في ورشة عمل بعنوان "بيكاسو.. التحليل والتركيب"

23 طفلاً سورياً يستلهمون روح بيكاسو

في المعرض، طوَّع 23 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عاماً أسلوبية بيكاسو في التشكيل، وفق نظرتهم الخاصة للموضوع.

2023-01-29

ضمن معرض في ختام ورشة عمل، أطفال سوريون ينجحون في التخلّي عن واقعية الوجوه والأشكال، وتطويع أسلوبية بيكاسو في التشكيل للتعبير عمّا في داخلهم.

يقودنا المعرض الذي جاء نتاج ورشة عمل بعنوان “بيكاسو.. التحليل والتركيب”، أقيمت في محترف وضاح سلامة في بلدة أشرفية صحنايا ضمن الغوطة الغربية، إلى جوهر المقولة التي طالما آمن بها رائد المدرسة التكعيبية: “كل طفل فنان”، ولأن المشكلة كما يعتقد بيكاسو “تكمن في كيف تظل فناناً عندما تكبر”، لذلك فإن كل ما عَمِل عليه بعد عشرات السنوات من التجريب والتغيير والتفكير والتطوير هو العودة إلى أن ينظر إلى الأشياء بعيني الطفل الذي كانه.

في المعرض، طوَّع 23 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عاماً أسلوبية بيكاسو في التشكيل، وفق نظرتهم الخاصة للموضوع وانفعالاتهم تجاهه وإحساسهم به، مسخِّرين لذلك عُصارة تجربة الفنان الإسباني في تعامله مع العناصر الفنية المختلفة، كالخط واللون والشكل والفراغ والملمس… والعلاقات المختلفة التي تنظم تلك العناصر كالتباين والتوازن والإيقاع وغيرها.

وفي جميع اللوحات نتلمَّس قوة الخطوط وجماليات الألوان وتجاوراتها، والجرأة في التحوير والتبسيط، إلى جانب تجريدية في أبهى أشكالها. إذ تخلى أولئك الأطفال عن واقعية الأشكال والوجوه، وتخلَّصوا مما تراه عيونهم للوهلة الأولى فيها، وانغمسوا في رؤاهم الذهنية، منشغلين بالبنية الداخلية للشكل والبحث عن جوهره، من خلال عمليات اختزال وتجريد تقودها “عين العقل” كما يقول بيكاسو، وذلك وفق أنظمة خاصة تعمل في المرحلة الأولى على تفتيت الأشكال وتجزئتها إلى معادلاتها الهندسية، ثم إعادة بنائها وتركيبها للحصول على تصوير جديد من وجهاتٍ متعددة ضمن تكوين واحد، من أجل تحقيق بناء فيزيائيّ متكامل له تأثير يشبه الكولاج.

وجمعت لوحات المعرض بين مقاربة الغورنيكا بروح أكثر فرحاً، بعيداً من قتامة الحرب ورمادياتها الموحشة في اللوحة الأصل، بل بإصرار على الرقص والموسيقى والمرح، إلى جانب الاشتغال على بورتريهات للوجوه بتعبيراتها المختلفة، من الدهشة والخوف واليأس والفرح والتَّقنُّع، وبازدواجية في الرؤية تجمع بين الجانبي والرأسي، فضلاً عن تصوير الطبيعة الصامتة بانطباعات تنطوي على بعض السريالية، وأيضاً تصوير العلاقات الاجتماعية وعلاقات الحب وفق رؤية بيكاسوية، وفي بعض الأحيان كان هناك اكتفاء بتجريدات لونية مع خطوط قوية وألوان صارخة، لتشكل في مجملها مروحة تشكيلية تندغم فيها أرواح الأطفال مع روح بيكاسو، الذي واظب في أواخر حياته للعودة إلى طفولته ونهل منها أبرز إنجازاته الفنية.

ولأن بيكاسو قال مرَّةً “إن أقصى نقطة أردت الوصول إليها في فن الرسم وجدت أن الخط العربي قد سبقني إليها منذ أمد بعيد”، فقد تضمّن المعرض مجموعة من اللوحات الحروفية المشغولة ضمن رؤية حداثوية، بعضها يتخلى عن الحرف كجزء من الكلمة، مُطلِقاً إياه كتكوين تشكيلي مُهم بامتداداته والتواءاته، محققين في أعمالهم توازناً بارزاً بين الكتلة والفراغ، وبتدرجات لونية أبرزت جماليات الخط وقدرته الفائقة في التشكيل.

ولمعرفة خطوات إنجاز هذا المعرض المُبهِج، التقت “الميادين الثقافية” مع الفنان وضاح سلامة، الذي أوضح أنه منذ إنشاء هذا المركز أخذ على عاتقه الاهتمام بثقافة الفن، وليس فقط تعليم الأطفال كيف يرسمون ويلوّنون، لأن ذلك غير كافٍ، لذلك “اشتغلت مع الطلاب على مدارس الفن، ابتداءً من عصر النهضة، مروراً ببقية المذاهب الفنية التشكيلية، وصولاً إلى الحداثة وما بعدها، ومن ضمنهم المدرسة التكعيبية، والتي كانت من أجمل التجارب التي اشتغلناها مع الطلاب أثناء التنفيذ، إذ أحسست أنها الأقرب إلى روح الأطفال، خاصةً أن أعمال بيكاسو ناجمة عن روحه كطفل كبير”.

وأضاف سلامة أنه “بعد أن وقع الاختيار مع فريق عمل المحترف، إدارةً ومدرسين، على موضوعة بيكاسو تحليلاً وتركيباً، عرضنا فيلماً عن بيكاسو، وتم تعريف الطلاب على المدرسة التكعيبية بشكل كامل، كما عرضنا لوحات بيكاسو كاملةً، وبعدها وضع الأطفال في البداية اسكيتشات لما يريدون رسمه، وتم النقاش معهم من دون أن يتم التدخل في رؤيتهم من قبل الأساتذة، وكنت قد شددت لهم قماشاً وأحضرت ألوان إكريليك، ثم بدأوا تنفيذ تصوراتهم المختلفة، فكان هذا المعرض”.

وعلى الهامش، لفتتنا لوحة يبرز من خلالها وضوح الفهم لتكعيبية بيكاسو، وجمالية الرؤية لممثل مسرحي بوجه ينظر إلى الأعلى. وفي لقاء مع الفنانة الطفلة لين سلامة (13 عاماً)، قالت: إنّ “بيكاسو اشتغل على أن يحلل الشكل ويبسطه بطريقة فنية خاصة، لذلك ونتيجة حبي للمسرح، صوَّرت فناناً يؤدي على الخشبة، وبما أن الممثل يتقنَّع جعلت وجهه مائلاً، ليوضح أن هذا ليس وجهه الحقيقي وإنما أحد الأقنعة التي يرتديها، وأنا راضية عن النتيجة التي وصلت إليها”.
بديع صنيج
صحافي من سوريا

المصدر: الوفاق/ وكالات