الفنان والخطاط الإيراني مهدي كاوُش للوفاق:

مدرسة السقاخانة للخط التصويري هوية فنية إيرانية عالمية

خاص الوفاق : يعد أحد أهداف مدرسة "السقاخانة" والخط التصويري هو العالمية والتعريف بالهوية الثقافية والفنية لإيران

2024-12-29
عبير شمص 

يُعدّ فنّ الخط شكلاً من الفنّ الراقي في الثقافة والحضارة الإيرانية ومن أنواعه الخط التصويري وهو فن يمزج بين الخط التقليدي والعناصر الحديثة في الرسم، يجمع هذا الأسلوب بين جماليات الخط الفارسي والإبتكارات البصرية الحديثة، مما يخلق أعمالاً تجمع بين البُعد الجمالي للخط والإبداع الفني للرسم.

 

وقد انتشر عبر مدرسة ”السقاخانة” وهي تيار فني ظهر في إيران في ستينيات القرن العشرين، وتميزت هذه المدرسة بدمج العناصر الفنية التقليدية والزخرفية مع الفنون الحديثة، وخصوصاً الخطوط ذات الطابع الديني. اشتق إسم المدرسة من ”السقاخانات”، وهي أماكن دينية صغيرة في إيران، استلهم الفنانون هذا الإسم من زخارفها ونقوشها.

 

وترجع أسباب نشوء هذا التيار إلى توجه إيران نحو التحديث في تلك الحقبة، لذا حاول الفنانون الإيرانيون إيجاد وسيلة تجمع بين التقاليد المحلية والفنون العالمية الحديثة، فكانت مدرسة ”السقاخانة” إستجابةً لهذه الحاجة، إذ مزجت بين العناصر التقليدية والحديثة لإيجاد هوية جديدة للفن الإيراني المعاصر. ويتمتع هذا الأسلوب بخصائص أهمها دمج التراث والحداثة عبر استخدام الزخارف التقليدية ضمن قوالب فنية حديثة، واستخدام الخط كعنصر أساسي في تكوين اللوحات، وتضمين الرموز الدينية والثقافية الإيرانية في الأعمال.

 

وقد أسهمت مدرسة ”السقاخانة” في إخراج الفن الإيراني المعاصر من حالة الركود عبر إيجاد توازن بين الحداثة والتراث، كما لعبت دوراً مهماً في إبراز هوية فنية إيرانية على المستويين المحلي والعالمي، ومن أشهر الفنانين الذين كانوا من رواد هذا النوع من الخط ، ”حسين زنده ‌رودي” وهو من رواد هذه المدرسة، وقد أبدع في دمج النقوش الدينية مع الخط الفارسي، والرسام ”ناصر أويسي” الذي قدم أعمالاً تعكس الهوية الإيرانية عبر دمج النقوش التقليدية والخط، وآخرين، وقد نُظم معرض للخط التصويري تحت عنوان ”تداعي سقّاخانة” في بيت الثقافة والفن في العاصمة الإيرانية طهران، وتضمن المعرض 32 عملًا فنيًا في الخط التصويري، من 13 فنانًا في الخط التصويري، وفنان رسام ومصمم جرافيك، ومن الفنانين المشاركين إبراهيم حقيقي، علي رضا روح الأميني، والخطاط الإيراني مهدي كاوُش الذي التقته وحاورته صحيفة الوفاق، وذلك للغوص عميقاً في عالم هذا الخط وأساليبه الدقيقة والمتقنة والخلابة، وللتعرف على تنظيمه ومشاركته في معرض الخط التصويري ”تداعي سقّاخانة”، وفيما يلي نص الحوار:

 

معرض الخط التصويرييشير الفنان والخطاط الإيراني مهدي كاوُش، المنسق والمنظم لمعرض الخطّ التصويري بعنوان “تداعي سقّاخانة”، إلى أن أهم أهداف هذه الفعالية هي التحدي والاستكشاف في هذا المجال، الذي يتعلق بشكلٍ من أشكال التداعي (المادي، المجاور، والمتضاد) بأسلوب وحركة “سقّاخانة”، وجمع وتقديم جزء من الفن المعاصر في إيران وتعريف المهتمين بجزء من أعمال الخطّ التصويري المعاصر والحديث في إيران، والتي تُذكّر في بعض جوانبها بمذهب وحركة “سقّاخانة” لفناني إيران منذ ستينيات القرن العشرين. 

