د.محمد علي صنوبري
في السنوات الماضية، بفضل زيادة نشاطي في وسائل التواصل الاجتماعي، تعرفت على العديد من الأصدقاء والناشطين الإعلاميين من جميع أنحاء العالم. كما أن تصميم لوحة «العشاء الأخير للمسيح مع أطفال غزة» خلال أيام أولمبياد باريس جعل المدونين والناشطين الإعلاميين من دول مختلفة يتعرفون على أعمالي الفنية وإنتاجاتي بشكل أوسع.
قبل السفر إلى بيروت، أبلغت جميع متابعيني عبر رسالة أنني أريد أن أسافر إلى لبنان لرؤية الأوضاع هناك عن كثب، وتوثيق وفهم الرواية الحقيقية عن الحرب والعدوان والاعتداءات الصهيونية، واقترحت أن ينضم إليّ داعمو الحقيقة والحرية والإعلاميون الأحرار من جميع أنحاء العالم.
من بين جميع الأشخاص الذين اقترحت عليهم، استجاب شخص واحد فقط، ووجدته بجانبي في بيروت، ماكان هذا الشخص سوى “تياغو أفيلا”، المدون البرازيلي الشهير والمدافع الشرس عن حرية فلسطين.
وعلى الرغم من أنه لم تمض سوى ثلاثة أشهر فقط على ولادة ابنه، إلا أن تياغو جاء من برازيليا إلى ساو باولو ومن ثم إلى فرانكفورت ومن هناك إلى إسطنبول ومن ثم إلى بيروت؛ أي أنه قضى يوماً كاملاً في الطريق.
كنت أعلم مسبقاً أن هناك تواصلا اجتماعيا وثقافيا قويا بين لبنان والبرازيل، لدرجة أن أكثر من 10 ملايين لبناني الأصل يقيمون في البرازيل، وقد كان العديد منهم حاضراً حتى في نظام الحكم بعد حصولهم على الجنسية البرازيلية.
دعوت تياغو لتناول القهوة العربية، فقبل الدعوة وقال: “أنا أشرب الماء فقط”، قلت له إن اللبنانيين يدخنون النرجيلة بكثرة. فقال: “أنا أشرب الماء فقط!” فطلبت له كمية كبيرة من الماء، وقال: “أعطني فكرة عما يجب أن نفعله؟” قلت: “ليس لدي أي فكرة لك سوى شيء واحد: أن تنظر إلى الحقيقة وتنشرها وأن تكون إعلامياً بمعنى الكلمة!” فقال: “وماذا ستفعل أنت؟” قلت: “أنا أيضاً سأرى الحقيقة وأنشرها، وسأكون إعلامياً بمعنى الكلمة.”
وما أنني وصلت إلى بيروت قبل تياغو بخمسة أيام، أخبرته أنني هكذا وجدت الحقيقة وقلت: رأيت الحقيقة في الخرابات وركام البيوت التي دمرتها الصواريخ المقدمة من أمريكا إلى الكيان الصهيوني المحتل، حيث كانت ملابس الأطفال وألعابهم متناثرة بين الأنقاض، رأيت الحقيقة في غيرة وشجاعة رجل فقد عينه ويده لكنه لم ينفك عن مواجهة العدو ولم يتخل عن قضيته، وكان يقول: “استشهد السيد حسن فداءً لشعب غزة ولبنان، وأنا عمري وكل وجودي وعائلتي فداءً للسيد حسن وحزب الله وقضيتي، رأيت الحقيقة في مخيم اللاجئين في ساحة الشهداء في بيروت حيث كانت امرأة مسنّة تصيح: “حتى لو استشهدنا جميعاً، فإننا لم نعان كما عانت السيدة فاطمة الزهراء (س) والسيدة زينب (س)، وإن حياتنا كلها فداءً للإمام الحسين (ع) وأبنائه والشجرة الطيبة للمقاومة.
رأيت الحقيقة في الضاحية حيث كانت صورة السيد الشهيد وعلم حزب الله مثبتين فوق الأنقاض. أي أن المقاومة مستمرة رغم التكاليف القاسية والمآسي العديدة، ورأيت الحقيقة هناك حيث قال لي أطفال الجنوب، رغم أنهم مشردون ولم يذهبوا إلى المدرسة وفقدوا أقاربهم، إنهم يتمنون أن يكبروا ويصبحوا جنوداً في حزب الله ويقضوا على العدو الصهيوني الذي هو عدو الله…
عندها رأيت الدموع تجمعت في عيني تياغو.
وقال: يا أخي، ما تقوله يعني أننا نتعامل مع أناس مذهلين، أود أن أبدأ عملي منذ اليوم، وستكون هذه الرحلة، بكل صعوباتها وتكاليفها العالية، رحلة تاريخية بالنسبة لي…
وإلى اليوم، نشر تياغو مئات المنشورات والمقاطع والفيديوهات على صفحاته ذات المتابعين الكثر في وسائل التواصل الاجتماعي.
إنه شخص مذهل.