الامارات قريبا “اسرائيل” ثانية!

لم يكن اختيار دولة الامارات المتحدة من قبل الولايات المتحدة لتكون"الضحية" الثالثة للتطبيع والأولى خليجياً بأمر غير مخطط له.

2023-01-29

محمود الهاشمي

في البدء علينا ان نعرف ان “اسرائيل” لم تعقد اتفاقاً (تطبيعياً ) مع اي دولة عربية دون رعاية اميركية ،وذلك لسببين: الاول ان دول التطبيع لم تكن يوماً شعوبها وحتى حكامها راغبين بالتطبيع مع الصهاينة، انما جميعاً يعتبرون ذلك من باب واقع حال.

كما اكد اول رئيس مطبع “انور السادات” فيما بعد، وتبعه الآخرون بذات المنطق او الحجة، آخذين بنظر الاعتبار ان التطبيع مع مصر جاء بعد هزيمة حزيران او نكسة حزيران كما يحلو للبعض ان يسميها، والتي يوجز حال العرب فيها الشاعر نزار قباني بقوله”كنت مجروحاً ومطروحاً على وجهي كأكياس الطحين.. ايها السادة لا تندهشوا كلنا في نظر الحاكم اكياس طحين..كلنا بعد حزيران خراف..نتسلى بحشيش الصبر والله يحب الصابرين”.

حال العرب بعد نكسة حزيران عام 1967بائس وحزين، ولم تسعفه انتصارات حرب تشرين الباهتة عام 1973! بقيت اسرائيل تخضع للمعادلة الدولية، حيث اوجدها الاستعمار الغربي وظل محافظا عليها خدمة لمصالحه، وخاصرة موجعة في جسد العرب والمسلمين.

تسلسل التطبيع الى مصر، والاردن، والامارات، والبحرين، والمغرب، وجاء متسقاً وفق المخطط انما الهدف الاساس هو الامارات، التي يسعى الغرب ان يجعل منها “اسرائيل الثانية”! لا سيما بعد اعلان التطبيع بين الامارات و”اسرائيل” اكد الاستطلاع الذي أجرته منظمات ووكالات عالمية ان 80‎%‎ من الشعب الاماراتي غير راغب بالتطبيع وبكل اشكاله بما في ذلك الرياضي، وان ال20‎%‎ رؤوا انه واقع حال!

ان الكيان الاسرائيلي لا يرغب بالتطبيع الشعبي ويكفيه من الدول (الحكومات) لأسباب تخص طبيعة الشخصية اليهودية التي لا تميل الى الانسجام والتفاعل مع الآخرين، ولو أرادت ذلك لأقامته مع العرب داخل الارض المحتلة، وان واحداً من اسباب وجودها هو الخلاف مع الآخر!
على الرغم من ان مؤسس الإمارات زايد بن سلطان كان يسمي “اسرائيل” عدواً الا ان اليهود وخاصة الصهاينة منذ تأسيس الامارات في بداية سبعينيات القرن الماضي يرون فيها مشروعاً صهيونيا.

اما الاسباب فهي عديدة وفي مقدمتها انه لم تكن لهذه الدولة (اسس دولة )من قبل، انما تعاون البريطانيون والمغاربة على تأسيسها في تنظيم السجلات والعملة ونظام الدولة. لذا فهي دولة (فجة) وعدد سكانها البالغ 750 الف نسمة غائب وسط عدد الاجانب من 220 جنسية، و150 قومية لدرجة ان عدد الهنود يشكل خمس مرات بقدر عدد الاماراتيين، وتبلغ تحويلاتهم من دولة الإمارات إلى الهند حوالي 13 مليار دولار أمريكي سنوياً، ويحتلون حوالي 50٪ من سوق العقارات في دولة الإمارات، وهذا يتمدد على القوميات وجاليات الدول الاخرى.

ان كيان الاحتلال يفهم جيداً ايضاً ان الامارات ضعيفة، وتحتاج الى دعم امني، وان عدد سكانها القليل لا يكفي للحفاظ الى امنها، فمثلا ان 750 الفاً او حتى 800 الفاً اذا حذفت منهم النساء يبقى منهم 400 الفا، ثم الاطفال والشيوخ والمرضى فسيبقى منهم 200 الفا، ولو تحول افراد هذا الرقم جميعهم الى (رجال امن) لما استطاعوا ان يتوزعوا جيشاً وشرطة وامناً واستخبارات في دولة عدد نفوسها (11)مليون بألسن متعددة وجنسيات وثقافات مختلفة!!