 

هوية فنية إيرانية جديدة
فيما يتعلق بطرق التوفيق بين تاريخ مدرسة السقاخانة والاحتياجات الفنية المعاصرة، اعتبر الفنان كاوُش أن: “رموزنا التقليدية والوطنية والدينية ليست خافية على أحد عبر العصور التاريخية، خاصةً في إيران القديمة والعصر الإسلامي. نتيجةً لذلك، فإن فنانيينا، لا يزالون مبدعين في الأعمال الفنية والجماليات باستخدام العناصر التصويرية، الخط، الرموز، والزخارف الإيرانية والإسلامية.
خلفية فنية ثقافية 

 

أضاف الفنان كاوُش حول “التحديات التي تواجه الفنانين عند دمج العناصر التقليدية والحديثة في أعمال الرسم والخط أن:” المعرفة العلمية والعملية للغة البصرية وأسس الفنون التشكيلية واستخدامها في دمج العناصر التقليدية والحديثة، هي من المواضيع والتحديات التي تواجه الفنان التشكيلي. يجب على الفنان الذي يعمل في مجال الخط التصويري أن يكون لديه بالضرورة معرفة علمية وعملية وخبرة كافية في مجالات الرسم الكلاسيكي والحديث، وكذلك في فروع التصميم الجرافيكي، الخط، تاريخ الفن والفنون الحديثة. وإلا فإنه سيواجه مشكلة وتحديات.
وحول الدور الذي يلعبه الخط في أعمال الفنان كاوُش وكيف يتم توظيفه للتعبير عن المفاهيم الفنية، أجاب: “تشمل أعمالي عدة أقسام وفترات؛ قبل بدء تعلم فن الخط في كلية الفنون الجميلة بجامعة طهران في عام 1997، تعلمت الخط تحت إشراف الأستاذ غلام حسين أميرخاني بممارسة وجهد في جمعية الخطاطين الإيرانيين، ثم قمت بالتدريب والممارسة النظرية والعملية على أعمال ميرعماد وميرحسين ترك، ثم عبر دمج أسلوبي “نستعليق” للأستاذ أميرخاني وأسلوب القدماء، وصلت إلى الأسلوب الذي يناسبني.ونتيجةً لذلك، كان للخط دور مهم في أعمالي في الخط التصويري، لأنه كان مكملًا لها، كما أن التعرف على فنون الرسم الكلاسيكي والحديث في العالم ساهم في تطور عملي، ودراستي في مجال تصميم الجرافيك في كلية الفنون الجميلة وتدريسي في معاهد الفنون والجامعات،مما أتاح لي الفرصة للوصول إلى هذا النوع من الخط التصويري الحديث، كما أن الخط والكتابة الجميلة، تعبر عن طبيعة ومعنى وجوهر الثقافة في الأعمال من جهة، ومن جهةٍ أخرى، تحظى بحضور واضح بخصائصها السحرية والسامية وفي بعض الأحيان حضور ماورائي ومليء بالطاقة، مما يجعلها جذابة للغاية للجمهور وتحمل دلالات عميقة.
ويشير الفنان كاوُش بأنه استفاد من بعض التقنيات الرقمية في جزء من المعرض الذي أقامه سنة 2011م: “بدأت أولاً بالرسم بالحبر على الصفحات  البيضاء، ثم استخدمت البرمجيات، وفي المرحلة التالية على قماش الرسم، وصلت إلى المرحلة الثالثة والأخيرة التي كانت لوحة الخط التصويري. 

ويؤكد الفنان كاوُش إلى تفاعل واسع مع الأعمال المستلهمة من مدرسة “السقاخانة”، إذ إن الإلهام من الصور والزخارف الثقافية والوطنية والتقليدية والدينية والإسلامية من جهة، واستخدام الخط  الذي يحمل دلالات ومعاني رائعة من جهةٍ أخرى، كلاهما كان دائمًا جذابًا ومليئًا بالطاقة في هذه الأعمال ذات طابع “السقاخانة”. وقد أبدى الجمهور اهتمامًا خاصًا بهذه الأعمال التي تمزج بين التقليد والحداثة، وعندما يتحدثون معنا، يعبرون عن رغبتهم في التعرف على إمكانية الوصول إلى مثل هذا المستوى من الإبداع الفني عبر إكمال دورات الخط والدورات الفنية.

