الوفاق/ خاص
سهامه مجلسي
تعتبر مرحلة الطفولة من أهم المراحل في حياة الإنسان لأنها تأسيسة يتم فيها غرس كل القيم والمعارف والسلوك، كبذور قابلة للنمو متى تهيأت لها البيئة المناسبة، وفيها يتدرج الطفل للاعتماد الكامل على نفسه، ثم يترقى في النمو نحو الاستقلال. وتربية الأطفال هي واحدة من أكثر المهام مشقة وصعوبة على الإطلاق، وهي في نفس الوقت إحدى أكثر الوظائف متعة وإثارة، وكلنا نريد تربية أطفالنا كي يكونوا سعداء وناجحين في الحياة، سواء كان في الدراسة أو في مسيرتهم المهنية بعد التخرج. ولكن ما أفضل الأساليب التي نستطيع اتباعها كي نربي أطفالنا بطريقة تضمن لهم النجاح والازدهار في المستقبل ؟ في هذا الصدد اجرت صحيفة الوفاق حواراً مع الدكتورة ليلى صالح وفيما يلي نص الحوار:
بداية، ما هو تعريف الهدف بشكل مُبسَّط؟
بكل بساطة الهدف هو ما يسعى إليه الإنسان من أجل تحقيقه، ونفسياً فهو الموجّه لسلوك الفرد، أو الدّافع، الذي يتّجه إليه السلوك، وتربوياً هو الذي يجذب ويقود، ويوجّه ويرشد السلوك الإرادي ليصل إليه، وعليه، ينبغي للهدف بأن يكون قابل للتحقيق من ناحية الواقعية فلا يكون تعجيزي، ومن ناحية الزمان والمكان، وأن يحمل غايات قيمية سامية تطور حياة الإنسان بالاتجاه الإيجابي، وألاّ نضع أبنأنا أمام مغامرات حياتية قد تدمرهم معنوياً ومادياً. من هنا يرتبط الهدف بالبناء الإنساني الحضاري الذي يعكس خلافة الله على وجه الأرض التي بدورها تقدم نموذج قيمي لإنسان الحضارة.
ما هي الطريقة التي يغرس بها الآباء تحديد الهدف في نفوس الأبناء منذ مرحلة الطفولة؟
نحن نعلم أنه في السنوات الأولى من حياة الأطفال، وخلال هذه المرحلة تتم عملية بناء الدماغ حيث تتشكل في أدمغتهم روابط جديدة بمعدل مذهل يبلغ (وفقاً لمركز نمو الطفل التابع لجامعة هارفارد) أكثر من مليون رابطة في الثانية؛ وهي سرعة لن تتكرر في أية مرحلة لاحقة، فكما يحتاج الأطفال في هذه المرحلة إلى التغذية والوقاية والتحفيز من أجل نموٍّ دماغي سليم، هم يحتاجون إلى غرس قيمي ومفاهيمي سليم لسلامة وصحة هذا النمو الذي يضع حجر الأساس لمُستقبل الطفل. من هنا نعتبر فهم عالم الطفولة واحتياجاتها الرعائية والنفسية والفكرية والإيمانية أو المعنوية ضرورة للتربية الإيجابية التي تغطي كل احتياجات الطفل وترسم له مسار أهداف حياته وفق قابلياته الفطرية واستعداداته من جهة، وإمكانية تفعيل هذه القابليات والاستعدادات وفق ظروف بيئته ومحيطه الاجتماعي من جهة أخرى.
وبرأيي إن غرس الأهداف في الطفل تبدأ قبل ولادته في تفاهم الزوجين على نمط حياتهما وهدفهما من الإنجاب، فحين تتشكل الأسرة بأهداف واعية وسامية وتتجسد بسلوك عملي عند الأهل، لا يحتاج الأبناء للنظريات والأوامر لإدراكها، بل تنساب إليهم بشكل عفوي ويتقبلونها ويعتادون عليها كنمط حياة كما يعتادون على الأكل والشرب، وهذا ما يمكن تسميته بالتربية الإيجابية التي يقوم الأهل من خلالها بغرس الأهداف والمفاهيم السامية في سلوك الأبناء بمودة ورحمة كما أشار إليها القرآن الكريم، فالطفل بطبيعته الفطرية يتبع من يحبه، وحين يكون نمط التعامل مع الطفل قائم على الحب، ويكون الأهل نموذج وأسوة واقعية بتجسيد عملي أخلاقي لهذه المودة والرحمة فيما بينهما متحلين بالقيم التي ينشدون إليها والأهداف التي يسعون لتحقيقها، ينجذب الطفل إلى لغة الأهل ويتبعهم دون عناء وتكلف.
