مهدي مرتضى
في هذا العالم المادي، تطغى حالياً ثقافة غربية وتنتشر حتى في البلدان المناهضة للسياسات الغربية. هذه الثقافة تتمحور حول الفرد وكيفية إشباعه لحاجاته الشخصية حصراً. ويمكن اختصار أسلوب حياتهم بآية قرآنية «يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ». لعل حياة اللاهثين خلف الدنيا، وما فيها، كمثل تلك النار النهمة التي لا تشبع. هذا الجشع كان سبباً لانتشار المفاسد والحروب الظلم على مر العصور، وكلما ترافق الجشع مع القوة والتمين كلما تفاقم الوضع سوءًا في محيط أولئك المفسدين.
بالمقابل، مقاومة الظلم ودفعه هي من أنبل الصفات البشرية التي مدحها الله عزّ وجل ورسله وأوليائه. ولذلك نال الجهاد هذه القدسية والمنزلة الرفيعة، فالجهاد والقتال في سبيل الله ليس فرصة متاحة للجميع بل لفئة محددة اختصها الله بهذه الكرامة وتنبع هذه الخصوصية من لياقة هؤلاء الخواص.
لا شك أن للمجاهد الذي يستشهد في سبيل الله عطايا ينالها هو كفرد، ولكن الأهم هو أثر هذا الإستشهاد على جميع من حوله من أهل وأصدقاء ومعارف ومجتمع بل وأمّة. وهذا العكس تماماً للثقافة الغربية التي تسعى لتسخير المحيط في خدمة الفرد، مقابل بذل النفس للحفاظ على عزة وكرامة من حولنا. هل الإستشهاد هو هدف أم جائزة قد ينالها المجاهد المخلص أثناء جهاده؟ أيهما أفضل، الإيمان الذي يوصل الفرد للشهادة، أم إيمان مع منجزات علمية توصل المجتمع للنصر؟ ومن قاعدة المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، سنحاول الإجابة.
جوائز وبركات وآثار نيل الشهادة في سبيل الله جعلت الكثير من المجاهدين المؤمنين يسعون لنيلها والإلتحاق بركب سيد الشهداء عليه السلام، والشهادة هي الخاتمة المرغوبة والمتوقعة لمن عاش في حياته حياة الشهداء بالرغم مما يسبقها من مجاهدة للنفس وتحمل لمصاعب الحروب ومطاعن آلاتها. الفرق البسيط بين أن يسعى المجاهد لنيل الشهادة كهدف بحد ذاتها، أو يقرر أن يسلك طريق ذات الشوكة لخدمة المشروع الإيماني وربما يستشهد على الطريق أو يستطيع أن يساهم بتحقيق نصر للأمة ومواصلة العمل للحفاظ على هذا المنجز.
من ناحية ثانية، نحن نعتقد أننا جزء من حركة التمهيد لظهور قائم آل محمد( عج)، والذي سيملأ الأرض قسطًا وعدلًا. أي أنه وبعد انتهاء الحروب سيكون الهدف هو تطبيق الوعد الإلهي في خلافة المستضعفين للأرض وما يلزمه من كفاءات علمية وإدارية وتقنية وغيرها لتسيير شؤون الكوكب بكل نزاهة وعدل. لو كان كل الجهد على عاتق صاحب الزمان (عج) ومن دون الحاجة لتراكم خبرات شيعته وأتباعه لما غاب لكل هذه السنوات. بل حتماً هو بحالة إنتظار لنا نحن حتى نصبح لائقين بظهوره المبارك. وعليه فإن العلم هو الجناح الثاني بعد الإيمان الذي يؤهل السالك للارتقاء نحو الشهادة ونحو خدمة المجتمع والتمهيد لظهور قائم آل محمد (عج).
كما يذكر الإمام السيد الخامنئي موضوع الشهادة في العديد من خطبه ويوصي الشباب بأن عليهم السعي لاكتساب العلم وتطوير المجتمع في عز شبابهم وعطائهم. نحاول أن نصوب فكر وتخطيط الشباب المؤمن بناءًا على مسار القائد.
الخلاصة، في أي لحظة تحتاج الأمة الإسلامية بذل الدماء للحفاظ عليها يكون الشباب المؤمن جاهزًا للتضحية والفداء، وحينما تكون فرص الشهادة مغلقة يستثمر المجاهد وقته في اكتساب العلوم وصقل التجارب وتوظيف شخصيته الإيمانية للتأثير الإيجابي بمجتمعه ومحيطه. نستذكر الشخصية الفريدة للجنرال الشهيد الحاج قاسم سليماني الذي تميز بالعديد من القيم المضافة إلى جانب مسؤولياته الجهادية، علينا أن نستلهم من النماذج الثورية التي حمت الأمة الإسلامية من مختلف الشرور والمؤامرات وأوصلت الأمة بعلمها وإيمانه للنصر واستحقت لنفسها الشهادة.