صادفت وفاته ذكرى زيارته لإيران

كارتر وإيران.. تقابل السياسة والمصير

كارتر: «آراؤنا في القضايا الأمنية ليست قريبة من أي بلد بقدر قربها من إيران. لا أشعر بالامتنان والصداقة تجاه أي زعيم بقدر ما أشعر تجاه الشاه»؛ ولكن بعد عام واحد فقط من هذه الكلمات، سقط الشاه وانتصرت الثورة الإسلامية الإيرانية.

2024-12-31

خلال فترة رئاسة «جيمي كارتر»، شهدت العلاقات بين الولايات المتحدة ونظام الشاه البائد تحولات معقدة. دخل كارتر البيت الأبيض بشعارات حقوق الإنسان، وانتقد الأنظمة الديكتاتورية وقلل من بيع الأسلحة للدول المستبدة، لكنه أقام علاقات وثيقة مع الشاه المخلوع عند تطبيق السياسات العملية.

 

توفي جيمس إيرل كارتر جونيور، المعروف بـ«جيمي كارتر»، الرئيس الأمريكي الأسبق، في 29 ديسمبر 2024 عن عمر يناهز 100 عام؛ بينما لا تزال مناقشات زيارته التاريخية إلى إيران في ديسمبر 1977 بارزة في التاريخ المعاصر لإيران.

 

في تلك الزيارة التي تمت في ليلة عيد الميلاد، وصف كارتر إيران بأنها «جزيرة الاستقرار في منطقة مضطربة»؛ كانت تلك الزيارة في وقتها رمزاً لتقابل السياسات العالمية مع التحولات السياسية والمدنية في إيران وأصبحت واحدة من نقاط التحول في التاريخ المعاصر للبلاد.

 

سقوط الشاه وانتصار الثورة

 

في السنوات الأولى بعد سقوط الشاه البائد وانتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، رأى الكثيرون أن فشل كارتر في إعادة انتخابه كرئيس للولايات المتحدة كان نتيجة لفشله في إدارة أزمة السيطرة على الوکر التجسس الأمريكية في طهران من قبل «الطلاب التابعين لخط الإمام الخميني».

 

وهذا سرد لحياة كارتر بعد الرئاسة بقلم صحفي إيراني: «على الرغم من أن جيمي كارتر عاش 44 عاماً بعد انتهاء رئاسته، إلا أنه ربما كان يفكر طوال هذه السنوات الـ 44 في تلك الأيام الـ 444 في كيفية تحرير 52 أسيرا أمريكيا في إيران، والذين كانوا تحت سيطرة الطلاب المسلمين التابعين لخط الإمام ثم الحكومة الإيرانية، وتم تحريرهم بموجب اتفاق في الجزائر؛ تماماً عندما أدى رونالد ريغان اليمين الدستورية كرئيس».

 

من المثير للاهتمام أن جيمي كارتر توفي في ذكرى زيارته إلى إيران. دخل كارتر، الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت، مع زوجته إيران في 31 ديسمبر 1977 وشارك في مأدبة قصر نياوران التي تزامنت مع ليلة عيد الميلاد. كانت زيارة كارتر إلى إيران رواية عن تقابل السياسة والمصير، وترك صورة لا تُنسى في التاريخ المعاصر للسياسة الخارجية للبلاد؛ صورة تقول إن حتى «جزيرة الاستقرار» من وجهة نظر زعيم الهيمنة العالمية يمكن أن تستقبل ثورة في غضون عام واحد فقط، والتي تحدت هذه الهيمنة الذاتية في قلب الشرق الأوسط لأكثر من أربعة عقود.

 

كارتر.. من الولادة إلى السياسة

 

في الأول من أكتوبر 1924، شهدت مدينة بلينز في ولاية جورجيا الأمريكية ولادة طفل أصبح فيما بعد أحد الشخصيات السياسية الأكثر تأثيراً في القرن العشرين. جيمي كارتر، ابن مزارع الفول السوداني وأم كانت ممرضة متفانية، نشأ في عائلة ذات تناقضات فكرية. كان والده محافظاً، بينما كانت والدته ذات روح حرة وكرست جزءاً كبيراً من حياتها لرعاية العائلات السوداء في جورجيا. في عام 1946، تزوج جيمي من روزالين سميث وأنشآ معاً عائلة مكونة من أربعة أطفال.

 

بدأ المسار السياسي لجيمي كارتر في عام 1962؛ حيث فاز في انتخابات مجلس شيوخ ولاية جورجيا ودخل عالم السياسة. في ذلك الوقت، كان كارتر مؤيداً لـ«جون إف.كينيدي» وكان معروفاً بصلابته واستقلاله في الرأي، لكن السياسة لم تكن دائماً مجالاً للانتصارات.