 

الاعتماد على التجربة

 

 

في هذا السياق يتوجه الفنان كاوُش بتوصية للطلاب والمهتمين في مجال الرسم والخط هي أن يهتموا بتحصيل العلم والدراسة في مجال الفن، فالشرط الأول للدخول والنجاح في أي مجال فني هو أن يحتاج الطالب إلى معرفة الخلفية واكتساب الخبرة الكافية، يجب على الطالب أن يعرف أساسيات الفنون البصرية وأن يمر بتجربة عملية في هذا المجال، وأن يكون على دراية كاملة بمبادئ الشكل وعلم الألوان، كما يجب أن يكتسب خبرة كافية في الخطوط التقليدية عبر سنوات من الممارسة. يجب أن يتعلم مبادئ التصميم بأسلوب حديث وتجريبي، وينبغي عليه أن يمارس التصميم بأساليب كلاسيكية وأساسيات في ورش العمل عبر فصول دراسية مختلفة”، ويؤكد الفنان كاوُش:”بعد أن يكتسب الطالب معرفة كاملة في جميع المجالات، فإن عنصر الإبداع والابتكار في العمل الفني هو الجزء الأكثر أهمية في خلق العمل الفني، والذي يتضمن عدة مراحل، كما يجب على الفنان الشاب أن يتقن أنواع الفن بشكلٍ جيد، ومن ناحيةٍ أخرى، يجب أن يصقل روحه ليحصل على إلهامات نقية وصحيحة، مما يؤدي إلى خلق أعمال فريدة.”
مستقبل واعد للخط التصويري 

 

وفيما يتعلق برؤيته حول مستقبل فن الرسم والخط ومدرسة “السقاخانة”، وخططه للترويج لهذا الأسلوب الفني، فيقول الفنان كاوُش أنه:” بالنسبة للرسم والخط التصويري، الذي هو مزيج من التقاليد والحداثة، ويعتبر نوعًا من الفن ما بعد الحداثة، أرى مستقبلًا واعدًا له. يُعرف فن كل أمة خارج أرضها عبر هيكلها الثقافي والوطني. قمم الأدب والنصوص الأدبية والثقافة الشعبية، الخط التصويري، الزخارف، التقاليد، الفسيفساء، العمارة والفنون الإسلامية، النقوش الخطية الثلث، الخط الكوفي الزخرفي، الخط الكوفي المعقلي، التذهيب، والتصوير، جميعها عناصر تشكل مستقبل فن الرسم والخط، والفنان الإيراني ينسج هذه العناصر معًا بطريقة تعكس فن إيران الذي يمتد لآلاف السنين، ولتعزيز وتطوير فن النقش والخط بأسلوب “سقاخانة”، وهو جزء من الثقافة المشتركة بين الدول الإسلامية، أسس الخط التصويري، العمارة والفنون التقليدية والإسلامية؛ مما يضع فن هؤلاء الفنانين في فضاء عالمي أوسع”.
أمّا بالنسبة لأهمية إقامة معارض دولية لفن النقش والخط، فيؤكد الفنان كاوُش على تنظيم هذه المعارض للتواصل مع الفنانين الأجانب الذين لديهم صلة ما بخطنا، ولتنظيم نشاطات مشتركة مع فنانين من دول أخرى يعملون في مجال الطباعة والفنون الرقمية”.ويختم الفنان كاوُش حديثه حول إمكانية استغلال فن الرسم والخط ومدرسة “السقاخانة” لتعزيز الهوية الثقافية والفنية لإيران على المستوى العالمي بالقول: “إن أحد أهداف حركة فن “سقاخانة” في فن ستينيات القرن العشرين هو العالمية والتعريف بالهوية الثقافية والفنية لإيران. وهدف فناني النقش والخط الحديث والمعاصر هو كذلك، وكذلك عرض الأعمال الفنية للنقش والخط على نطاق أوسع وعلى المستوى الدولي، ونشر أعمالها عبر وسائل الإعلام، أو عبر إقامة معارض جماعية وفردية في دول مختلفة، وعقد جلسات واجتماعات مع فنانين من جنسيات متنوعة لإقامة معارض ومؤتمرات وطرق أخرى، كل هذا  يمكن أن يكون له تأثير كبير في تعزيز العلاقات الثقافية والتعريف بهويتنا الثقافية والفنية على المستوى العالمي”. 

 

 

المصدر: الوفاق/ خاص