فلتكن لغتنا التي نتعامل بها مع الطفل في توجيهه وتأديبه في مراحل متقدمة مرتكزة على كلمات المودة والرحمة، فإن هذه اللغة تؤثر على كل أفراد الأسرة ويعكسها الطفل على محيطة وبيئته، فحين تصبح المودة والرحمة اللغة الوحيدة للتعامل بين أفراد الأسرة يحملها الأفراد لتسود في المجتمع وتصبح نمط مجتمعي عام، فالصحة النفسية الاجتماعية للمجتمع تبدأ من الأسرة.
ما هي بعض النماذج التي يُمكن أن نتخذها كقدوة عامة في المجتمع؟
لا مناص من أن الإنسان بطبيعته الفطرية الاجتماعية بحتاج الى النموذج، فهو يتبع الأسوة بنمط تفكيره وسلوكيات حياته، عن وعي وعن لا وعي، وحين يخصص الله تعالى لكم في رسول الله(ص) اسوة حسنة هنا دلالة اجتماعية لكافة البشر تخص نبينا الأكرم(ص) بأنه الاسوة الحسنة للبشرية جمعاء مقابل الاسوة السيئة، لان النموذج والاسوة حاجة انسانية اجتماعية، إما ان يتخذ الإنسان النموذج الحسن وإما النموذج السيء. بمعنى آخر إما ان يكون نموذجنا الاجتماعي ملك أمير، رئيس حزب، مطرب، لاعب كرة قدم، وغيره وأما ان يكون الرسول محمد(ص)، وأتباعه من القادة الإلهيين والإنسانيين، “قَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّه(ص)ِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً”. الله تعالى جعله (ص) أسوة وقدوة لجميع الناس إلى يوم القيامة، ليس للمسلمين وحدهم وإنما لكل البشرية.
الصدق والأمانة سمتان مجتمعيتان تمثِّلان الأساس الذي تبنى عليه المجتمعات، بحيث لو سادتا في أي مجتمع من المجتمعات البشرية لكانتا كفيلة في إصلاح ذاك المجتمع مهما كانت عقيدته، هاتان الصفتان مثّلتا المعنى الإنساني الذي كان يعيشه رسول الله(ص) قبل النبوّة وبعدها، حتى غلبتا على اسمه، ما جعل قريشاً عندما تتحدث عنه تقول: “جاء الصادق الأمين”.
الصدق يرتفع بأخلاقية الإنسان فيجعله أميناً على الحقيقة، وعلى الناس والحياة، ولا شك بأن الله تعالى قد أودع في شخصية الرسول (ص) كلّ القيم الإنسانية، وكان قلبه يتسع للأمّة كلها، فيتألم لما يتألمون له، ولذلك قدَّمه الله لنا بقوله: “لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ”، هذا الرسول(ص) لم يأتِ من الملائكة، لأنه لو كان كذلك، لقال الناس فيما يتحرك به: “إننا لا نستطيع أن نبلغ مستوى الملائكة”، بل كان بشراً إنسانياً.
فهو الأسوة والنموذج لكل مجتمع ينشد باتجاه الإصلاح الإنساني بسمتا “الصدق والأمانة” التي عاشهما الرسول(ص) وتصدر بهما على كل النماذج البشرية منذ بداية العمران البشري الى تاريخنا اليوم فمستقبلنا.
أسوة لهم في التزامه بالقيم الانسانية، وأسوة لمن أراد الارتباط بالله الخالق الواحد وطاعته له، أسوة في أقواله وكلامه وحديثه المنزه عن الخطأ: “وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إن هو إلا وحي يوحى” “وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا”. وأسوة لهم في اخلاقه وسلوكه والتزامه بأحكام الله”، “مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى”.. فقد جسد في شخصيته وفي أقواله وأفعاله ومواقفه وسيرته كل المبادىء والقيم الإلهية والإنسانية، فكان مظهر الكمال الانساني وعنوان مكارم الأخلاق فهو الشخصية البشرية الاستثنائية التي جمعت كل القيم الانسانية قولا وفعلاً،فقد جسد القرآن الكريم عمليا في أقوله وأفعاله وأخلاقه ” أنّه كان خُلُقه القرآن”، لأن التأثر بالأفعال والسلوك أبلغ وأكثر من التأثر بالكلام وحده، وهذا ما جعله النموذج الكامل للبشرية.
