محمد شاكر نظام
سياسة خلق الأزمات وخنق الداخل السوري، سياسة اتبعتها الإدارة الأميريكية خلال السنوات المنصرمة عبر الحصار الاقتصادي المحكم وتشديد الخناق على صادرات وواردات الدولة السورية تحت مسمّى قانون قيصر، وذلك إثر فشلها وحلفائها في ميادين الجبهات وأروقة السياسة على حدّ سواء وعدم تمكّنهم من إسقاط الدولة السورية.
لذلك عمدت إلى اللعب بورقتها الأخيرة وهي شنّ الحرب الاقتصادية بأشدّ صورها..
من جهتها قاومت الدولة السورية المنهكة بعد مرور حوالي عقد من الزمن على نشوب الحرب الطاحنة ومواجهة كل أشكال الإرهاب غير المسبوق، ووضعت خططاً اقتصادية لمواجهة الحصار الاقتصادي وحاولت الحدّ من آثار هذا الحصار الذي يهدف إلى إسقاط الدولة السورية من خلال الضغط الهائل على الحاضنة الشعبية التي كانت السبب الرئيس في بقاء الدولة واستمراريتها رغم ما تعرضت له من حروب ومخططات ضخمة جداً..
وقد اعتمدت الدولة السورية في تأمين أهم احتياجاتها من الطاقة وغيرهاعلى الحلفاء الروسي والإيراني اللذين عملا على تزويد سورية بالمشتقات النفطية بصعوبة بالغة..
واليوم وبعد فشل الحصار المُطبق في إسقاط الدولة السورية توجهت الإدارة الأميريكية إلى مرحلة جديدة وهي الأشد وتعتبر الحدود القصوى لهذا الحصار، إذ طال جوانب غير مسبوقة كالمواد الأولية لصناعات الدوائية والعلاجات الطبية ومستلزمات المشافي .. في مسعى للوصول إلى قتل كل أشكال الحياة في الداخل السوري واغتيال الحاضنة الشعبية التي صمدت بصعوبة في وجه كل محاولات ومخططات زعزعته وإقناعه بالتخلي عن احتضان رموز الدولة والتخلي عنها ما يمكن الإدارة الأميركية من الوصول إلى هدفها في إزاحة أحد أهم أعداء الكيان المحتل وتفتيت الجيش الذي اكتسب خبرة قتالية منقطعة النظير خلال سنوات الحرب والذي يشكل رأس الحربة في أي نزاع مسلح قادم في المنطقة..
فيما يلي أهم النقاط والأهداف التي تسعى الإدارة الأميريكية للوصول إليها من خلال اتباع أقصى حالات الحصار على الداخل السوري:
- الوصول إلى التعتيم الكامل عبر انقطاع التيار الكهربائي بسبب عدم توفّر الوقود اللازم لتشغيل محطات الكهرباء.
- عدم قدرة الدولة على تسليم رواتب الجيش والموظفين وتراكمها بشكل تصاعدي.
- الوصول إلى الشلل الكامل في وسائل النقل العامة والخاصة بسبب عدم توفر الوقود.
- سوق شبه خالية من المواد الغذائية الهامة كالقمح والرز والزيت … والوصول إلى الحد الأعلى للأسعار .
- خلق ازدحامات خانقة على الأفران التي تعاني بشكل كبير جداً من نقص الإمداد بالطاقة والطحين.
- إنعدام العلاجات والأدوية والوسائل الطبية.
- الوصول إلى أقصى مستويات التضخم في السوق السورية.
- الوصول إلى مستويات متدنّية للغاية في سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار والعملات العالمية.
- إغلاق متكرر وشبه كامل للمدارس والجامعات بسبب عدم توفر المواصلات.
- إخضاع المواطنين للجوء إلى السوق السوداء لتأمين أبسط احتياجاتهم المعيشية بأعلى الأسعار.
- إشاعة اليأس من خلال حرب نفسية على الحاضنة الشعبية.
- المساهمة في إيجاد أكبر عدد من الفاسدين بغية القضاء على مدّخرات الدولة من مقومات الصمود.
الحاضنة الشعبية ووعي المرحلة
الشعب في سورية تعرض عبر تاريخه إلى الكثير من الأزمات والضغوطات تراوحت أزمنتها وشدّتها، وطالت جميع مناحي الحياة، صمد هذا الشعب على كل هذه الأزمات واستمر ليسجّل أرقاماً قياسية في التحمّل والصمود في سبيل تحقيق كرامته وحريته ودحر الأعداء الطامعين والتغلّب عليهم عبر هذا الصمود الأسطوري دون مبالغة..
واليوم نجد أنّ الحرب الكونية على سورية تستهدف هذا الشعب بشكل غير مسبوق بُغية سحق هذه البنية الصامدة والتي تقف عائقاً وحاجزاً منيعاً أدّت إلى تدمير وإفشال كلّ المخططات الإستعمارية التي تستهدف هذا البلد الاستراتيجي بموقعه وبمقدّراته، وفي سبيل تحقيق غاياتهم السياسية قام أعداء سورية بالضغط على الدولة السورية وحصارها من جميع الاتجاهات -أحدها ما يسمّى بقانون قيصر- وبالتالي فإنّ الدولة ولتضمن بقاء مؤسساتها في دائرة الفعالية ليس أمامها إلا أن تنقل هذا الضغط إلى الشعب وذلك عبر تحصيل أكبر كمّ من الضرائب من ناحية ومن الأخرى ترشيد الدعم الحكومي وإيصاله للمستحقين ضمن أضيق دائرة بعدما كان هذا الدعم يناله الجميع حتى المتمكنين..
من خلال المراقبة والمتابعة نجد أنّ المواطنين في الداخل يمتلكون وعياً عميقاً لما يُحاك لهم ولدولتهم جعلهم يحتملون هذا الضغط وهذا الحصار بشكل منقطع النظير، وهذا ما تراهن عليه القيادة في سورية، وتعتبره من أكثر الأوراق ربحاً بين يديها في أي تسوية سياسية قادمة.
هنا تبرز ضرورة دور الحلفاء المباشر وغير المباشر في دعم الدولة السورية وتخفيف أعباء هذا الضغط الهائل الذي تمارسه الولايات المتحدة والأميريكية وحلفاؤها لضمان استمرار صمود هذه الحاضنة الشعبية -التي ظهر احتضانها للدولة الشرعية وقيادتها منذ بدايات الأزمة- وبقاء هذه الورقة التي هي من أهم الأوراق الرابحة.
وتبرز أيضاً ضرورة مكافحة الدولة للفساد والفاسدين الذين يزيدون في هذا الضغط كما يعود سلباً على الحالة النفسية للمواطنين إذ إنّ المواطن على استعداد ليمنح دولته صموده بشكل كبير لكنه غير مستعد لإعطائه مجاناً للفاسدين..
كذلك على الدولة محاربة السوق السوداء النشطة التي تثقل كاهل هذه الحاضنة.