وقد تكون حوادث الاعتداء على المستشفيات وما نراه على الصعيد الصحي والمراكز الاستشفائية من أبرز الأعمال الجرميّة التي يرتكبها العدو. فبعد تعطيل أكثر من مشفى عن العمل وإيقاف جميع الخدمات فيه، عمد أخيراً إلى محاصرة مستشفى كمال عدوان وإحراقه واعتقال مدير المستشفى د. حسام أبو صفية وعدد من الأطباء، ليدّعي بعدها عدم معرفته بمكان الدكتور ومصيره. وبحسب ما نقل عن المدير العام في وزارة الصحة الفلسطينية د. منير البرش، فإنّ منظمة أطباء لحقوق الإنسان تقدّمت بطلب لمعرفة مصير الدكتور أبو صفيّة، إلاّ أنّ الاحتلال “الإسرائيلي” ردّ على الطلب بأنّه ليس لديه معتقل بهذا الاسم.
يأتي هذا الإنكار “الإسرائيلي” ليُضاف إلى سلسلة الأكاذيب والادعاءات التي يمارسها العدو منذ السابع من أكتوبر عام 2023، ما يضعنا أمام جريمة موصوفة يمارسها الاحتلال على مستوى ارتفاع أعداد المفقودين، جراء الإبادة وعمليات القتل والاعتقالات وكل أشكال الإجرام الذي يمارسه الكيان بلا توقّف.
ولا يمكن فصل ما يحصل على مستوى القطاع الصحي عن مخططات العدو المرتبطة بإخلاء القطاع من المدنيين بشكل كامل، وهو ما أكدته في وقت سابق صحيفة “هآرتس” “الإسرائيلية” التي ذكرت أن إغلاق المستشفيات”يعد جزءًا من إستراتيجية “إسرائيلية” تهدف إلى إخلاء منطقة شمال قطاع غزة بالكامل من المدنيين”.
وبالحديث عن النتائج أيضاً، سبق لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية أن أكدت، أنّ الحرب “الإسرائيلية” على قطاع غزة أدّت إلى تدمير نظام الرعاية الصحية، بطريقة تصفها مجموعات الإغاثة والهيئات الدولية، بصورة متزايدة، بأنّها منهجية، مشيرةً إلى انهيار نظام الرعاية الصحية الذي كان يخدم جميع سكان غزة، البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة.
وعلى الرغم من المطالبات المستمرة لمنظمة الصحة العالمية بوجوب ضمان دخول المساعدات الإنسانية والبعثات لقطاع غزة، على نحو آمن ومستدام وسلس، فإن أنّ أحداً من قادة الولايات المتحدة الأميركية وكيان العدو لا يعير أيّ اهتمام لكل هذه النداءات والمطالبات ويتعمّد إكمال مسلسل التدمير الممنهج للقطاع الصحي ولو كلّف المزيد من أعداد الشهداء وكرّس قطاعاً كاملاً بلا مستشفيات وبلا متابعة صحية، وهو ما يضعنا أمام سؤال ملحّ يتعلق بحياة الشعب الفلسطيني في غزة ومصيره مع استمرار الإبادة الجماعية وتعنت الاحتلال؟
نحن نتحدث اليوم ومع بداية العام 2025 عن فقدان أكثر من 80% من المستلزمات الطبية، وخسارة عدد كبير من الكوادر والأطقم الطبية وفقدان أكثر من نصف المستشفيات والمراكز الصحية المعنية بمعالجة الجرحى والمرضى والمصابين، هذا عدا عن مسألة النازحين الذين اتخذوا من المستشفيات مكاناً يلجؤون إليه من نيران الاحتلال ظنّاً منهم أنها أماكن محظورة على الاستهداف والمجازر، لتثبت حرب الإبادة أنّ كل الأهداف مباحة أمام العدو “الإسرائيلي”، وأنّ الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية يدعم الكيان بشكل كامل للاستمرار في نسف البشر والحجر، وأنه لا يقف عائقاً أمام تحقيق أهداف العدو ورفع مستوى الإجرام يوماً بعد يوم. فهل تنفع نداءات المنظمات العالمية للتوقف عن استهداف المستشفيات والإفراج عن الأطباء والمسعفين؟ لا تعطي التجربة أملاً في ذلك، لكن يبقى الرهان دائماً على المقاومة.