عبير شمص
في عصر تسوده التغيرات التكنولوجية السريعة، يتصدر الذكاء الإصطناعي قائمة النقاشات الجدلية حول تأثيره على الثقافة والفنون على الصعيدين العلمي والمجتمعي بين وعودٍ بخلق مستقبلٍ أكثر تقدماً وسلاسة، ومخاوفَ من التأثير السلبي على الثقافة والهوية. الذكاء الإصطناعي، بقدر ما يثير آمال وتطلعات المجتمعات يعتبر مصدراً للقلق والأسئلة العميقة حول كيفية تأثيره على الإبداع والحرية الفكرية. من هنا، يطرح الخبراء تساؤلات محورية: هل يُعتبر الذكاء الإصطناعي صديقًا يسهم في تحسين الواقع الثقافي وتعزيز فرص التلاقي والإبداع الثقافي، أم عدوًا يهدد الثقافات المحلية؟ وما هي التحديات التي يواجهها الأدب والفن في ظل تكنولوجيا الذكاء الإصطناعي، ومدى قدرتها على احترام الاختلافات الثقافية والدينية في ظلّ تنامي العولمة الرقمية، وتأثير ذلك على الهوية العربية والإسلامية؟، هذه التساؤلات وغيرها سنطرحها مع الخبير التربوي والسياسي اللبناني الدكتور ماجد جابر لنستكشف الوجه الحقيقي للذكاء الإصطناعي، فهل هو قفزة نحو مستقبل أكثر شمولية وتطوراً، أم خطر يُحدق بقيمنا وهويتنا؟ وفيما يلي نص الحوار:
ويعتبر الدكتور جابر أن اللغة العربية، باعتبارها واحدة من أكثر اللغات تحدثًا في العالم، قد تُواجه تحديات في مجال الذكاء الإصطناعي، إذ أن العديد من تطبيقات الذكاء الإصطناعي، مثل المساعدين الصوتيين، محركات البحث، وبرامج الترجمة، تم تطويرها أولاً لتدعم اللغات الأكثر شيوعًا عالميًا (كالإنجليزية)، الأمر الذي يؤدي إلى إضعاف اللغة العربية أو تقليص حضورها في مجالات تكنولوجية حيوية، مما قد يؤثر على الهوية الثقافية والقدرة على التعبير عن الذات بلغتها الأم.
أضف إلى ما تقدم، يشير الدكتور جابر أن احتكار وهيمنة الدول الغربية على مجال الذكاء الإصطناعي، وامتلاكها الموارد والقدرة على تطويره بشكلٍ أسرع من دول أخرى، لا سيما الدول العربية والإسلامية، يخلق تفاوتاً كبيراً في الوصول إلى التكنولوجيا، وبالتالي، قد يؤدي إلى تغريب الهوية، خصوصًا أن الدول العربية بدأت تعتمد بشكلٍ كبير على التكنولوجيا التي طوَّرتها جهات خارجية وتنحو بإتجاه التحول الرقمي، مما يجعل هذه الدول أقل قدرة على التأثير في التطورات التكنولوجية، وبالتالي أقل قدرة على حماية هويتها الثقافية والدينية.
تحديات الذكاء الإصطناعي في الأدب والفن
يلفت الدكتور جابر بأن الذكاء الإصطناعي خلق تحديات كبيرة في مجالي الأدب والفن، مما أثار تساؤلات حول الإبداع، الأصالة، والحرية الفنية. وعلى الرغم من أنه يمكن للذكاء الإصطناعي أن يقدم أدوات قوية وابتكارات جديدة، إلا أن تأثيره يمكن أن يكون عميقًا ومعقدًا. ومن أبرز التحديات التي يطرحها الذكاء الإصطناعي في هذا المجال هو قتل الإبداع والحرية الفنية بعد أن أصبح الذكاء الإصطناعي قادرًا على إنشاء أعمال أدبية وفنية تتشابه بشكلٍ كبير مع الأعمال التي يبدعها البشر في الأدب والتي كانت سمة بشرية فريدة، ككتابة نصوص رواية أو شعر بناءً على الخوارزميات والبيانات التي يتم تغذيتها فيها. وفي الفن مثلاً، يمكنه إنشاء صور، لوحات، أو حتى موسيقى بشكل أسرع وأكثر كفاءة من الإنسان، الأمر الذي قد يقلل ذلك من قيمة العمل البشري أو يعطل حرية التعبير الفني.
ويرى الدكتور جابر بأن مسألة الأصالة وحقوق الملكية الفكرية تُشكل تحدّيًا ثانيًا يطرحه الذكاء الإصطناعي مع إنتاجه لأعمال فنية وأدبية، إذ يُثار سؤال حول حق الملكية الفكرية، هل يكون للمبرمجين الذين طوروا الخوارزميات أو الذكاء الإصطناعي نفسه ككائن مستقل؟ يثير ذلك مسألة قانونية قد تؤدي إلى خلافات في صناعة الفن والأدب، الأمر الذي يتطلب تحديد حقوق الملكية وضمان حماية الأعمال المبدعة. كما تُعتبر الأعمال التي يُنتجها الذكاء الإصطناعي نسخًا أو إعادة صياغة لأعمال بشرية موجودة بالفعل، تحديًّا كبيرًا حول أصالة الفن.
ويُشكل الذكاء الإصطناعي تهديدًا للوظائف في مجالات الأدب والفن، إذ قد تُستبدل بعض الوظائف الإبداعية التي كانت في السابق حكراً على البشر. على سبيل المثال، في مجال الكتابة، ككتابة المقالات الإخبارية أو الكتب الموجهة للأعمال، وكذلك في الفن، قد يُستخدم الذكاء الإصطناعي لإنشاء لوحات ورسومات تجارية أو تصاميم رقمية، مما قد يقلل من فرص العمل للفنانين التقليديين. أكثر من ذلك، بدأ بعض الفنانين في استخدام الذكاء الإصطناعي كأداة لإنتاج أعمال فنية جديدة، مما يؤثر على وظيفة الفنان التقليدي، ويعزز من لجوأه إلى الاعتماد على الآلات، الأمر الذي يخلق تحديًّا كبيرًا أمام الإبداع الفني.
الأخطار المجتمعية لبرامج الذكاء الإصطناعي
لا تتوقف إمكانية خطر الذكاء الإصطناعي على الثقافة فقط بل تتعداه لتطال البنية المجتمعية في العالم العربي والإسلامي، وفق الدكتور جابر، ففي ظل تهديدات الاختراق، تعتمد برامج الذكاء الإصطناعي على بنى تحتية رقمية متطورة، وتجمع كميات هائلة من البيانات لتحليلها واتخاذ قرارات بواسطتها، إذ تعد هذه البيانات أحد الأصول الأكثر حساسية في العصر الرقمي. لذلك، يجب التعامل مع هذه البرامج بحذر ووضع ضوابط صارمة لضمان أمانها. وبالتالي تعود أسباب الاختراقات في برامج الذكاء الإصطناعي، إلى كونها تحتاج إلى بيانات ضخمة لتدريب النماذج وتحسين أدائها. وفي حال تم اختراق البيانات المخزنة أو التدخل في عملية تدريب النماذج، يمكن أن يؤدي ذلك إلى سرقة معلومات حساسة، والتأثير على نتائج وقرارات الذكاء الإصطناعي وإفسادها.
وعما إذا كان يمكن أن نَأمن لبرامج الذكاء الإصطناعي، يقول الدكتور جابر بأن الإجابة باختصار ليس بشكل كامل، ولكن يمكن تقليل المخاطر إلى الحد الأدنى حيث يمكن تقليل التهديدات الأمنية عبر اتخاذ تدابير وقائية قوية على عدة مستويات، تبدأ من حماية البيانات عبر تشفيرها، وجمع الحد الأدنى من البيانات الضرورية لتقليل المخاطر، والقيام بمراجعة دورية للخوارزميات لتأمينه، من خلال الفحص بشكل دوري لاكتشاف نقاط الضعف، إلى جانب استخدام التعلم الآمن مثل تطبيق تقنيات التعلم الفيدرالي (Federated Learning) لتقليل الحاجة إلى تخزين البيانات في مكان واحد، واستخدام أنظمة كشف التهديدات والهجمات قبل وقوعها، إلى جانب ضرورة اتباع سياسات واضحة ومعلنة حول كيفية استخدام البيانات، فضلًا عن ضرورة تدريب العاملين في أي مجال يستخدم الذكاء الإصطناعي على كيفية حماية بياناتهم وتجنب الهجمات السيبرانية.
وبالتالي يؤكد الدكتور جابر، فإن برامج الذكاء الإصطناعي تمثل تطوراً مذهلاً في التكنولوجيا، لكنها ليست محصنة ضد التهديدات. أمثلة الاختراقات المذكورة أعلاه تؤكد الحاجة إلى تطوير أنظمة أكثر أماناً، واعتماد تدابير وقائية مستمرة. الذكاء الإصطناعي يجب أن يكون أداة تعمل لصالحنا، وليس نقطة ضعف يمكن استغلالها من قبل المهاجمين.
الذكاء الإصطناعي صديق أم عدو
يشير الدكتور جابر بأن الذكاء الإصطناعي ليس في حد ذاته صديقاً أو عدواً، بل يعتمد دوره على الطريقة التي يتم فيها استخدامه. إذا تم تطبيقه بحكمة وبشكل مدروس، يمكن أن يكون صديقاً ، يدعم العملية الثقافية ويعززها. أما إذا أُسيء استخدامه أو تم الاعتماد عليه بشكلٍ مفرط دون مراعاة الجوانب الإنسانية والثقافية، فقد يتحول إلى عدو يضعف الثقافة والفن ويزيد من التحديات القائمة.