محمد حسین امیدى
ليس من المبالغة القول إن الأطفال أحدثوا انقلاباً في السينما الإيرانية، ومنحوها أساليب مبتكرة للتعبير، ومن الصعب اليوم تصورها بدون هذا الحضور، الذي دافع عن بلاده أمام الصورة المشوهة التي حاول الغرب تصويرها، وجاء دفاعهم عبر قصة تؤلف وأخرى تحكى بأسلوب يمكن وصفه بالسهل الممتنع، واستطاعوا أن يثبتوا الواقع الحقيقي لوطنهم وثورتهم، وأرسلوا عبر تلك الأفلام رسائل صلح ومحبة، وفي المحصلة نجح هذا الحضور الإنساني في جر المُشاهد في كافة أنحاء العالم إلى رؤية الصورة الحقيقية لبلدهم، وما زالت تلك السينما تضج بالنشاط والحيوية إلى اليوم، وباتت تقارب موضوعات اجتماعية هامة، وموضوعات خاصة بالمقاومة وقضية فلسطين، ويدعم هذا النوع من السينما وجود مهرجانات مثل مهرجان الأفلام العلمية والتعليمية والتربوية الدولي “رشد” ويعد وجوده ملمحاً سينمائياً مهما رغم ما تواجهه هذه السينما من مشكلات، لعل من أهمها الحاجة إلى التمويل، والحفاظ على مضمونها، وفي هذا السياق حاورت صحيفة الوفاق أمين الدورة الرابعة والخمسين لمهرجان الأفلام العلمية والتعليمية والتربوية الدولي “رشد”، السينمائي الإيراني “مسعود جهانشاهي” عن التحديات التي تواجه إنتاج أفلام الأطفال والناشئة، ودور وزارة التربية والتعليم الإيرانية في تعزيز هذه السينما وتأثير المهرجان على الدبلوماسية الثقافية، وجعله منصة لرواية مظلومية أطفال فلسطين، وفيما يلي نص الحوار:
تحديات سينما الأطفال والناشئة في إيران
فيما يتعلق بالوضع الحالي لسينما الأطفال والناشئة، قال السينمائي الإيراني جهانشاهي:“ وضع سينما الطفل والناشئة ليس جيدًا، ولا يمكن للأطفال التنفس في فضاء السينما. فقد تحولت السينما إلى سينما لأعمار فوق الثامنة عشر +18 وحتى الأفلام العائلية أصبحت نادرة، أي أن الطفل إذا ذهب إلى السينما مع والديه، فإن الأفلام قد تضرّه، وهذا الجو ليس مناسباً لتربية الطفل والناشئة. عندما يكون الطفل في هذا السن ويتفاعل مع مشاهدة شيء ما، فهذا يعني أنه يتأثر بالبيئة المحيطة به، حتى لو كان الفيلم مصنوعاً بغرض الترفيه أو كان مجرد صورة جرافيكية أو رسماً، فإنه يتعلم منه ويؤثر على الطفل”.
ويوضح أنه :”يجب أن نعلم أن سينما الأطفال تختلف عن سينما الناشئة، وإذا كنا نريد بالفعل أن يكون هناك سينما للأطفال، يجب أن يكون هناك سلة متنوعة يختار منها الطفل أو الناشئة من بين الأفلام. لكن حالياً، يتم صنع فيلم واحد كل عدة أشهر ويجب تصنيفه وفق ملاءمته لعمر الطفل أو الناشئة. لذلك، لدينا أفلام للأطفال والناشئة ولكن لا توجد سينما مخصصة لهم.”
ويشير أمين الدورة الرابعة والخمسين لمهرجان الأفلام العلمية والتعليمية والتربوية الدولي “رشد”: “نحن من بين الدول القليلة التي تمتلك صناعة الأفلام والسينما، ليس كل الدول لديها هذه الصناعة ونحن نتقدم عليهم، لكن هل وصلنا إلى النقطة المثالية أم لا؟ الجواب هو أننا لم نصل بعد. إذا تم صنع 200 فيلم طويل في السنة، فإن الحصة التي تصل إلى طلابنا قليلة جداً وليست كافية لهم، لأن عدد الطلاب الذين لدينا حالياً هو 16 مليون طالب، فضلاً عن الأطفال الذين هم دون سن السابعة وينتظرون الأفلام الخاصة بهم”.
مراقبة وتوثيق الأفلام، الترويج والدعم للأعمال المناسبة
يشير مدير مجموعة السينما الثقافية والفنية “سينما فلسطين” جهانشاهي إلى دور وزارة التربية والتعليم الإيرانية في دعم سينما الأطفال، فيقول: “وفقاً للقرار ۸۲۸ لمجلس التعليم العالي القائم على مبدأ الاستفادة من مشاركة القطاع غير الحكومي في التربية، نحن في مهرجان “رشد” نقوم بدورنا في مراقبة سينما الأطفال والناشئة، نختار الأفلام الجيدة ونمنحها شهادات التوثيق، بعضها نعلن عدم وجود مانع لعرضه في المدارس، وبعضها نوصي بها، وبعضها نوصي بها ونؤكد على أهميتها. إذاً أول عمل لنا هو توثيق الأفلام، والعمل الثاني هو إنتاج الأعمال ودعمها، وهو ما يتم حالياً عبر مركز تنمية الفكر للأطفال والناشئة، إذ يقومون بإنتاجات جيدة ضمن حدود إمكانياتهم. ثالثاً، ترويج الأعمال والأفلام؛ إذ يشجع مساعد التربية والتعليم مدارسنا على مشاهدة الأفلام في السينما وينظم العروض لذلك. وأفضل شيء يمكن أن يحدث لفيلم هو زيادة جمهوره، لذا نختار فيلماً جيداً ونُعرفه للمدارس، التي تقوم بدورها باصطحاب طلابها لمشاهدته، وعندما يزداد جمهور الفيلم، تزداد أيضاً إيراداته، ما يمكنهم من إنتاج الفيلم التالي”.
