فاطمة مهاجراني
في الأشهر الأخيرة، أصبح من الواضح أكثر من ذي قبل أن الكيان الصهيوني، ونتيجة لفشله في تدمير حركة المقاومة الفلسطينية واللبنانية، يحاول من خلال إشعال حرب إقليمية أكبر، تشتيت الأنظار العالمية عن الكوارث الإنسانية والهزائم السياسية له.
قتل الكيان الغاصب أكثر من أربعين ألف إنسان بريء ومدني في غزة وآلاف المواطنين الآخرين في لبنان وكشف مرة أخرى الوجه الحقيقي لهذا الكيان المؤقت للعالم.
نادراً ما يمكن العثور على شخص في جميع أنحاء العالم لا يزال يصدق مظلومية هذا الكيان أو حتى يعتبره كياناً سياسياً وجغرافياً عادياً. إن كشف الوجه القبيح للفصل العنصري الصهيوني هو أكبر ضربة تلقاها في العقود الأخيرة. وليس من الغريب أن يحاول قادة هذا الكيان من خلال مغامرات جديدة التستر على هذا السجل الأسود المتبقي بعد عملية طوفان الأقصى.
في آخر الإقدامات الشيطانية لهذا الكيان، استشهد عدد من أفضل الشباب والجنود الإيرانيين المدافعين عن الحرم؛ وبالطبع، لن يذهب دم هؤلاء الشباب الشجعان سدى، وسرعان ما سترد الجمهورية الإسلامية الإيرانية بشكل مناسب، اتباعاً لتوجيهات سماحة قائد الثورة الإسلامية في تجنب التردد والتسرع.
لكن الحقيقة هي أن الانتقام الحقيقي لدماء هؤلاء الشهداء سيتحقق بانتصار نهائي لحركة المقاومة. على الرغم من أن الشعب الفلسطيني واللبناني قد تحمل أضراراً وخسائر لا تعوض في الأشهر الماضية، إلا أنهم من خلال كشف وحشية الصهاينة للعالم أثبتوا لماذا تعتبر ثقافة المقاومة والجماعات المقاومة مشروعة وضرورية للدفاع عن أرواح الأبرياء ضد المحتلين.
من ناحية أخرى، فإن صمت أو حتى دعم بعض الدول الغربية لهذا العمل العدواني غير القانوني وغير المبرر بعد أشهر من الدعم السياسي والعسكري للإبادة الجماعية في قطاع غزة، يشير إلى فرض فضيحة أخرى من قبل الكيان الغاشم.
من غير المعقول أن تكون الحكومات التي هي بهذا القدر من العجز والضعف أمام اللوبي الصهيوني قادرة على دعم السلام والاستقرار والنظام الدولي العادل، ناهيك عن لعب دور في تحقيقه.
ثمن هذا الدعم المستمر لهذه السلسلة من الجرائم هو المزيد من العزلة بين الضمائر المستيقظة عالمياً، خاصة في العالم الإسلامي.
بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن لأي مستوى من الدعم غير العادل للاحتلال والعدوان أن يمنع السقوط السياسي والأخلاقي للمذنبين ومرتكبي هذه الجرائم الواضحة.
على أي حال، فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية وهذا الشعب العظيم الذي دافع لقرون عن مبادئ العدالة والسلام والمساواة بين الأمم، لن تتراجع أبداً عن اعتقادها في دعم السلام العادل ومعارضة الاضطهاد والإحتلال والإعتداء على الحقوق الأساسية للشعوب، وخاصة الشعب الفلسطيني المظلوم. هذه المعايير تعكس وتستند إلى القيم العالمية التي أصبحت مركزية في ميثاق الأمم المتحدة.
بينما تقف أمتنا بحزم للدفاع عن هذه القيم الإنسانية الشاملة، فإن الحكومات التي ادعت لعقود أنها رعاة ودعاة لهذه القيم، تقف صامتة أو حتى داعمة في مواجهة انتهاكها الصريح والوقح. هذا بالطبع يمكن أن يكون علامة أخرى على ظهور نظام دولي جديد ببطء ولكن بثبات، يميل إلى العدالة والمساواة الحقيقية وغير المشروطة بين الأمم، رافضاً «العدالة الانتقائية».
شعبنا فخور بأنه -وعلى الرغم من دفع تكاليف اقتصادية وسياسية غير عادلة- يشارك في بناء عالم أفضل لجميع الشعوب والأمم.
وإن هذا الأمر لن يمنع الحكومة الرابعة عشرة من التركيز على تخفيف هذه الضغوط عن كاهل الشعب وتشجيع الدبلوماسية كأهم وسيلة لحل النزاعات الدولية. نحن ندعو بإصرار شعوب العالم إلى ضبط النفس في استخدام القوة وعدم الامتناع عن الحوار للتغلب على الخلافات.
مع الاعتقاد الراسخ بهذا الموضوع، وكما كانت الدبلوماسية الموجهة نحو السلام والأمن الجماعي محور السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، فإن إنشاء منطقة أقوى وأكثر استقراراً وازدهاراً هو من الأهداف الأساسية لإيران التي لا يمكن محوها. لا يوجد تردد في إرادتنا للوقوف في وجه أي اعتداء على سلامة الأراضي الإيرانية.
حالياً، فإن إنهاء العنف وقتل الناس في قطاع غزة وجنوب لبنان دون قيد أو شرط هو أحد أهم أولويات السياسة الإقليمية للحكومة الرابعة عشرة. نأمل أن تكون الحكومات المسؤولة في المنطقة والعالم مستعدة مثلنا لبذل جهود كبيرة لتحقيق هذا الهدف وتقديم غصن الزيتون للشعوب المحبة للسلام؛ قبل أن لا يكون هناك خيار سوى اللجوء إلى السلاح لإنهاء الظلم.