مواقف كثيرة من صلب الواقع جسّدت هذه الحقيقة، جمعت بين تضحيات الناس الصابرين المضحين الواثقين بمقاومتهم من جهة، وبين التزام وصدق المؤسسات المؤتمنة المسؤولة الملتزمة من جهة أخرى، وعلى رأسها شركة معمار للهندسة والانماء ومؤسسة جهاد البناء.
في إحدى قرى الجنوب، وقف أصحاب أحد المنازل المتضررة من جراء العدوان مُرحبًا بالمهندسين المكلفين إجراء عملية المسح، وبعد أن قامت المهندسة بالكشف على الأضرار الموجودة، طلب صاحب المنزل ألا تسجّل أي منها على استمارة الكشف، بل قرر استبدالها بعبارة أخرى راجيًا من المهندسة تدوينها، وقد دوّنت ذلك بالفعل : “أنا والد الشهيد المجاهد فلان، أقدم كل ما لديّ هبةً عن روح الشهداء الأبرار.”
أصحاب المنازل لم يكونوا وحدهم من تبنوا هذا الموقف، اذ كان للعديد من أصحاب المهن والمحال التجارية أيضًا مشاهد مشابهة. في إحدى الصيدليات القائمة في منطقة صور، وبعد أن قام المهندس بالكشف عن الأضرار التي لحقت بمقتنيات الصيدلية، طلب منه صاحبها قبل المغادرة أن يسجّل في أعلى الاستمارة العبارة التالية: “أنا فلان، أتبرّع بهذه المستحقات المالية لدعم صندوق المقاومة، جزاكم الله جميعًا خير الدنيا والآخرة.”
وفي إطار الحديث عن أصحاب المصالح والمهن الحرّة، يفيد أحد الحدّادين العاملين في قرى قضاء بنت جبيل، عن تواصل العديد من الناس المتضررة بيوتهم معه، طالبين منه المباشرة بأخذ القياسات والبدء بإصلاح الأضرار حتى قبل أن يطالهم دور المسح الميداني. وعند سؤالهم عن تفاصيل الفواتير التي سيقومون برفعها إلى الجهات المعنية لاحقًا، كانوا يرفضون تسجيلها لسبب يكاد يكون الأوحد:” بيوتنا كلها فداء للمقاومة وروح سماحة السيد، نحنا بعد ما قدمنا شي..”
المواقف امتدت، وذهب البعض في هذا المجال الى ما هو أبعد من ذلك. مهدي مقدّم الشاب الذي تضرّر بيته بفعل غارة “إسرائيلية” قريبة جدًا من المبنى حيث مكانإقامته، استلم منذ أيام بدلات تقييم الأضرار وإصلاحها من جمعية مؤسسة القرض الحسن. ينشر مهدي على حسابه في أحد مواقع التواصل الاجتماعي منشورًا يوثق فيه استلامه لسند سحب بقيمة 3527$ من مؤسسة القرض الحسن، مرفقًا الصورة بهذه الكلمات: ” 3527$ هو مبلغ يفوق حاجتي لترميم منزلي بعد العدوان، كذلك حال أغلب جيراني الذين حدثتهم، راضون تمامًا عن تقدير الأضرار وتقييمها.”
يقصد كاظم مركز استلام سند السحب قبل التوجه الى فرع مؤسسة القرض الحسن القريب من مكان إقامته للحصول على أمواله، يسأله أحد أصحابه الذي التقى به صدفةً عن المبلغ إن كان كافيًا لإصلاح الأضرار الكبيرة التي لحقت بالمنزل، فيؤكد كاظم أن الأموال بالفعل كافية لكن، “يا ريت الأموال كلها تروح ويرجع السيد.”
من المشهد العام، والمواقف التي سجلها أهل البيئة المقاومة والصادقة، إلى الوعد والالتزام الذي تبنّاه حزب الله عبر مؤسساته التي تولّت مهمة إعادة الإعمار والتعويض عن الأضرار، نشرت مؤسسة جهاد البناء بيانًا إحصائيًا تحت عنوان “السرعة في العمل لعودة وشيكة”، يوم الخميس المنصرم، أوضحت فيه تفصيليًا كيفية سعي المؤسسة لتغطية المساحات المتضررة بوتيرة سريعة. فقد أظهر البيان وجود 55 مركزًا للعمل، يضم ما يقارب الـ 1420 مهندسًا يغطّون 448 قرية ومربّعًا، وقد بلغ عدد الوحدات السكنية المكشوف عليها لغاية تاريخ 24 كانون الثاني الحالي 185,720 وحدة، أدخل ما يقارب الـ 83,786 منها الى برنامج الترميم.
لم يترك أبناء المقاومة مقاومتهم يومًا، ولم يتخلوا عنها في أعقد وأحلك الظروف، احتضنونا واحتضناهم حين تخلى العالم عنهم، وهي اليوم تعيد إعمار بلادهم لتعود أجمل مما كانت، وعدًا والتزامًا بمبادئها وقيمها وتحقيقًا وتثبيتًا لوعد سيدها الشهيد الأقدس.
سارة عليان