الحزب الجمهوري حيث تلقى أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون ضغوطًا من الجماعات الدينية التي تعتقد أن الأدوار التقليدية للجنسين منصوص عليها في الكتاب المقدس وأن الإجهاض غير أخلاقي، وينافي القيم العائلية.
الواقع أنّ هذه القضية لا تبدو متناقضة مع المجتمع الأمريكي. يحضر إلى الذهن تلك الفترة التي جرت فيها المنافسة بين ترامب وهيلاري كلينتون على الرئاسة، ربح ترامب العنصري ضدّ المرأة والذي ثبتت عليه قضايا تحرّش، وخسرت هيلاري. وكانت عبارة “الأمريكيون مستعدون لانتخاب أمريكي من أصل أفريقي وليسوا مستعدين لانتخاب امرأة”، كان يُسمع صداها في الصحف ومواقع التواصل. كما أن العنف ضدّ المرأة في الولايات الأمريكية يسجّل معدلات مرتفعة في الجرائم العنفية والجنسية.
سياسة خارجية نسوية أم تكتيكات استعمارية
تحت عنوان المرأة والسلام والأمن، وكيف يمكن تطوير السياسة الخارجية النسوية لكي تصبح الولايات المتحدة قوة جنسانية عظمى، يطرح المعهد الأمريكي للسلام أجندة يمكن للولايات المتحدة أن تمارس من خلالها قوتها العظمى من خلال تضخيم العلاقة بين تمكين المرأة واستقرار الدولة والاستقرار العالمي والأمن والازدهار أي من خلال تأسيس سياسة خارجية نسوية.
الواقع أن دولًا غربية قد سبقت الولايات المتحدة في تقنين السياسات الخارجية النسوية وعلى رأسها السويد، وتليها كندا وفرنسا، وتطور ألمانيا اليوم سياستها الخارجية النسوية التي برزت في فترة الاحتجاجات الايرانية على خلفية وفاة الشابة مهسا أميني. إلا أن هذه الدول وخاصة السويد واجهت أسئلة في مسألة بيع الأسلحة للسعودية مثلًا، والتي تنتهك حقوق الإنسان بشكل عام وليس فقط المرأة. كما واجهت أسئلة مع الولايات المتحدة حول وضع المرأة في أفغانستان بعد منعها من التعليم دون أن يحرّك أحدٌ ساكنًا. وهو الأمر الذي يكشف زيف مقاصد هذه السياسات، وأنها تدور فقط حول المصلحة والمنفعة.
قد يبدو غريبًا أن الولايات المتحدة تتلكأ وتتمنع عن إقرار القوانين أو الاشتراك في المعاهدات الدولية، في الوقت الذي يبدو أن همّها الدولي هو إنقاذ المرأة في دول العالم الثالث من ثقافتها، وأحيانًا وبحسب المنفعة، تقيم لأجلها الحروب. لكن بالنظر إلى ديدن الغرب في تاريخهم الاستعماري وتاريخ حروب الولايات المتحدة، وحروبها الجديدة من الجيل الخامس التي تعتمد قضايا المرأة كمواقع مكشوفة للدول لتنقضّ من خلالها، سندرك أن هذه الممارسات مألوفة لدى هؤلاء، وأنّ المسألة ليست مسألة أيديولوجية لإعلاء قِيّم الديموقراطية، إنها فقط سلاح قديم يتمّ تحديثه وتصيينه عبر العصور، خاصةً أنه لطالما نجح في صنع ثقوب سوداء داخل الأنظمة الاجتماعية والسياسية.