واليوم المطلوب أن نقدم هذا النموذج كمدرسة اجتماعية يتبعها كل من يحمل قيم إنسانية حضارية، سواء تجسدت هذه المدرسة في رجل، إمرأة، قائد، مؤسسة أو دولة، أو مجتمع، نموذج الأسوة في أفعالنا وتصرفاتنا وممارساتنا الفردية ومواقفنا السياسية وخصوصاً الموقف من القضايا الكبرى، لنتوحد حول القيم الانسانية التي دعا إليها رسول الرحمة(ص) كل البشر عامة ونتجاوز كل المفرقات الثقافية في دوائرنا الضيقة باتجاه الدائرة الانسانية القيمة على احقاق الحق ورفض الظلم.
هل اكتفت الورش العلمية بتحديد الهدف فقط؟
الورش العلمية عبارة عن حلقة دراسيّة أو سلسلة من الاجتماعات لمجموعة صغيرة من الناس مبنية على التفاعل والتعاون والتحاور في موضوع محدد: علمي، ثقافي، إنساني، إجتماعي، إداري، تربوي والوصول إلى فكرة أو توصيات أو آليات يمكن تطبيقها حول الهدف المنشد من الورشة.
كيف يستطيع الأهل تحقيق التوازن بين اكتشاف قدرات الطفل وبين توجيهه نحو الطريق الصحيح؟
الله تعالى خلق الإنسان وميزه عن باقي المخلوقات بالإستعدادات والقابليات الكامنة فيه التي تُفعَّل بالتعلم، وأكد القرآن الكريم على أساسية قابلية التعليم حيث ورد “وعلم آدم الأسماء كلها”، فالإنسان يتميز عن باقي المخلوقات بقدرته على اكتساب المعارف والمهارات بالتعلم والتجربة، يأتي التعلم بشكل مباشر من الأهل والمؤسسات التعليمية كالحضانات والمدارس، أما التجربة فهي متلازمة لكل مراحل حياة الإنسان، ففي كل مرحلة من مراحله الحياتية يكتسب خبرة ومعارف تفعِّل فيه قابليات واستعدادات، إلاّ أن مرحلة الطفولة تعد من أهم المراحل الحياتية لأنها تأسيسية كما أشرنا، وأهميتها بأن الطفل يكون في هذه مرحلة عاجز عن التمييز بين الصواب والخطأ فالقدرة الإدراكية لديه تكون محدودة جداً، ما يجعله كالصفحة البيضاء يرسم عليها المربون ما يشاؤون، من هنا تتقدم أهمية التربية في هذه المرحلة عن باقي المراحل مع أهمية المراحل الأخرى، ومدى نجاح الأهل في تربيتهم في هذه المرحلة تحديداً منوط بقدرتهم على اكتشاف قدرات الطفل واستعداداته الكامنة فكيف يمكن ذلك؟
لكل طفل احتياجات واستعدادات عامة يحتاج إلى تفعِّيلها من قبل المربين ليتمكن من متابعة تحمل مسؤولياته الحياتية في المستقبل، فالاحساس بالانتماء والرغبة حاجة لينمو الطفل شخصاً بالغاً مسؤولاً، كما أنه يحتاج للمحبة كحاجة عاطفية أساسية لينمو بصحة عاطفية واجتماعية، وغيرها من الحاجات العامة.
يبقى هناك بعض الفروقات والتباينات الفردية بين قابليات واستعدادات الأطفال، تعود لأسباب وراثية وبيئية وظرفية بحسب أغلب الدراسات، من هنا تبرز أهمية قدرة الأهل على اكتشاف هذه الخصوصيات لدى أطفالهم التي يمكن إدراجها تحت عناوين عدة: مستوى الذكاء، المواهب، الرغبات، الميول، الإبداع، وغيره، ولا يشترط أن تكون أحد هذه الخصوصيات في كل المواقع فقد نكتشف طفل يبدع في الحسابات والعمليات المنطقية ولا يبدع في القراءة مثلاَ، ونكتشف أن ميوله تتجه لفن الرسم أو الموسيقى ولا يرغب بالألعاب الرياضة وغيرها.
