بيروت.. دفتر واجبات جهاد (الجزء الثاني عشر)

خاص الوفاق : ستنشر "الوفاق" على عدة حلقات مشاهداتها الخاصة من بيروت كتبها لها الدكتور محمد علي صنوبري رئيس تحرير مركز الرؤية الجديدة للدراسات الاستراتيجية، وفيما يلي الجزء الثاني عشر من هذه السلسلة:

2024-12-23

د.محمد علي صنوبري

 

لقد أوصى الأصدقاء اللبنانيون بأن أسكن في مناطق آمنة من المدينة. كان الفندق الذي أقيم فيه يقع في منطقة قريبة من منزل السيد نبيه بري، رئيس مجلس النواب اللبناني وزعيم حركة أمل.

 

وفقاً للتقسيم الطائفي في لبنان، فإن حصة الشيعة في السلطة هي رئاسة مجلس النواب، بالطبع، هذا التقسيم قديم ويعود إلى عام 1943. ووفقاً للإحصائيات الحيوية والديموغرافية، يشكل الشيعة النسبة الأكبر من السكان في لبنان. وهكذا، فإن رئيس الوزراء، الذي يمثل أعلى سلطة في البلاد، يُعطى لأهل السنة، بينما رئاسة الجمهورية، تُعطى للمسيحيين.

 

في الفندق الذي أقيم فيه، لاحظت ظواهر مثيرة للاهتمام. من وجهة نظر علم الاجتماع السياسي وعلم النفس الاجتماعي، وهما من بين تخصصاتي ومجالات دراستي، كان الفندق نموذجاً جديراً بالملاحظة والدراسة.

 

الكثير من الأشخاص الذين أقاموا في هذا الفندق كانوا من الذين كانت أماكن سكنهم في مناطق خطرة مثل الضاحية أو صور أو البقاع وغيرها. حاولت أن أبدأ مقابلاتي واستطلاعاتي الفكرية دون أن أثير حساسيتهم.

 

لذلك، غلفت كاميرتي واستعددت لسماع وتدوين آرائهم بأذني، وقد بدأت مع جهاد، وهو طفل يبلغ من العمر 9 سنوات كان دائماً يكتب واجباته في الردهة أو ممر الفندق. سألته: ما اسمك؟ قال: جهاد. فقلت: من أين أتيت؟ قال: من الضاحية. فسألته: لماذا جئت إلى الفندق؟ قال: جئت مع عائلتي، والدي ووالدتي وصالح أخي ونَدا خالتي.

 

وتابع: الكيان الصهيوني يريد تدمير جميع منازلنا، جئنا إلى الفندق حتى إذا ضربوا منزلنا بالصواريخ نبقى نحن على قيد الحياة.

 

فسألته: غير الكيان الصهيوني، من تكره أيضاً؟ قال: أمريكا، لأن صواريخ الكيان الصهيوني في غزة نفدت وأمريكا تمد الكيان الصهيوني بالصواريخ.  فقلت: ومن غيرهم تكره؟ قال: صالح! سألت: أخوك؟ أجاب ضاحكاً: نعم. فقلت: لماذا؟ قال: لأنه دائماً يأخذ واجباتي من المعلم عبر الواتساب ويعطيني أياها لكي أنجزها! بعدها فتح باب إحدى الغرف وخرج صالح، وهو شاب يبلغ من العمر 20 عاماً، طويل القامة، وسيم المظهر، يبدو متديناً ويشبه مجاهدي حزب الله، ثم قال: جهاد اكتب واجباتك! فقدمت نفسي وقلت إنني جئت من إيران وأنا أقوم بتوثيق الأحداث وجهاد يساعدني في ذلك، وقلت إن لدي أيضاً ابناً يبلغ من العمر 9 سنوات يدعى علي وجهاد يذكرني بعلي.

 

فقال صالح: هل زرت الضاحية؟ قلت: ثلاث مرات! قال: هل تريد أن آخذك إلى هناك؟ قلت: الأفضل أن تخبرني عن الوضع هناك، عن ردود فعل الناس بشأن مغادرة المنازل والتهجير.

 

قال صالح: بعض الناس ذهبوا إلى الشمال واستأجروا بيوتاً هناك. وبعضهم استقر في بيروت أو الشمال في منازل أقاربهم،أو في فنادق في بيروت، والبعض ذهب خارج لبنان.

 

فقلت: حسناً، يبدو أن وضعكم جيد، فضحك صالح ضحكة مصطنعة وقال: نعم، ربما! فسألت: كيف هو الوضع يا صالح؟ هل لديك شكوى من الوضع الحالي؟ قال: أرواحنا جميعاً فداء للسيد.

 

ما زلنا نأمل أن يكون حياً وأن يكون كل هذا خدعة للعدو. ولكن إذا كان قد استشهد، فلتكن أرواحنا جميعاً فداء لمرقده.

 

في هذه الأثناء، جاءت نَدا (خالة جهاد) وعانقت جهاد وصالح وقبلتهما. وعلى عكس مظهر صالح، كانت نَدا سيدة تبلغ من العمر حوالي 50 عاماً .

 

 

فقلت: لديك ابنا أخت رائعان، حفظهما الله. فشكرتني. وقلت: أنا إيراني، فرددت بنبرة محايدة: سلام فرمانده!! فقلت: يبدو أن الكثيرين يعرفون إيران بسلام فرمانده، ثم سألتها: كيف هو وضعكم؟ قالت: أنا هنا في الغرفة المجاورة مع أختي وزوجي منذ شهر. لدي ابنان كلاهما يعملان ويعيشان خارج لبنان.

 

كان منزلي بالضبط في المكان الذي استهدف فيه الشهيد السيد هاشم صفي الدين. فسألت: هل تودين إجراء مقابلة معي؟ قالت: ربما لن تعجبك آرائي.

 

فقلت: هل رأيك مختلف عن صالح؟ قالت: نعم ، فسألتها: هل يمكنك التكلم بوضوح أكثر؟ قالت: أنا أيضاً مؤيدة لحزب الله والمقاومة، وأعادي الكيان الصهيوني، لكنني غاضبة الآن لأن منزلي قد دمر! وتابعت: هل كنت أحمل سلاحاً…

 

ثم ودعت الخالة وذهبت، فقال صالح: أنا أحب خالتي كثيراً، لكنها متأثرة بإحدى القنوات وأصدقائها الذين تعرفت عليهم في النادي وقال إنها لا تحمل غلّاً في قلبها وعندما سمعت خبر استشهاد السيد حسن نصرالله بكت بكاءاً شديداً.

 

بعدها ودعني صالح وجهاد وذهبا لكن دفتر واجبات جهاد بقي معي وكنت أحدق بالأسطر التي كان يكتبها وأقرأ ما بين السطور!

 

 

 

المصدر: الوفاق/ خاص