قصة قصيرة

أخطاء

خاص الوفاق : التاريخ مليء بالأخطاء، عليّ أن أصلح الأخطاء بدائرة شؤوني. لم أعلم أتلك من آثار أخطاء التاريخ بحقّي أم بما كسبت يداي؟

2024-12-23

بقلم الكاتبة نجوى الموسوي

 

أخطاء التاريخ مليء بالأخطاء. قال لي خالي أمس. كان يحاول المناقشة. أجبتُه بأن بيتي مليء مثله. لا وقت لديّ حتى للتفكير في الموضوع.

 

أنا اليوم في بيتي، أقف على أنقاض تهاوت من المباني المدمرة في شارعنا البيروتي العريق. ملأت الحجارة والتربة والحصى الأثاث والمعالم والأرض. كأن زلزالا مرّ من هنا.

 

منذ أسبوع أدخل منزلي “المعطوب” يومياً. أجرف ركامًا وأرفع وأكنس. أرمي شبابيك مكسورة وأخشابا مقطعة.. وأنظف بعضها الآخر.

 

الكلمة تلحّ وتتردد في “فيوزات دماغي”. التاريخ مليء بالأخطاء. لكنّ كلّ حالي يتلخص بالوجع ومحاولة الشفاء. عليّ أن أصلح أخطاء في دائرة شؤوني. لم أعلم هل تلك أثرٌ من آثار أخطاء التاريخ بحقّي أم هي ما كسبت يداي؟ هل هو طغيان اعتدى عليّ فقط أم ساهمت به حين لم ألصق زجاج بيتي ولم أتوقّع أن تطال الغارات عاصمة بلدي؟

 

كل يوم أعود من بقاياه إلى منطقة تبعد عن العاصمة شمالاً مسافة نصف ساعة. هناك توجد غرفة لأخي فوق سطح والديّ.  جهزتها بغاز واسفنجات وطنجرة وأكواب وصحون وملاعق بعدد أفراد أسرتي. لا أعلم أهذا صحيح أم أخطأت بقراري ولم أستأجر شقة مفروشة؟ هل هو خطأ كبير أمام معيار توفير النقود لأدوية زوجتي المُصابة بأذنيها وبارتفاع الضغط جراء الغارة المباغتة؟ ومن يعرف غير المُجرّب صعوبةَ إيجاد شقة في هذه الهدنة؟

 

التاريخ مليء بالأخطاء، وكذلك حركاتي مليئة بالأخطاء هنا في بيتي. أمشي نحو المطبخ أصعد نحو السطح أعود إلى لملمة الزجاج المهشم قطعاً صغيرة وكبيرة. لا شيء في مكانه. أتحرك خبط عشواء. ثم أتألم من برق في ظهري.

 

داهمني الوجع منذ بدأت أتردد بين بيت متضرر  وبيت أحاول تأمين ضرورات الحياة فيه. إحدى الإسفنجات المشتراة تبيّن أنها مغشوشة، فاستخلصتها لنفسي مؤثراً. أصبحت عليها كالنائم على رقاقة ورق تهبط بي في فجوة تجعل عضلاتي متصلبة وتزيد من سعالي!

 

استيقظ بظهر مفلوق لأنطلق. تستمر عمليات سحب النفايات. أحار  كيف أتخلص من الحشرات والدود في المطبخ. أتساءل من أين أبدأ؟ وماذا أستخدم من معدات وأدوات تنظيف؟ ومتى يجرفون الأنقاض المتراكمة كالتلال حول البناية؟ ومن يستطيع المساعدة؟

 

كل طرف مني فيه مئة كسر وجرح وتمزق. تماماً مثل كل كنبة وشباك وسرير وباب وخزانة وقفل. بالمناسبة ما زلت أحاول معالجة قفل جديد للباب وتركيبه بدل النجّار! يا ليت البناية سقطت كلها، كان أسهل.  معروف أن إصلاح الخراب أصعب من العمران نفسه. لا يمكن أن توصَف بشاعة الفوضى وبشاعة الأخطاء. آخ من الأخطاء التي تستنزف الرأس.

 

طرق أحدهم لوحاً خشبيّاً مرميّاً على جدار مدخل الشقة. هذا جاري. سلام وكلام. يسألني لماذا تبدو خمسينيّاً وأنت لم تتجاوز الثلاثين؟ أضحك. وأخبره بهمومي. يخبرني بإجراءاته المكتوبة على ورقة لضمان سيطرته على همومه. أقرر أن أستفيد من خبرته كي لا أقع في أخطاء الإصلاح ولا أكرر تجربة العمل العشوائي.

 

الحيّ مليء بالأخطاء. نقلتُ من ورقة جاري ما وجدته يناسب حال بيتي. ودّعته شاكراً. قال:

 

بالعكس، لقد أحسنت يا عزيزي، ويا ليت الأمة تستفيد من تجارب التاريخ مثلك! أتصدق؟ يا ليت المدينة كلها انهارت ولكنها افتدت ضياع فلسطين ومذابح أهالي غزة..

 

جاري انصرفَ متحسّراً. وأنا هززت رأسي: التاريخ مُجدّداً!

 

وفجأة، وجدت أنني أشطف الثلاجة قبل رفع الردم عن أرض المطبخ وقبل الإتصال بعاملات نظافة. أشطف بوجع الظهر ووجع العقل. هكذا عُدت أخطئ. ضاقت أوداجي. ضاق صدري. واحترازاً من الاختناق سرعان ما أخرستُ نفسي: التاريخ مليء بالأخطاء، ولم نعتبر. هل سيتوقف الأمر على كياني المسكين؟

 

 

 

 

المصدر: الوفاق/خاص