د.محمد علي صنوبري
كان لدي موعد مع أستاذ في الحقوق ومحامٍ مشهور وذي خبرة من لبنان في الساعة الواحدة بعد الظهر. كان موعدنا في مطعم بشارع فردان في وسط بيروت. وكما جرت العادة، وصلت إلى المطعم قبل الموعد بعشر دقائق.
جاء الأستاذ أيضاً في الساعة الواحدة. أردت أن أطلب الغداء، لكن الأستاذ قال: لا، لن أتناول شيئاً الآن! في البداية تعجبت ولم أفهم لماذا يمتنع عن تناول الطعام في وقت نتناول فيه نحن الإيرانيون عادةً الغداء. لقد طلب فقط فنجان قهوة، واحتراماً للأستاذ، طلبت أيضاً فنجان قهوة. وسألته لماذا لا تأكل شيئاً؟ هل تناولت الغداء؟ فضحك الأستاذ وقال: بالنسبة لنا نحن اللبنانيين، من الغريب أن نتناول الغداء قبل الساعة الواحدة!
سألت: ومتى تتناولون الغداء إذن؟ أجاب: نمط تغذيتنا ليس كحالكم أنتم الإيرانيين المبدعين في الطعام والشراب.
نحن نأكل عندما نجوع، وقد تناولت شيئاً في الساعة العاشرة، والآن لن أتناول شيئاً حتى الساعة الخامسة تقريباً! استمر النقاش حول اختلاف نمط التغذية البيولوجي بين الإيرانيين واللبنانيين لبعض الوقت، ولأني لم أرغب في الاستمرار أكثر، سألت بشكل مفاجئ: لماذا لا يدعم جميع اللبنانيين المقاومة؟ أليست المقاومة من أجل الجميع؟ كان الأستاذ يضحك، ولكنه فجأة شعر بالدهشة قليلاً، وسعل، واستند إلى ظهر الكرسي وقال: من قال إن جميع اللبنانيين ليسوا مؤيدين للمقاومة؟ هل لديك إحصاءات علمية؟ هل أجريت استطلاع رأي شامل وكامل؟ هل تم إجراء استفتاء ونحن لا نعلم؟
فقلت: هل يجب أن أجيب؟ قال: نعم. قلت: حسناً، لبنان نظام طائفي سياسي ومجتمع مدني. ويبدو بوضوح أن لكل طائفة زعماؤها الخاصون، وحتى مناطقها الجغرافية وثقافتها الفرعية. من هنا حيث نجلس الآن إلى الجنوب، هناك حوالي 8 كيلومترات إلى الضاحية. ومن هنا إلى جونية أيضاً حوالي 8 كيلومترات. وأخيراً، المسافة بين قلب الضاحية وقلب جونية هي 16 كيلومتراً، لكننا نشهد أنه في هذه الـ 16 كيلومتراً، لا تتغير فقط مظاهر الحياة الحضرية ونمط الحياة، بل الثقافة والحضارة ووجهات النظر أيضاً.
وبغير الانفجار في مرفأ بيروت وتسبب في تدمير المناطق الشمالية وأحياناً المناطق المسيحية في بيروت، لم نشهد أي من مظاهر الحرب الأخرى في هذه المناطق، حتى صوت القصف الثقيل الذي يسمع هذه الأيام في الضاحية لا يُسمع في منطقة جونية. الناس في تلك المناطق مرفهون جداً ويعيشون حياة أوروبية، وقد لاحظت أنهم يستعدون للاحتفال بأعياد الميلاد الجديدة. في هذه المنطقة، الشواطئ تشبه شواطئ الدول غير الإسلامية، والمشروبات الكحولية والنوادي الليلية تعمل باستمرار، وصوت الموسيقى والغناء يُسمع من قاعات الاحتفال.
بصراحة، لا أعتبر هذا النمط من الحياة وهؤلاء الأشخاص جزءاً من مؤيدي المقاومة. بينما كان الأستاذ يبتسم برضا وتأكيد، قال: استمتعت بوصفك؛ في الواقع، لقد وصفت ما رأيته بشكل جيد. لكن من خلال نظرة سريعة لا يمكنك إجراء دراسة اجتماعية جيدة! فقاطعته بسرعة وقلت: لا بأس أن تعرف أنني خريج دكتوراه في علم الاجتماع السياسي. وكانت ملاحظتي من هذا المنظور لأنني متخصص وأدرس ذلك.
فقال: من الغريب من شخص درس علم الاجتماع السياسي مثلك، أن يرغب في إصدار حكم نهائي بناءً على ملاحظة سريعة وعابرة. دعني أوضح الأمر أكثر. في لبنان، رغم أننا نشهد مجتمعاً ونظاماً سياسياً متعدد الطوائف، أو كما يقال فسيفسائي، إلا أنه ليس كما في بعض الدول حيث تكون الطوائف محددة بخطوط وحدود واضحة.
على سبيل المثال، يمكنني أن أقول إن حزب القوات وزعيمه سمير جعجع قد تكون عداوتهم مع المقاومة مثل عداوة الصهاينة.
لكن هؤلاء ليسوا سوى حزب سياسي وتنظيم مغلق ومافيوي، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن ننسب المجتمع المسيحي إليهم. على سبيل المثال، قلت إن كل طائفة لديها منطقتها الجغرافية الخاصة بها، ولكن هذا القول صحيح وخاطئ في نفس الوقت. صحيح لأنه قد يكون في بعض المناطق الأغلبية مع بعض الأعراق والمذاهب، وخاطئ لأنه لدينا أيضاً لبنانيون سنة ومسيحيون ودروز في الضاحية وصور.
وفي جونية نفسها التي تظن من خلال ملاحظات نمط الحياة أنها مسيحية بالكامل، يعيش هناك العديد من رجال الأعمال الشيعة والسنة أيضاً ولكنهم ظاهرياً لا يختلفون عن الآخرين ويعيشون نمط حياة بورجوازية ويعتبرون كما يقال من الطبقة المخملية في المجتمع.
السبب وراء هذا المقدمة هو أن أقول إن تقسيم لبنان إلى مؤيد للمقاومة أي الشيعة ومعارض لها، أي المذاهب والأديان الأخرى هو خطأ. في لبنان، أصبح هذا التقسيم قديماً، واليوم نظرة المجتمع اللبناني إلى المواضيع تعتمد على التفكير السياسي والوطني والمصالح الشخصية. هذا نموذج يمكن ملاحظته في جميع أنحاء العالم بفضل انفجار المعلومات وتطور الشبكات الاجتماعية، في الواقع، العديد من الناس في لبنان من كل قوم وطائفة يتفقون مع المقاومة ويدعمونها حتى لأنهم يعتبرون أن المقاومة تحمل فوائد لهم، وهو ما لا يتم التركيز عليه كثيراً في وسائل الإعلام.
فمثلاً، تتكرر هذه العبارة كثيراً على لسان طلابي في السنوات الأخيرة: إذا لم تكن المقاومة موجودة، لكان لبنان قد احتله الصهاينة أو تمزق بسبب الحرب الأهلية. الكثير من الأشخاص يدافعون عن المقاومة من هذا المنظور، ومن جهة أخرى، أنت تعلم أن لبنان يفتقر إلى وجود جيش حقيقي.
هنا شعرت أن الأستاذ بحاجة إلى استراحة، لذلك دعوته لشرب قهوته وقلت: لقد استفدت كثيراً من حديثك، وأود أن أضيف أنني سجلت صوتك حتى أتمكن من ترجمته ونشره لاحقاً بسهولة. فقال: كان من المفترض ألا يكون لقاؤنا إعلامياً. قلت: لا تقلق، لن أعرض صورتك ولا صوتك ولا اسمك.
فقال: نحن الآن في لبنان تحت قصف المفاوضات، الضغط الذي نتعرض له من العدو هو بسبب رغبتهم في أن نستسلم في المفاوضات وفقاً لمطالبهم. لكنني متأكد أن الهيكل الفكري لحزب الله بعد استشهاد السيد حسن نصرالله لم يتغير استراتيجياً، ولن يقبل حزب الله الشروط الجديدة، وفي النهاية سيتم وقف إطلاق النار بناءً على شروط حزب الله.(بعد أسبوع من هذا اللقاء، تم تنفيذ وقف إطلاق النار بناءً على نفس البنود التي أكدها حزب الله).