الدكتورة ليلى صالح
نقرأ مخاض تحديات معركة مفتوحة بين محور الشر الأمركي الصهيوني وأدواته في المنطقة، ومحور الخير والإنسانية المقاوم لكل الاحتلالات، لنضع النقاط على الحروف في رسم مشهد المنطقة والسناريوهات المحتملة وماذا ينتظرنا؟
هدف الاستراتيجية الأميركية في سوريا
تحدث “روبرت إنلاكش” في موقع “Mintpressnews”، عن الدعم الأميركي والإسرائيلي للمسلّحين في سوريا، والهدف من تنفيذ هجومهم، الأمر الذي وصف فيه “جيمس جيفري”، الممثل الخاص للمشاركة السورية، “هيئة تحرير الشام” بأنها “أصل” للاستراتيجية الأميركية في إدلب.
وبناءاً عليه، ما حصل في سوريا ليس انقلاباً لمعارضة على نظام سياسي، بل هو مخطط إقليمي دولي، بدأ منذ ١٤ عام بحصار اقتصادي وفق قانون قيصر، وهدفه كما أكدته “دانا سترول” عام 2020، التي أصبحت في ما بعد نائبة مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط، “استمرار تدهور الاقتصاد السوري، باستراتيجية تشمل التقارب الأميركي مع تركيا، وهدفها الثابت إخراج إيران من الأراضي السورية وإجبار دمشق على التخلي عن تحالفها مع حزب الله اللبناني.
هذه رؤية أمريكا في إعادة تشكيل توازن القوى في المنطقة لصالح المصالح الصهيونية والأميركية.
سوريا تحت الاحتلال سوريا، سقط جيشها المنهك اقتصادياً، تبعه تفكك وحدة الكيان السوري، بعد حملة جوية صهيونية غير مسبوقة لإنهاء القدرات الاستراتيجي العسكرية السورية خاصةً معامل الاسلحة، وتدمير مواقع الجيش السوري التي تهدد أمن “الكيان المؤقت” مخافة وصول فصائل المقاومة السورية إليها، يأتي ذلك بالتوازي مع تسرّب أنباء عن مخطط واسع يستهدف الوصول إلى منطقة التنف، حيث توجد القاعدة الأميركية. وباستهداف الموساد المقدرات البشرية من علماء سوريا يقارب ٣٠٠ عالم، بينهم علماء ذرة وطاقة، كيمياء، ولم يعد خافياً بأنه أصبح تحت براثن احتلالات ثلاث: الاحتلال الأمريكي، والاحتلال الإسرائيلي، والاحتلال التركي.
صحيح بأن الدولة الاقليمية المستهدفة الاولى إيران بإجرارها الى حرب بأدوات تكفيرية. حيث كشفت شبكة «روسيا اليوم»، اعتراف رئيس الموساد السابق، “أفرايم هاليفي”، بوجود علاقات بين الصهاينة وجبهة النصرة، وأن الهجوم على حلب حصل، على أقل تقدير، بالتنسيق مع الصهاينة، وهو يهدف إلى استفزاز إيران للرد بشكل قوي ومباشر، إلى حدّ يدفع الولايات المتحدة إلى الدخول في الصراع، أو يُشكل أساساً لاستخدام إسرائيل للأسلحة النووية، على حدّ تعبيره. ويضيف”بإنّ ما يحصل في سوريا ليس معركة من أجل قرية، أو شارع، بل معركة من أجل طابق واحد في مبنى متنازع عليه، وإنّ نجاح الإرهابيين تمثّل في الاستيلاء على غرفة واحدة فقط من هذا الطابق، ما يعني أن أي تقدم أو تراجع لأي طرف من الأطراف في سوريا هو أمر مؤقت، حتى يتم حسم القضية الرئيسية، وهي كالتالي: من سينتصر؟ روسيا والصين، أم الغرب؟”.هذا التصريح يفتح أفق المخطط الى المستهدف الثاني الذي هو روسيا كجزء من تطويقها وإضعافها في حرب “أوكرانية” بمنعها من الوصول للملاحة البحرية، كما يشير الى المستهدف الرابع، الصين بالنتائج واستثماره في الصراع في شرق أسيا.
الا أن التكتيك الاستراتيجي لتنفيذه يأتي عبر ممر احتلال سوريا.
مخطط تهجير شيعة سوريا
يعد تهجير الشيعة القسري من مناطق سوريا الاستراتيجية جزء لا يتجزأ من تحقيق أهداف المخطط الإقليمي الدولي، بالتالي من الخطأ اعتبار تهجير الأقليات وفي مقدمتهم الشيعة الرافضين للاحتلال الإسرائيلي والأميركي مجرد نتاج دراماتيكي لدخول المسلحين والتهديد الطائفي.
وبات واضح بالرغم من محاولات بث الضمانات بأن تهجير الشيعة عملية ممنهجة ومطلوبة من ضمن الأهداف، ذلك لأن تمركز الشيعة بمنطقة استراتيجية ممتدة ما بين حلب دمشق الاردن والجزيرة العربية، في موقع استىراتيجي يربط حلب وحمص لجهة تركيا، لإفراغ هذه المنطقة من الحضور الإيراني وحزب الله، كما السيطرة الطريق الذي يصل انقرة من جهة بالعمق العربي من جهة اخرى.