مهرجان رشد خطوة مهمة في تطوير سينما الأطفال
فيما يتعلق بمهرجان “رشد” ودوره في تطوير سينما الأطفال فيجيب السينمائي جهانشاهي: “بدأ مهرجان “رشد” في عام 1963 تحت اسم “مهرجان الأفلام التعليمية” وبعد انتصار الثورة الإسلامية، شهد المهرجان نقلةً نوعية فأصبح أكثر انتشاراً وفعالية أكبر. هذا المهرجان هو ثالث مهرجان فيلم تعليمي في العالم، وفي هذا العام، في دورته الرابعة والخمسين، تم إرسال 1117 عملاً إلى أمانة المهرجان، وحققنا نمواً بنسبة 70% في الأفلام القصصية الطويلة، التي استقبلت أمانة المهرجان 52 فيلماً منها. وفيما يتعلق بالجمهور، فقد لاقت فعاليتنا استقبالاً جيداً، إذ شهدت الجلسات التخصصية والعروض السينمائية التي تم عرضها في برنامج ” شاد” ( شبكة التواصل الاجتماعي للطلاب)، أكثر من مليون مشاهدة”.
ولفت السينمائي جهانشاهى إلى أنه في كل عام، كنا نعرض الأفلام فقط في سينما فلسطين، ولكن هذا العام، بالإضافة إلى سينما فلسطين في وسط العاصمة الإيرانية طهران، نظمت عروض الأفلام في مجموعتين سينمائيتين إضافيتين، هذا وقد بدأت أسابيع ” رشد” في محافظات ومدن أخرى في إيران.”
الأطفال الفلسطينيون محور اهتمام مهرجان رشد
أكد السينمائي جهانشاهي على محورية موضوع فلسطين في مهرجان “رشد” وقال: “خصصنا ليلة من فعاليات المهرجان لفلسطين، وعرضنا رؤيتنا حول المقاومة من زاوية الطفل، متمثلة في الآثار التي تتركها الحرب على الطفل. تأملوا إذا حدثت الحرب، فالحرب تكون بين طرفين يتصارعان، حسناً، أحدهما محق والآخر باطل، ولكن أين حق الطفل في هذا؟ إذا كنتم تريدون الحرب، فلا ينبغي أن تهدروا حق الطفل”.
ويضيف السينمائي جهانشاهى أن :”النظام الصهيوني يهاجم غزة بحجة محاربة حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، ويدمرها ويسويها بالأرض، ويقتل آلاف الأشخاص بحجج مختلفة. ما مصير الأطفال الذين بترت أطرافهم، أو أصبحوا أيتاماً وتضرروا؟ نحن تناولنا هذا الموضوع وفحصنا الأعمال التي أرسلت إلينا؛ وفي ختام المهرجان منحنا أيضاً وسام الإيثار والتضحية الخاص لفيلم “ألبوم عائلتي” من إخراج محمدرضا نوروز بيكي، وهو فيلم وثائقي يتناول، بنظرة مختلفة، حياة الأجيال المختلفة من الشعب الفلسطيني، والمصائب والألم والمعاناة التي تعرض لها هذا الشعب المظلوم.”
مهرجان رشد والدبلوماسية الثقافية
أكد السينمائي جهانشاهي على إمكانيات مهرجان ” رشد” في خلق دبلوماسية ثقافية، قائلاً: “هذا المهرجان هو واحد من القليل من المهرجانات الإيرانية التي تم تسجيلها رسمياً كمهرجان دولي، والحصول على صفة دولية لمهرجان ليس أمراً سهلاً، ولكي نحصل على هذه الصفة يجب أن نعمل لعدة سنوات بشكلٍ متواصل على الصعيد الدولي لكي نُعرّف المهرجان في الدول الأخرى، والآن ومع تطور المهرجان يرسل إليه اعمال من الخارج، مع أهمية ذلك يجب أن نتحرك نحو أن تُنتَج الأعمال من أجلنا، وهذا يتطلب مجموعة من الترتيبات التي لم تتوافر بعد، بما في ذلك ميزانية ضخمة للجوائز”.
ويختم أمين الدورة الرابعة والخمسين لمهرجان الأفلام العلمية والتعليمية والتربوية الدولي “رشد” السينمائي جهانشاهي حديثه بالقول: “أعتقد أن تعزيز مهرجان “رشد” يمكن أن يؤدي إلى دبلوماسية ثقافية، وإذا كان المهتمون في المنطقة الذين يسعون لحياة كريمة في غرب آسيا والمنطقة التي غالباً ما تتعرض للنهب والاستغلال من القوى الكبرى وأتباعها، أعتقد أنه عبر المهرجانات مثل مهرجان “رشد” يمكننا خلق خطاب جديد وخلق دبلوماسية ثقافية، على الأقل للمطالبة بحقوق أطفالنا المظلومين، يجب أن نحافظ على القيمة الفنية للمهرجان، ونُقدر الأطفال، ونولي الإهتمام الكافي للجانب التربوي.”