حزب الله.. القوة المتصاعدة وخطرها على الكيان الصهيوني

خاص الوفاق : المقاومة الجهادية أثبتت وجودها من خلال العمليّات العسكرية وإيلام العدوّ، مع تشابك المصالح الاستراتيجية بين المقاومة من جهة، والدولتين اللبنانية والسورية، من جهة أخرى، والاحتفاظ بسلاح المقاومة بعد اتفاق الطائف

2024-12-21

ستنشر صحيفة الوفاق مقالات للكاتب اللبناني الأستاذ في التاريخ السياسي المعاصر الدكتور حسن محمد إبراهيم حول القوة المتصاعدة لحزب الله وخطرها على وجود الكيان الصهيوني:

 

الحلقة الثانية – تصفية الحساب والمقاومة

 

جرت أحداث مفاجئة للعالم بأسره، لم يتوقعها إلا القليل، منهم الإمام الخميني(قدس) الذي أرسل رسالته الشهيرة إلى ميخائيل غورباتشوف في 3 كانون الثاني 1989، ناعيًا الشيوعية الذاهبة إلى متاحف التاريخ السياسي العالمي، بعدما وصل صریر تهشّم عظام الشیوعیة إلى أسماع أبناء الدول التي اتّبعتها.

 

جاء تفكك الاتحاد السوفياتي وانهياره في 26 كانون الأول 1991، لأسباب متعدّدة، بمثابة محطة ارتكاز عالمية فاصلة، توّجت الولايات المتحدة الأميركية حاكمة بأحادية قطبية تنصاع لها كل الدول، بما فيها الدول الأوروبية.

 

انطلقت إثرها ما تُسمى بمفاوضات السلام بين بعض الدول العربية والكيان الصهيوني، وابتدأت بـ«مؤتمر مدريد» في أواخر العام 1991، تحت شعار «الأرض مقابل السلام»، لإنهاء القضية الفلسطينية التي تمثّل جوهر الصراع، وفرض استسلام كل تلك الدول بما فيها سوريا ولبنان، وبالتالي إنهاء حالة المقاومة ضد العدوّ الصهيوني.

 

هنا يأتي الحديث عن المرحلة التالية من تصاعد قوة حزب الله في جنوب لبنان ومنطقة البقاع، بعد التطوّر العمليّاتي ضدّ المواقع العسكرية الصهيونية، إضافة إلى بعض المواجهات المباشرة، أبرزها المواجهة في بلدة «ميدون» في 26 نيسان 1988، التي شكّلت نقطة تحوّل في المسار العسكري الذي اعتمده حزب الله.

 

وبعد تعاظم هذه القوة العسكرية لحزب الله، وتفاقم انهيار العامل النفسي والمعنوي للجنود الصهاينة وعملائهم، وفشل عملية المفاوضات، أراد العدوّ تغيير الواقع، فدخل مرحلة تصفية القيادات البارزة، فاغتال الأمين العام السيد عباس الموسوي(رض) في 16 شباط 1992، ظنًّا منه أن يحقّق عدة أهداف:

 

– استعادة الهيبة التي فقدها في الميدان.

 

– كسر عنفوان المجاهدين.

 

– نسف البنيان التنظيمي لحزب الله وخلق حالة من الفوضى الداخلية.

 

جاء الردّ مباشرًا بانتخاب السيد حسن نصر الله أمينًا عامًّا، ومن ثم بالمواجهات العنيفة التي خاضها المجاهدون، وتنفيذ العديد من العمليّات النوعية التي خرجت عن المساحة الجغرافية اللبنانية، وأيضًا بلغت قصف المستعمرات الصهيونية داخل فلسطين المحتلّة بمحاذاة الحدود اللبنانية، عندها افتتحت مسارًا جديدًا في التكتيك العسكري، فانعدم تحقيق الأهداف وخابت القيادة الصهيونية.

 

لم تمضِ على تسلّم السيد نصر الله السنة ونصف السنة، حتى شهدت العمليّات العسكرية تصاعدًا نوعيًّا وعدديًّا، لذلك عاش العدو الصهيوني حالة قلق وتأزّم داخلي، وفي جانب آخر، رفضت المقاومة الانصياع لرغبات الأميركيّين، فدخلت في سباق مع الواقع اللبناني الداخلي والحضور الإقليمي والعصيان الدولي، فانفردت بالمواجهات العسكرية، وعدم الدخول إلى قلب النظام السياسي اللبناني، إلا في انتخابات العام 1992، من خلال ممثّلين عنها في البرلمان للدفاع عنها.

 

أرادت الولايات المتحدة الأميركية، وإلى جانبها الكيان الصهيوني، تنفيذ عملية عسكرية في لبنان، تؤدي بنظرهم إلى خلق حالة من الانصياع والتراجع لدى كلٍّ من سوريا ولبنان والمقاومة، فكانت عملية «تصفية الحساب» بالمسمّى الصهيوني، في تموز 1993.

 

جاءت العملية العسكرية لتحمل أهدافًا عدة منها:

 

– الضغط على سوريا من أجل تليين مواقفها في المفاوضات.

 

– الضغط على لبنان ومحاولة فصل المسار التفاوضي عن دمشق.

 

– الرد على العمليّات العسكرية للمقاومة الإسلامية.

 

– اعتماد سياسة الأرض المحروقة في المناطق الجنوبية اللبنانية.

 

– كسر حزب الله عسكريًّا.

 

– تأليب المجتمع اللبناني والبيئة الحاضنة على حزب الله، من خلال تدمير المباني السكنية في الجنوب اللبناني.

 

تصبّ كل أهداف عملية «تصفية الحساب» في مشروع «الشرق الأوسط الجديد» الذي انطلق لحظة سقوط الاتحاد السوفياتي، وما تزال الإدارة الأميركية تعمل عليه حتى يومنا هذا، رغم كل الفشل الذي لحق بها.

 

بعد مرور أسبوع على الاجتياح الجوّي الصهيوني، استوعبت المقاومة الضربة وصمدت، وهي التي تواجه للمرة الأولى هكذا نوع من الهجوم الجوي والقصف المدفعي على مختلف مناطق الجنوب، وبعض مناطق البقاع والبقاع الغربي، وخرجت من المعركة منتصرة بإفشال أهداف العدو كلها، لا بل أدخلت عنصرًا جديدًا في المواجهة الميدانية بالدخول إلى ما بعد الحدود اللبنانية باتجاه فلسطين المحتلّة، وهو امر كان يثير القلق الصهيوني وعملت جاهدة على إيجاد الحلّ السياسي والعسكري منذ عمليّات المقاومة الفلسطينية والوطنية اللبنانية.

 

بانتصار حزب الله في المعركة العسكرية، تعدّدت النتائج التي اكتسبها، منها:

 

– دخول لبنان في صلب الاهتمام الدولي، لما يشكّله حزب الله من خطر على الاحتلال الصهيوني، من أجل العمل على تحييد المقاومة عسكريًّا أو سياسيًّا أو من خلال تقديم الإغراءات بالمشاركة في مؤسسات الدولة، كما تحدّث السيد حسن نصر الله عن عروضات ومكافآت سياسية ومالية وتوظيفية مقابل التخلّي عن العمليّات العسكرية ضد مواقع الاحتلال، مع إمكانية الاحتفاظ بالسلاح الخفيف داخل بيروت، الأمر الذي رفضه حزب الله بالمطلق.

 

– الإبقاء على الشرق الأوسط خاليًا من الأمن والسلام مع العدو الصهيوني، ما يسقط التطبيع ويؤثر على المفاوضات اللاحقة.

 

– عدم الاستسلام، بل الثبات في المواجهات العسكرية، وعدم الانصياع للإدارة الأميركية للدخول عنوة ضمن سياستها في المنطقة.

 

– فرض الرعب على جنود العدوّ الصهيوني وعملائه من جيش لحد.

 

– دعم الموقفين اللبناني والسوري في المفاوضات، من خلال رفع شعار وحدة المصير، بعدما رفع أركان الدولة اللبنانية شعار وحدة المسار التفاوضي.

 

– دخول قصف المستوطنات الصهيونية في فلسطين المحتلّة ضمن التكتيك العسكري للمقاومة.

 

– المدخل للاستعداد إلى المزيد من العمليات العسكرية المماثلة لاحقًا، بعد أخذ العِبَر والدروس، فكانت عملية «عناقيد الغضب» هي الموجة الثانية بعد مرور أقلّ من ثلاث سنوات.

 

بعد ذلك، استطاعت المقاومة الإسلامية أن تنتقل إلى مرحلة أخرى متقدمة من استيعاب الضربات، والاستعداد لعمليّات أقسى، ودراسة التطوّرات العسكرية، مع دراسة الميدان وحاجته، كلّ ذلك ساهم في تطوير العمليّات العسكرية واقتحام المواقع المتقدّمة، فكانت عملية اقتحام موقع «الدبشة» في 29 تشرين الأول 1994، بما وثّقته كاميرا الإعلام الحربي وعرض فيلم فيديو لكامل العملية، وعمليّات مماثلة، حيث حفرت عميقًا في الوجدان الصهيوني، وكَيّ الوعي لدى الصهاينة.

 

يمكن للناظر في مسيرة حزب الله أن يلاحظ وجود تطوّر بنيويّ وفق رسم بياني تصاعدي، لذلك فإن المرحلة الأولى التي يمكن قراءة معطياتها، هي مرحلة التأسيس والتكوين، مع ما رافقها من بداية عمل تنظيمي وجهادي، استمرّت حتى العام 1993.

 

أما المرحلة الثانية، فكانت أبرز محطتها إفشال الاستسلام ورفض الانصياع للإدارة الأميركية والصهیونیة، بما أطلق عليها مرحلة «مفاوضات السلام»، وصولًا حتى عملية «تصفية الحساب»، لكن بارتباط وثيق مع عوامل التأثير الداخلية والخارجية والدولية، حيث يمكن أن نطلق عليها مرحلة تثبيت الوجود، والاعتراف الوجودي بالمقاومة، لا سيّما بعد الدخول في المجلس النيابي في العام 1992، ومرحلة الاعتراف الضمني الدولي بالمقاومة الجهادية التي أثبتت وجودها من خلال العمليّات العسكرية وإيلام العدوّ، مع تشابك المصالح الاستراتيجية بين المقاومة من جهة، والدولتين اللبنانية والسورية، من جهة أخرى، والاحتفاظ بسلاح المقاومة بعد اتفاق الطائف، وأيضًا لها الفضل الأكبر بانعدام اللجوء إلى مؤتمر التسوية والاستسلام.

 

 

 

المصدر: الوفاق/ خاص

الاخبار ذات الصلة