خلال عام واحد بعد اعلان التطبيع زار حوالي 200 الف اسرائيلي دولة الامارات، فماذا يعني ذلك؟ وهل زار اقل من هذا العدد من الاسرائيليين مصر، وهي التي طبّعت منذ عام 1979؟ الا في الحدود الساحلية او صحراء سيناء للابتعاد عن التماس المباشر ! ثم اين هم المصريون في السياحة الى اسرائيل؟واين هم الاماراتيون الذين قوبلوا بالاستهجان والرفض من قبل الصهاينة!؟
لم تكن بين “اسرائيل” ومصر تجارة ولا مع المغرب او الاردن الا في حدود ضيقة لكن سرعان ما تمت اتفاقية تجارة حرة بين الامارات و”اسرائيل”، وبات الميزان التحاري يرقى الى المليارات.

ان التطبيع الناعم الصهيوني بدأ يتسلل الى الامارات، من إنشاء مطعم يهودي الى معبد الى المعابد الابراهيمية حيث المسجد جوار الكنيسة والمعبد والكنيست. ثم التبادل الرياضي والثقافي والامني، والتنسيق العالي في جميع الجوانب.

اليهود يفضلون الدولة البكر لانهم يرغبون تصنيعها حيث يشاؤون، لذا فانهم هم من اقنع الملكة الاسبانية “ايزابيلا ” يومها بان تمّول رحلة اكتشاف امريكا، مقنعين اياها بالذهب والفضة والمعادن بهذه الارض، وقد رافق الرحلة خمسة من اليهود.

بعد اكتشاف امريكا فان اليهود عمدوا الى ابادة الشعب الاصلي، حتى يكون الجميع (مهاجرين ) وليس لأحد ان يدّعي بان هذه الارض تعود لاجداده، وفعلاً هيمن اليهود على امريكا، واعتبروا ان نيويورك بمثابة “ارض الميعاد”!ويشكل اليهود اعلى نسبة سكانية لهم في امريكا (2‎%‎)!
تؤكد الاحصائيات من خبراء اماراتيين وقطريين ان دول الخليج الفارسي ستفقد خاصيتها العربية باتجاه دول آسيا الذين باتت اعدادهم في تزايد، ويفوق عدد سكان الدول خاصة في الامارات وقطر والبحرين والسعودية كذلك.

منذ اعلان التطبيع والعرب في الامارات يعانون من المضايقة والمتابعة وفقدان فرص العمل، حيث ما زالت الشعوب العربية منزعجة من التطبيع مع “اسرائيل”، وهذا يعني ان افراداً من دول أخرى وفق الانتخاب الصهيوني سيعوضون فرص العرب بالعمل.

المشكلة ليست فقط بالتطبيع الاماراتي الصهيوني ولكن الامارات انخرطت بالمشروع الصهيوني بالمنطقة فباتت تتدخل في مصير 18 دولة عربية، وتغير الحكومات، وتتلاعب بمصير هذا الحزب وذاك، مستغلة حجم الاموال الهائلة التي تتدفق عليها، وكان لها في” الربيع العربي” الدور في صناعة الحكومات، وصناعة الفوضى، وتغيير المعادلات السياسية والامنية، وأخطرها الهيمنة على المواقع والممرات والجزر المهمة وتسليمها الى الكيان الاسرائيلي.

حتى عام 2030 تكون الامارات “اسرائيل الثانية” بالمنطقة، وهي تهيمن على المال والموقع والقرار السياسي والامني.. الامارات الآن تسعى الى شراء اصول قناة السويس، وقد تشارك اسرائيل بمشروع حفر “قناة جديدة” تغني العالم عن قناة السويس وبمواصفات افضل، وما إفقار مصر والاردن والسودان وتونس وابتلاع المغرب الا بداية لهذا المشروع الخطير.

لذا علينا ان لا نعجب حين تدين الامارات العمليات البطولية للشعب الفلسطيني فلم تعد الامارات عربية!

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع