العدو في “الحجير”.. واستراتيجية “الخرَس السيادي” الدفاعية

على وقع "اتفاق وقف إطلاق النار" الذي ملّ المراقبون من إحصاء خروقاته المتكرًرة من جهة العدوّ.. وعلى مرأى "الشرعية الدولية" التي لا يؤرقها أن ترتكب "إسرائيلها" ألف مجزرة، ولكن يقلقها وبشدّة نبض في الأرض يقاوم.. وعلى مسمع "السيادة اللبنانية"، والتي في الغالب تائهة بين صمم وغير مبالاة وتواطؤ، تبخترت الدبابات "الإسرائيلية"، يوم أمس في وادي الحجير، حيث لم يكن بوسعها أن تحلم بالمرور بأمان منذ التحرير في العام ٢٠٠٠، وحين صُفعت على وجه عنجهيّتها في تمّوز ٢٠٠٦ واحتفظت بذاكرة تحدّثها عن أسوأ أيامها: مجزرة الميركاڤا.. 

2024-12-27

على وقع صبر المقاومة وثقة أهلها بها، تلقّت القلوب المشهد بمقدار عميق من الغضب والألم: هذه القلوب نفسها التي لم تجزع لرؤية التمادي الصهيوني في خرق اتفاق وقف إطلاق النار منذ يومه الأوّل، من تفجير البيوت إلى استهداف المواطنين، هالها مشهد الدبابات المعادية، وهي تعبر طريق وادي الحجير، بكلّ رمزيته وقدسيته، بلا حسيب. فزمام الردع، خلال الستين يومًا التي انقضى حتى الآن نصفها، بيد “الشرعية الدولية” و”السيادة اللبنانية”.. وها رأينا، ورأى العالم، كيف يكون المشهد فيما لو تولّت هذه العناصر صون الأرض والشرف: يدنّس العدوّ الأرض بكلّ عنجهية، لا يجرؤ أحد على صدّه.. يأتي ليثأر لهزيمته التي ما يزال الوادي المقاتل يحتفظ بتفاصيلها في جنباته، ويردد مع النسمات صدى صراخ قوات نخبته وهم يستغيثون.. يأتي إلى الوادي المرصّع بعبق الشهادة، المحنّى بالدم الطاهر، ليشفي غليلًا فيه لا يُشفى، مستغلًا “ستين يومًا” أتاحت له فيها “الدبلوماسية” ما عجز عن تحقيق قطرة منه في الميدان!.

 

في ظاهره، المشهد موجع بالنسبة إلى جميع أهل المقاومة. أشبه بالقبض على الجمر المتوهّج.. في باطنه، أعاد تثبيت الثوابت في قلوب من اهتز إيمانهم برهةً بجدوى المقاومة وشرعيّتها، وأمعن في كشف خيانات من يطالبون على الملأ بنزع سلاح المقاومة وترك شأن حماية الأرض وناسها “للدولة”..

 

لعلّ لو أرادت المقاومة استفتاء علنيًا على شرعيّتها وأحقيّتها، لما وجدت مناسبة أفضل من يوم أمس، إذ احتشدت كلّ القلوب الغاضبة لتجدّد الولاء للمقاومة وتبصم أن السيادة الحقيقية هي فقط ما تسطّره رصاصات المقاومين على صفحات الزمان..

 

بعد مئات الخروقات، لم يزل الصمت “السياديّ” سيّد الموقف في لبنان! ولا يجد المرء في تاريخ الناس عارًا يشابه عار الخرَس حيال ارتكابات عدوانية على هذا المقدار من العنجهية!

بالطبع؛ هذا الخرس متوقّعًا من حملة شعار “السيادة” الخاوي من أي معنى للشرف الوطني وللكرامة الإنسانية، لكن يبقى لافتًا أن هذه الجوقات “السيادية” ستهبّ حكمًا هبَة بوق واحد فيما لو أطلقت من لبنان “خرطوشة صيد” باتجاه الدبابات الغازية! وسترى على سبيل المثال أحدهم يستشيط غضبًا واستعجالًا في إدانة “الخرطوشة” المتعدية على “القرارات الدولية”، وآخرًا يطالب بسحب الناضور من الاستراتيجية الدفاعية كي لا تُرى الخروقات! سترى “السياديين” يتسابقون إلى إدانة الموقف المقاوم الرافض للعدوان “الإسرائيلي” ولو بكلمة، ثمّ تراهم صمًّا بُكمًا حين تخترق قافلة دبابات خط وادي الحجير.. ثمّ حين يُساءلون عن موقفهم الأخلاقي في الحدّ الأدنى من مجريات الأمور، يغرقون في سيمفونية “عم تخونونا”.. هل من حاجة لتخوين هؤلاء أصلًا؟!

 

دخلت دبابات العدو وادينا المقدّس وانسحبت منه على عجل. دخلت لاستعادة بعض ماء وجه كانت قد فقدته كلّه في هذا المكان تحت أقدام المقاومين.. وبالطبع لم ينتظر عاقلٌ منّا أن تقوم “الشرعية الدولية” و”السيادة اللبنانية” بصدّ الغزو أو حتى بالاعتراض عليه.. المشهد، بالرغم من فرط القهر الذي سبّبه، ما مسّ يقين الناس بأنّ المقاومة قادرة على إعادة كرّة ٢٠٠٦ من دون تردّد، وبأنّها لأسباب لا تحتاج لشرحها مطوّلًا الآن آثرت منح الفرصة للاتفاق “الدبلوماسي” ولرعاته الدوليين.. ولا مسّ ثقة الناس بحكمة القيادة وقدرات رجال الله الذين في الميدان صدّوا العدوان، بالرغم من الضربات القاصمة التي تلقتها المقاومة..

 

يعرف أهل المقاومة هذه الحقيقة ويعرفها العدوّ أيضًا، ويستغلّها قدر الإمكان في محاولة لتثبيت صورة “الردع” التي يحاول استعادتها، أقلّه في سبيل إقناع مستوطني الشمال بالعودة.. بالمحصّلة، ألم المشهد أضاف إلى ثوابت الناس متانة زائدة: لا شيء في هذه الدنيا يحمي الأرض والشرف سوى سلاح المقاومة.. لقد أثبتت المقاومة ذلك ألف مرة، وبالأمس أثبتته عنجهية العدو، وصمت أدواته “السيادية”!

 

 

ليلى عماشا

 

المصدر: العهد

الاخبار ذات الصلة