حزب الله.. القوة المتصاعدة وخطرها على الكيان الصهيوني

خاص الوفاق : عامل العقيدة الراسخة، والإيمان المطلق بالله، والتجذّر بكربلاء، هو عامل القوة الأبرز في مسيرة حزب الله منذ اللحظات الأولى لانطلاقته

2024-12-28

نشرت صحيفة الوفاق في الأعداد السابقة سلسلة مقالات للكاتب اللبناني الأستاذ في التاريخ السياسي المعاصر الدكتور حسن محمد إبراهيم حول القوة المتصاعدة لحزب الله وخطرها على وجود الكيان الصهيوني واليكم الحلقة الاخيرة:

 

الحلقة الثامنة  والأخيرة – مساندة غزة

 

قوة الدعم والإسناد

 

إلّا أننا لا ندّعي أننا وفَيْناه حقّه، لأنه في كل جانب من جوانب الحياة اليومية لهذا التنظيم قوة لا يُستهان بها، ويلزم لكتابة كل جانب منها حلقات ومجلّدات وأطروحات، فهو المنبعث في زمن خوف ووهن الدول العربية والإسلامية وشعوبها، فقد انتفض من تحت ركام الحضارة الإسلامية، ومن بين كلمات الأئمة الأطهار(ع) في الثبات والعزيمة ممهّدًا لفرج مولانا بقيّة الله في الأرض(عج).

 

هناك موضوعات كثيرة تجب الإطلالة عليها ولو بلمحة بسيطة يسيرة، لأن هذا التنامي العظيم المتأصّل من عمق العقيدة، استطاع أن يجمع أناسًا يحتاجون إلى قائد يمضي بهم إلى صنع مستقبل جديد لكل الأمّة من خلال تواجدهم في الساحة، لأن الله موجود في الساحة، وينصر من نصره، وهذه دعوة لكل الصادقين والباحثين للكتابة الشفّافة عن حزب عرف الله فاتّقاه وأطاعه.

 

وبالعودة إلى القوة المتنامية، فإنها برزت بشكل لافت وجليّ في مقارعة العدوّ الصهيوني على مدى 14 شهرًا بشكل متواصل ويومي، ابتداء من الثامن من تشرين الأول 2023، حتى 27 تشرين الثاني 2024، قدّم الحزب فيها أغلى التضحيات، على رأسهم أمينه العام السيد الشهيد حسن نصر الله على طريق القدس وتحرير فلسطين نيابة عن الأمّتين العربية والإسلامية.

 

تعاظمت قوة حزب الله العسكرية والاقتصادية والاجتماعية، وفي مختلف الميادين، حتى بات يشكّل تهديدًا حقيقيًّا ووجوديًّا للكيان الصهيوني، لذلك تمّ وضع الخطط من أجل حرب جديدة أعلن عنها رئيس حكومة العدوّ بأنه سيعمل على «رسم شرق أوسط جديد»، بما يعني الحرب على المقاومة الفلسطينية وحزب الله في لبنان.

 

شهد يوم 7/10/2023 عملية عسكرية نوعية للمقاومة الفلسطينية، أسفرت عن قتل العديد من الجنود الصهاينة، فيما أظهرت التحقيقات أن جنود العدو قتلوا المستوطنين.

 

سارع حزب الله لمساندة المقاومة الفلسطينية في اليوم التالي، واستمرّ مدة تقارب السنة الكاملة في الدعم العسكري ومشاغلة فرق من الجيش الصهيوني عند الحدود اللبنانية-الفلسطينية، كانت نتيجة هذه المساندة أن شدّت من قوة الفلسطينيّين وأعطتهم زخمًا ماديّا ومعنويًّا استطاعوا من خلالها الصمود لمدة طويلة، هذا عدا عن الدعم الإضافي من مختلف قوى محور المقاومة.

 

وقد دخل حزب الله حربًا برّيّة طاحنة ابتدأها العدو باغتيال القيادات العسكرية من الصف الأول، ثم بعمليّتيّ تفجير وسائل الاتصال، أدّت إلى سقوط عدد من الشهداء وعدد كبير من الجرحى، ثم جاء اغتيال الأمين العام السيد حسن نصر الله، فكانت ضربة عسكرية قوية لا تستطيع معظم جيوش العالم الصمود أمام حجم هذه الضربات لو تعرّضت لها، ثم تتالت الهجمات العسكريّة الصهيونية البرّيّة في محاولة اجتياح لبنان تحت عدة عناوين، أبرزها كسر حزب الله وسحب سلاحه، وإعادته إلى شمال نهر الليطاني في الحدّ الأدنى، وكذلك العمل على إخراجه من الحياة السياسيّة في لبنان.

 

كل هذه الهجمات تراوحت في مدة 66 يومًا تقريبًا، ألقت بثقلها على حزب الله، ولكن الإشكالية الأبرز تتمظهر في أسئلة عدة، منها كيف استطاع حزب الله الخروج من هذه المحنة الكبرى؟ وهل حقّق انتصارًا عسكريًّا على العدو؟ هل ما زال متماسكًا؟ هل ما زال يمتلك عناصر القوة السابقة ذاتها؟ هل تطوّرت قوّته وباتت تشكّل خطرًا أكبر على الكيان الصهيوني؟.