والتهجير الثاني الممنهج يأتي في المنطقة العازلة بعد أن سيطرت قوات الاحتلال عليها، تم إبلاغ سكان عدد من القرى عبر مكبرات المساجد وعبر وجهاء بمغادرة قراهم خلال بضع ساعات أكد فيه الاهالي رفض المغادرة في مدينة البعث وبلدة الخرية في القنيطرة. وتمدّدت نحو مناطق في ريف دمشق، ومع اعلان “نتياهو” سقوط اتفاقية فض الاشتباك الموقعة بين سوريا وإسرائيل عام ١٩٧٣، كشف عجز المجتمع الدولي عن إيقاف اي عدوان إسرائيلي على أية منطقة عربية، كما يضع المنطقة العربية كلها أمام تحدٍ جدي في البحث عن خيارات لحماية أمنه القومي خارج منظومة حماية المجتمع الدولي والقرارات الدولية. وبناءً على المعلومات العلنية المتوفرة حول برنامج العدو الاستخباري في جنوب سوريا، يمكن استخلاص أهمية التوغل الإسرائيلي في منطقة جنوب سوريا أو ما يعرف بإصبع الجليل بالعمل الاستخباراتي الأمني والعسكري، أبرزها:
تحديد الأهداف: من خلال الوصل الى قمة جبل الشيخ المشرفة على الجنوب والبقاع الغربي اللبناني.
بناء شبكات محلية: تجنيد وتدريب عملاء محليين داخل سوريا لتوفير معلومات استخباراتية من الأرض ورصد الأوضاع على الحدود، وتنفيذ عمليات محددة.
دعم جماعات معارضة: مختارة تقديم الدعم المالي واللوجستي وحتى العسكري المجموعات معارضة معينة، بهدف خلق منطقة عازلة على طول الحدود، وجمع معلومات استخباراتية، وعرقلة الميليشيات الشيعية.
النزوح السوري والكيل بمكيالين
تصدر ملف النزوح السوري المشهد اللبناني المعقّد والمُثقل بملفاته السياسية والعسكرية ومأزقه الرئاسي، ورغمَ التحولات التي شهدتها سوريا، تتعاظم مشكلة النازحين وسط خشية من انفجار في ضوء العبء الذي تشكّله على كل المستويات، بينما يغذيها التعاطي التمييزي بينَ النازحين، ففيما كانَ متوقّعاً، أن تشهد الحدود اللبنانية السورية مداً من النازحين السوريين العائدين إلى بلادهم بعدَ انتفاء حجج بقائهم، كانَ بارزاً أن عدد الهاربين من سوريا تجاوز بكثير عدد العائدين إليها. وقُدّرت أعداد الداخلين إلى لبنان بنحو 90 ألفاً من السوريين من طوائف مختلفة، في غالبيتهم من الأقليات التي كانت تقيم في مناطق سيطرة النظام، مثل محيط مقام السيدة زينب(ع) وأرياف حمص وحماه وصولاً إلى الحدود اللبنانية، وقرروا المغادرة، وبعضهم تحدّث عن تعرضه لتهديدات، بينما نفى آخرون ذلك، لكنّ الهواجس كبيرة لديهم». وتوزّع هؤلاء في عدة مناطق، حيث أتى عدد صغير إلى بيروت، لكنّ الغالبية العظمى دخلت إلى مناطق البقاع، ومنها مدينة الهرمل التي تشهد حركة نزوح تحديداً من منطقة القصير ومطربا وربلة وبلدتي نبل والزهراء ومن أرياف حمص والحدود الغربية لسوريا، وتجاوز عدد النازحين الـ 30 ألفاً، بينما توجّه المسيحيون منهم إلى منطقة رأس بعلبك والقاع وجديدة الفاكهة، وقال هؤلاء إن فصائل مسلحة هاجمتهم في منازلهم وقراهم وطلبت منهم المغادرة.
غير أن أبرز ما يُمكن الإشارة إليه في هذا الملف، هو عدم وجود إرادة سياسية للتعامل مع ملف النازحين من الناحية الإنسانية، على عكس ما حصل عام 2011 عندما فُتحت الحدود على مصراعيها وهبّت منظمات الأمم المتحدة من جمعيات أهلية ومدنية لدعمهم مالياً ولوجستياً. بينما المفارقة اليوم هو احتضان فردي وجماعي من أهالي البقاع وفتح المساجد والحسينيات ومراكز الكشافة التابعة للعمل الاجتماعي في حزب الله لإيوائهم، في ظل ظروف اقتصادية ومناخية قاسية، فضلاً عن بدء هذه المنطقة عمليات رفع الأنقاذ وترميم أبنيتها من العدوان الصهيوني.
نلخص الى أن سوريا بموجب موقعها الجيوسياسي، تبقى العمق الإستراتيجي لأمن لبنان، كما يبقى لبنان الساحل الاستراتيجي الذي يؤمن أمن سوريا ما يوجب قراءة المتغيرات الإقليمية وفق هذا الموقع الجيوسياسي وموازين القوى.