في ضوء عودة السفير البريطاني إلى طهران..

كرّ وفرّ في سياسة بريطانيا إزاء ايران

على ما يبدو أن بريطانيا اكتشفت سريعاً بأن استغلال قضية إعدام الجاسوس أكبري لتشديد الضغوط على الجمهورية الإسلامية هو تحرك لا طائل منه.

2023-01-28

عقب موجة عارمة من إنتقادات خاوية تبنّتها الحكومة البريطانية وفي ضوء المحاولات الفاشلة لتشويه سمعة الجمهورية الإسلامية الإيرانية أمام الرأي العام العالمي على خلفية اعدام أحد أكبر جواسيس لندن في ايران (علي رضا اكبري)، واستدعاء هذا السفير الى لندن الذي رافقه صخب اعلامي واسع، عاد هذا السفير الى مقرّ عمله في طهران وهو يجرّ أذيال الخيبة وراءه، قائلا: ان ذهابه الى لندن كان بسبب كتابة الشعارات على جدران السفارة البريطانية.

وفي 14 يناير الجاري، استدعت لندن سفيرها سايمون شركليف بعد اعلان السلطات القضائية الايرانية اعدام كبار الجواسيس البريطانيين علي رضا اكبري لدور هذا الجاسوس المُخرب للأمن القومي الإيراني، وفي سلسلة ردود هيستيرية منذ صباح ذلك اليوم بادر رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك الى اطلاق تصريحات تدخلية وخارجة عن الاعراف الدبلوماسية ووصف حكم اعدام الجاسوس بأنه “تعسفي”. اما وزير خارجيته جيمز كلورلي فقد تجاهل الجنسية الايرانية التي كان يحملها اكبري، والقوانين الايرانية التي لا تعترف بالجنسية المزدوجة، وادعى ان بريطانيا لن تترك اعدام “احد مواطنيها” يمر من دون رد، حسب زعمه.

* خطوة متهورة

وبعدها بساعات وفي خطوة متهورة اعلن هذا الوزير اضافة اسم المدعي العام الايراني الى قائمة الحظر البريطانية وتفوه بكلام غير لائق ايضا تحت ذريعة حقوق الانسان وغيرها. وعصر ذلك اليوم اعلن الوزير كلورلي استدعاء السفير البريطاني من طهران للتشاور، مضيفا: ان “الردّ البريطاني” لن يقتصر على هذه الاجراءات !

في الحقيقة كانت ردود لندن مثل دموع التماسيح على عميل انتهت مدة صلاحيته ، وهي تفتقد الصفة القانونية تماما، لكن لم يبق امام بريطانيا سوى اللجوء الى هذه التفوهات والضجيج والصخب والتلويح الى بطاقة الحظر والعقوبات “المعطوبة”، وعاد ليكرر بان الرد لن يقتصر على ما حدث اليوم، حسب تعبيره.

*زوبعة في فنجان

لكن كان واضحا من البداية ان الثرثرة البريطانية هذه زوبعة في فنجان، وان لندن ليس امامها سوى اللعب بالالفاظ والتلويح بالحظر “البالي”، خصوصاً أن الوضع البريطاني المتأزم لا يسمح للندن بأن تلعب دور المُدافع عن حقوق الانسان، لا سيما بعد التقارير الأخيرة التي فضحت الجحيم الذي يعيش فيه الأطفال من اللاجئين الأيتام.

وتواصلت اللوبيات المناوئة لايران في ضغطها على الحكومة البريطانية وبعد يومين من تاريخ اعدام اكبري عقد مجلس العموم البريطاني جلسة طارئة شارك فيه عدد قليل من النواب واشار وزير الخارجية البريطاني في كلمته في تلك الجلسة انه التقى صباحا بالسفير البريطاني في طهران مضيفا: الآن يجب ان نركز على خطواتنا التالية مع حلفائنا ازاء ايران ونحن لن نكتفي بالخطوات التي اعلناها سابقا !”

*دعم مثيري الشغب

كما اضاف كلورلي ان بريطانيا ستواصل دعم القناة الفارسية لتلفزيون بي بي سي وانها ستبادر عبر طرق مختلفة ومنها السفارة البريطانية في طهران الى دعم مثيري الشغب في ايران.