 

من حيث المبدأ، استطاع حزب الله الخروج من هذه المحنة بفعل عوامل قوة متعدّدة، بطبيعة الحال أنها ستكون عوامل قوة مستمرّة لاحقًا، من أبرزها:

 

أ – في الجانب المعنوي

 

– عامل العقيدة الراسخة، والإيمان المطلق بالله، والتجذّر بكربلاء، وهو عامل القوة الأبرز في مسيرة حزب الله منذ اللحظات الأولى لانطلاقته.

 

– صلابة القيادة المتماسكة.

 

– عدم التناحر الداخلي أو انتهاز الفرص للانقلابات الداخلية أو الانشقاقات.

 

– التماسك الصلب ما بين القيادة والعناصر.

 

– القوّة المعنوية التي أحدثها اغتيال السيد نصر الله في نفوس المقاتلين.

 

– بسالة المجاهدين في القتال، وعدم التراجع أو التقهقر أو الوهن.

 

– وهن قوّات العدو الصهيوني وانهيار معنويّاتها في أثناء المعارك البرّية.

 

ب – في الجانب المادّي

 

لا يستطيع أحد أن ينكر حجم الضربة التي تعرّض لها على صعيد قصف عتاده وآلياته، وبعض مستودعات الذخيرة، إلّا أن ذلك لم يكن على حساب المعنويات أو حتى التسليح بشكل عام، لأنه جاء في جانب دون جوانب أخرى. ويمكن تلخيص عناصر القوة العسكريّة المادية في ما يلي:

 

– العنصر البشري بأعداد كبيرة.

 

– التدريب المميّز للمقاتلين.

 

– البيئة الحاضنة على امتداد مساحة المعارك.

 

– الراحة والاطمئنان باستخدام المنازل دون خوف، بل شكّل عاملًا قويًّا في الدعم والإسناد.

 

– الطبيعة الجغرافية التي انطلق منها ونما فيها وتمرّس عليها وعاش في كنفها.

 

– امتلاك سلاح الجو وهو عبارة عن طائرات بدون طيّار، بأعداد وافرة وكبيرة وأنواع مختلفة.

 

– عدم استطاعة العدوّ على إسقاط المسيّرات، فوصلت إلى أهدافها.

 

– امتلاك أنواع متعددة وبكميّات وافرة من الصواريخ.

 

-الرصد الميداني لتحرّكات العدو والتعامل معها بالنار.

 

– استمرار الرشقات الصاروخية على مدى 14 شهرًا بشكل مكثّف.

 

– استمرار قصف الجنود والمواقع والآليات العسكرية الصهيونية طيلة 14 شهرًا.

 

– وصول المسيّرات إلى غرفة نوم رئيس حكومة العدو، ما يشكّل نقلة نوعية بتحقيق إصابات الأهداف.

 

– إصابة تموضع للجنود الصهاينة في إحدى ضواحي تل أبيب أثناء اجتماعهم، ما يشير إلى عمق استخباراتي للمقاومة.

 

إن عوامل القوّة المتصاعدة لحزب الله، ما زالت تسير وفق مسار تصاعدي، وإن ما واجهه من قتال شرس ضدّ تحالف عالمي ضدّه، انطلاقًا من قدرات العدوّ الصهيوني وإمكاناته الذاتية، مع دعم أميركي مفتوح وغير مسبوق، مع تحالف أوروبي من العديد من الدول الوازنة عسكريًّا، بدعم لا محدود، كل ذلك جعل من حزب الله يقاتل أقوى قوة عسكرية في المنطقة بالحدّ الأدنى.

 

إن ما عجز العدوّ الصهيوني عن تحقيقه، دفعه للاعتراف الضمني بالهزيمة لخّصها بنيامين نتنياهو بكلمته بالموافقة على وقف إطلاق النار بناء على توصيات القيادة العسكرية، بعد عجز تام عن احتلال أية قرية لبنانية.

 

لذلك؛ فإن قوة حزب الله أثبتت مجدّدًا في الميدان أنها قوة وازنة رادعة عملت على إفشال المشروع الأميركي برسم شرق أوسط جديد بحسب تعبير نتنياهو الذي تكفّل بالعمل عليه، وهذا ما جعل حزب الله يرتقي في سلّم أعلى في مراتب الشرق الأوسط الجديد، لكنّ ذلك يحتاج بعض الوقت ليظهر بشكل جليّ وواضح، لا سيّما بعد قراءة وافية للأحداث واستخلاص العِبَر منها. غير أنه من الممكن اليوم رسم صورة أوليّة بعد الانتصار الإلهي لحزب الله، واشتعال الجبهات في سوريا، وكذلك يمكننا القول إن حزب الله بات فعلًا رقمًا عسكريًّا صعبًا بالنسبة للكيان الصهيوني، وهذا ما يزيد من عقدة وجوده في فلسطين المحتلّة، لا بل في منطقة غرب آسيا بمجملها.

 

بهذا نكون قد وضعنا رسمًا أوّلًا لمسار تصاعد قوة حزب الله وتناميها، وقد تكون هذه الحلقات دافًعا للمزيد من القراءة والكتابة الإقليمية والاستراتيجية لما يمثّله هذا الحزب على مختلف الصعد، داخل لبنان، وفي الإقليم، وأيضًا على المستوى العالمي. وأيضًا تناول العديد من جوانب القوّة في مختلف الميادين كالثقافة والإعلام والاقتصاد والتعليم والتربية وغيرها.

 

 

المصدر: الوفاق/ خاص