قال اللّه تعالى في كتابه الكريم: (قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ).
إن ضرر المعاصي والذنوب يرجع على الإنسان نفسه؛ لأن اللّه سبحانه وتعالى غني عن عباده، ولا يحتاج إليهم في شيء، وإنّما خلقهم ليرحمهم، فليس له حاجة لنا ولغيرنا، قال تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلۡفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِۖ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ). وهذه الذنوب قد يكون لها آثار ملازمة لها، وقد بيّنها اللّه تعالى لنا من لطفه ورحمته لنحذر تلك الذنوب، ثم لا يخفى أن لكل ذنب أثر في الدنيا والآخرة، وقد بينت الروايات بعض هذه الآثار، ولكن ليس بالضرورة أن تكون جميع هذه الآثار لكل ذنب، ولكن كلّ ذنب من الذنوب لا يخلو من الآثار.
ومن هذه الآثار:
الأثر الأوّل: سواد القلب
إن أوّل أثر من آثار الذنوب هو سواد القلب، ففي الحديث الشريف: «إذا أذنب الرجل خرج في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب انمحت، وإن زاد زادت حتى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها أبداً».
لعل القلب يراد به الروح أو النفس، ولعلّ السواد يراد به الاحتجاب عن النور، الذي يبعثه اللّه سبحانه وتعالى على القلوب، فإذا أذنب الإنسان ذنباً وثانياً وثالثاً وهكذا فسوف ينتشر السواد إلى أن يغطّي كل القلب، وحينئذٍ يختم اللّه سبحانه وتعالى على هذا القلب، فلا يفلح صاحبه أبداً، وهذا ما أشار له قوله تعالى: (ثُمَّ كَانَ عَٰقِبَةَ ٱلَّذِينَ أَسَٰٓـُٔواْ ٱلسُّوٓأَىٰٓ أَن كَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِ)، فيكون مصير صاحب هذا القلب إلى النار.
الأثر الثاني: عدم استجابة الدعاء
ففي الحديث الشريف: «إن العبد يسأل اللّه الحاجة فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب أو إلى وقت بطيء، فيذنب العبد ذنباً فيقول اللّه تبارك وتعالى للملك: لا تقض حاجته واحرمه إياها، فإنه تعرض لسخطي واستوجب الحرمان مني».
إننا في بعض الأحيان ندعو ونقول: يا رب، لماذا لم تستجب دعاءنا؟ وفي بعض الأحيان قد يصرّ الإنسان في الدعاء سنوات وسنوات، حيث يدعو اللّه فلا يستجاب له، ومن أسباب عدم استجابة الدعاء هي الذنوب، فالإنسان عندما يدعو قد يقدّر اللّه سبحانه وتعالى له قضاء حاجته، واستجابة دعاءه، لكنه بمجرد أن يذنب لا يقضي اللّه حاجته عقوبة له على ذنبه.
الأثر الثالث: التقتير في الرزق
كذلك إن اللّه سبحانه وتعالى يقدر الرزق لعبد من العباد فيذنب ذنباً فيقتّر عليه في رزقه، فقد ورد في الحديث الشريف: «إن العبد ليذنب الذنب فيزوي عنه الرزق» فأسباب التقتير في الرزق أو التضييق متعدّدة، ولكن من هذه الأسباب هو هذا، فاللّه قدّر للإنسان الرزق؛ لأنه كريم ورحيم ولطيف، ولكن بسوء عمل الإنسان تغير ذلك التقدير إلى ضيق في الرزق.
وكذلك إن اللّه سبحانه وتعالى قد يحبس الأمطار بسبب الذنوب: فعن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «إنه ما من سنة أقل مطراً من سنة ولكن اللّه يضعه حيث يشاء، إن اللّه عزّ وجلّ إذا عمل قوم بالمعاصي صرف عنهم ما كان قدر لهم من المطر في تلك السنة إلى غيرهم، وإلى الفيافي والبحار والجبال».
الأثر الرابع: كثرة المشاكل
وقد يكون من آثار الذنوب كثرة المصائب والمشاكل والأمراض، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «أمّا إنه ليس من عرق يضرب ولا نكبة ولا صداع ولا مرض إلّا بذنب، وذلك قول اللّه عزّ وجلّ في كتابه: (وَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٖ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖ)، قال: ثم قال: وما يعفو اللّه أكثر مما يؤاخذ به».
طبعاً هذا بالنسبة لأغلب الناس، وإلّا فأولياء اللّه سبحانه وتعالى أجلّ من ذلك، فإذا أصيبوا ببلايا أو أمراض أو مصائب فإنّما هو لرفع درجاتهم.
الأثر الخامس: على الذرية
إن بعض الذنوب تكون لها آثار في الدنيا على ذرية الرجل المذنب، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «من ظلم سلط اللّه عليه من يظلمه أو على عقب عقبه، قلت: هو يظلم فيسلط اللّه على عقبه أو على عقب عقبه؟! فقال: إن اللّه عزّ وجلّ يقول: (وَلۡيَخۡشَ ٱلَّذِينَ لَوۡ تَرَكُواْ مِنۡ خَلۡفِهِمۡ ذُرِّيَّةٗ ضِعَٰفًا خَافُواْ عَلَيۡهِمۡ فَلۡيَتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلۡيَقُولُواْ قَوۡلٗا سَدِيدًا).
فإذا ظلم الإنسان يتيماً في يوم من الأيام، فسوف يقع ظلم على أبنائه أو في ذريته، وهذا أثر طبيعي لظلمه، وهذا لا يخالف العدل؛ لأن ما يصيب الذرية ليس عقوبةً لهم لأنه: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ)، فإذا أذنب جدّهم فهذا لا يعني أن ما يجري عليهم هو عقوبة لهم، وإذا أكل إنسان أموال اليتامى فلا يعني أنه في المستقبل عندما تؤكل أموال ذريته يكون هذا عقوبة لأيتامه؛ لأنهم لم يفعلوا ذنباً، وإنّما هذا نتيجة عمله عقوبة له لا عقوبة للذرية.
وذلك لأن حكمة اللّه تعالى اقتضت اختلاف الرزق، وكذلك حكمته اقتضت عدم منع ظلم الظالمين عاجلاً وإنّما عقوبتهم آجلاً، فلذا قد يقدّر رزقاً أقل لذرية آكل مال اليتيم عقوبة له لا لهم، كما لا يمنع من أراد ظلمهم أيضاً عقوبة لوالدهم لا لهم.