 

خسر في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لمنصب حاكم جورجيا في عام 1966، لكن هذه الخسارة مهدت الطريق لعودته القوية في عام 1970. هذه المرة، لم يحصل كارتر فقط على ترشيح الحزب الديمقراطي، بل هزم منافسه الجمهوري وأصبح حاكم
ولاية جورجيا.

 

شخصية لا تزال سياساتها موضع نقاش

 

منذ الأيام الأولى لتوليه الحكم، كان كارتر يطمح إلى المشاركة في السياسة الوطنية. وبعد انتهاء فترة حكمه كحاكم، ركز على انتخابات الرئاسة لعام 1976. كانت الظروف السياسية في الولايات المتحدة في ذلك الوقت، خاصة بعد فضيحة ووترغيت التي أدت إلى استقالة «ريتشارد نيكسون»، فرصة ذهبية له.

 

من خلال تحليل هزيمة الديمقراطيين في انتخابات 1972، توصل كارتر إلى أن الفوز في انتخابات 1976 يتطلب مرشحاً معتدلاً وخارج دائرة السلطة في واشنطن؛ شخص يمكنه استعادة ثقة الناس. هذه الاستراتيجية أوصلته من حاكم ولاية إلى رئيس الولايات المتحدة؛ شخصية لا تزال سياساتها موضع نقاش ودراسة في التاريخ السياسي للولايات المتحدة.

 

انتصار الديمقراطيين بقيادة كارتر

 

كان جيمي كارتر، أحد المرشحين العشرة في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي للحصول على الترشيح في انتخابات الرئاسة لعام 1976، في البداية وجهاً غير معروف لكثير من الناخبين، لكن مواقفه الحازمة بشأن منع إهدار الموارد الحكومية، والدفاع عن توازن الميزانية، والاهتمام باحتياجات الفقراء، زادت من شعبيته.

 

في خريف عام 1976، كان لانتصار جيمي كارتر في انتخابات الرئاسة الأمريكية تأثيرات عميقة على المشهد السياسي في إيران. تظهر الأدلة التاريخية أن محمد رضا شاه بهلوي المخلوع لم يكن راضياً عن انتصار كارتر على «جيرالد فورد»، مرشح الجمهوريين في الانتخابات الأمريكية. كان الشاه البائد، الذي كانت له علاقات وثيقة مع الجمهوريين، وخاصة ريتشارد نيكسون، يفضل أن تُتابع سياسات الولايات المتحدة تحت إدارة
هذا الحزب.

 

كارتر يتراجع عن شعارات حقوق الإنسان

 

بعد أقل من شهرين، في ليلة رأس السنة الميلادية، سافر الرئيس الأمريكي بدعوة من محمد رضا شاه إلى طهران. خلال هذه الزيارة، وصف جيمي كارتر في مأدبة عشاء في قصر نياوران، إيران بأنها «جزيرة من الاستقرار في واحدة من أكثر المناطق اضطراباً في العالم».

 

كانت هذه الزيارات الثنائية واللقاءات الرسمية تشير إلى الدعم السياسي للحفاظ على الوضع القائم. حتى وقت انعقاد مؤتمر غوادلوب في يناير 1979، عندما وصلت الأوضاع الداخلية في إيران إلى مرحلة الأزمة، كانت الولايات المتحدة لا تزال تأمل في بقاء الشاه البائد، وللحفاظ على مصالحها، دعمت حكومة بختيار وتشكيل مجلس الوصاية على العرش بعد مؤتمر غوادلوب.

 

لذلك، يمكن القول إن كارتر تراجع عن شعارات حقوق الإنسان التي رفعها واستمر في دعم الشاه البائد بدون قيد أو شرط، مثل رؤساء الولايات المتحدة السابقين. كانت زيارة كارتر التاريخية إلى إيران وكلمات المديح في مأدبة عشاء قصر نياوران تأكيداً على هذا التغيير في السياسة. قال: «آراؤنا في القضايا الأمنية ليست قريبة من أي بلد بقدر قربها من إيران. لا أشعر بالامتنان والصداقة تجاه أي زعيم بقدر ما أشعر تجاه الشاه». ولكن بعد عام واحد فقط من هذه الكلمات، سقط الشاه وانتصرت الثورة الإسلامية الإيرانية.

 

المصدر: الوفاق/ وكالة الجمهورية الاسلامية للأنباء

الاخبار ذات الصلة