ومساء ذلك اليوم توجه وزير الخارجية البريطاني  الى واشنطن وحسبما اعلنته وزارة الخارجية البريطانية فانه ذهب للتشاور حول قضايا ثنائية ودولية ومنها تنفيذ حكم اعدام اكبري، مضيفة ان كلورلي سيزور ايضا كندا للتباحث مع المسؤولين الكنديين ايضا خصوصاً أن كندا معروف عنها مواقفها المعادية لايران.

وفي واشنطن كرر وزير الخارجية البريطاني ادعاءاته ضد ايران وكلامه حول الاجراءات البريطانية ضد طهران، لكنه اضاف بأنه لن يتحدث اعلاميا حول الاجراءات الاضافية المزمع اتخاذها ضد ايران واستطرد: أينما استطعنا سنتفاوض مع ايران ونأمل في ان تصغي إلينا في فترة زمنية غير بعيدة.

*كرّ وفرّ!

وفي  ذروة الاقاويل البريطانية ضد ايران نقلت صاندي تلغراف البريطانية عن مصدر حكومي ان لندن وفي اعقاب اعدام الجاسوس اكبري تريد اعادة النظر في دعمها للاتفاق النووي، وان سير المحادثات مع ايران قد تغير بشكل كبير وان بريطانيا تدرس خياراتها في هذا المجال .

كما اوردت مجلة فايننشال تايمز ايضا نقلا عن مسؤولين بريطانيين كبار ان الحكومة البريطانية قلقة من تبعات وضع اسم الحرس الثوري على ما يسمى قائمة الارهاب الاوروبية، ومن المستبعد ان تتخذ بريطانيا قرارا بهذا الشأن قريبا وان لندن ورغم انها تدرس هذه القضية لكنها لم تتخذ بعد قرارا نهائيا لان هناك جدلاً في داخل الحكومة حول كيفية تنفيذ هذه الخطوة.  واضافت فايننشال تايمز ان قيام دولة بوصف مؤسسة عسكرية في دولة اخرى بالارهاب يعتبر امرا غير مألوف الى حد كبير وعلى بريطانيا ان تقيم وتدرس سلبيات وايجابيات هذا الموضوع. وتابعت فايننشال تايمز ان المسؤولين المطلعين على المداولات في داخل الحكومة قالوا بأن هناك اضطراباً وقلقاً في داخل وزارة الخارجية البريطانية حول نعت الحرس الثوري بالارهاب.

*التراجع البريطاني في قضية الجاسوس

اما يوم 18 يناير فقد بدت آثار التراجع البريطاني في قضية الجاسوس اكبري تظهر اكثر فاكثر، حيث قال متحدث باسم رئاسة الوزراء البريطانية في تصريح لوكالة الانباء الايرانية ان موقف الحكومة البريطانية ازاء الاتفاق النووي والمفاوضات مع ايران لم يتغير وان التوصل الى الاتفاق النهائي لازال ممكنا، مدعيا ان الاتفاق قد وضع على الطاولة منذ مارس الماضي وان ايران هي التي لم تحسم موقفها بعد، ورغم تكرار هذا المتحدث القول بأن بريطانيا ستواصل دراسة الخطوات القادمة مع شركائها لكنه فند ما اوردته صاندي تلغراف حول اعادة النظر في موقف لندن حيال الاتفاق النووي، ووصفه بأنه مبالغ فيه.

*خطوة فاشلة

وفي الحقيقة فان المواقف الاخرى التي صدرت منذ ذلك اليوم من الحكومة البريطانية تظهر بأن بريطانيا اكتشفت سريعا بأن استغلال قضية اعدام الجاسوس اكبر لتشديد الضغوط على ايران هو خطوة فاشلة، ولذلك نرى ان البيان الذي اصدرته وزارة الخارجية البريطانية في 23 يناير الحالي حول الحظر الى ايران لم يتضمن اشارة الى اعدام الجاسوس اكبري ولم يكرر التهديدات السابقة بهذا الشأن بل ان الحظر ازداد بسبب احداث الشغب .

لكن ما يظلّ أن نؤكده بأن جملة هذه التطورات تشير دون أدنى شكّ على حالة من التخبّط وعملية الكرّ والفرّ في سياسة بريطانيا إزاء ايران، وفي الحقيقة فان بريطانيا وضعت نفسها في دائرة السخرية بعد الموجة الإعلامية العدائية الفاشلة التي أطلقتها ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهي تعلم حجم الأضرار التي تسبّب بها الجاسوس أكبري لايران وشعبها.

 

المصدر: الوفاق/ خاص