فعملية اكتشاف قدرات الطفل تحتاج إلى الصبر والتروي وعدم الاستعجال في الحكم، فهي من الممكن أن ترسم له مسار مستقبله الدراسي والمهني، حيث أن عملية التحفيز والتشجيع من الأهل في تنمية قدرة محددة عند الطفل تأسيسية لا يمكن الاستهانة بها بل تحدد مصيره في المستقبل في أغلب الأحيان، والفشل في تحديد قدراته الفعلية، أو تشجيعه على تنمية قدرات تحت ذريعة مواهب طفولية ممكن أن تقود به للطريق الخطأ، فاستهتار الأهل بمسؤليتهم في توجيه أطفالهم من أعظم المخاطر على الطفل.
الموهبة والإبداع هي امتلاك الشخص لقدرة ما تستهويه ويبدع فيها بالمقارنة مع أقرانه ولا تشترط الذكاء، وتمنحه شعوراً بالفخر عند القيام بها، وتعزز لديه الثقة بالنفس. الطفل لا يدرك معنى ان يكون موهوباً ويجهل طرق تطوير وتنمية قدراته وقابلياته ومواهبه، ومسؤولية الأهل تبدأ بالبحث عن قدراتهم الطبيعية، وتحثُّهم على صقل تلك القدرات سواءً أكانوا يحبونها أم لا، والسرّ في ذلك يكمن في السماح للأطفال باكتشاف اهتماماتهم والبحث عن الأمور التي تثير اهتمامهم بشكلٍ كبير أكثر من أيّ شيءٍ آخر، وبذلك يتعلّم الأطفال الإصرار والمثابرة اللّذَيْن يحتاجون إليهما ليحققوا ما يتمنون. ويمكن لنا اكتشاف موهبته في مراقبة تصرفاته وحركاته بتمعن وتركيز، هنا تأتي مسؤولية الأهل في تنمية المواهب الإيجابية وفي التخفيف بداية من أهمية المواهب السلبية وما يستهويه إلى استبعاده عنها، وهذا ما يمكن تسميته بالتوازن في التعامل مع قدرات الطفل ومواهبه، من خلال تقديم الأنشطة التي تدعم ميوله. مثلاً إن كان طفلك ذو خيال واسع ولديه القدرة على تحويل الحقائق التي يراها إلى خيالات،ندرك بأن لديه القدرة على سرد القصص بطريقة إبداعية و فقد يصبح طفلك كاتباً مبدعاً في المستقبل، وعلينا دعمه بالاستماع له وتخصيص وقت لسرد القصص والحكايات له، وإن كان يحب دخول المطبخ ويستمتع بإضافة لمساته الفنية الخاصة إلى المأكولات، فقد يكون شيف بالمستقبل.
كما يمكن لنا أن نعرٍف الطفل على مجموعة أنشطة متنوعة ونراقب قدرته التفاعليه حيال كل نشاط، وأي من هذه الأنشطة كفيل بشد انتباهه وجذبه لنكشف قدراته وميوله، وفتح مجالات الحوار معهم في مراحل الطفولة الثانية حيث تبدأ عمليات الإدراك بالتبلور ويمكن لبعض الأطفال أن يحددوا رغباتهم وميولهم، فقد يساعدك الحوار في التقاط إشارة عما يكمن داخله من مواهب، لنعمل بعدها على تنمية هذه الموهبة أو الاهتمام بها، كما يمكن لمرحلة رياض الأطفال والمرحلة الابتدائية وحتى المتوسطة أن يكتشف فيها المعلم عن قدرات لم يكتشفها الأهل في البيت. الأهم من كل ما تقدم هو معرفة الأهل بأنهم مسؤولون عن تنمية واكتشاف قدرات أطفالهم بنفس قدر المسؤولون فيه عن توجيه هذه القدرات في الاتجاه الصحيح، وهذا ما أكد عليه الخطاب القرآني ” قفوهم إنهم مسؤولون” الذي يمكن الاستدلال فيه على مسؤولية الأهل في توجيهه أطفاله على الصراط المستقيم، وبالتالي هم مسؤولون بنسب عن أفعال أطفالهم المستقبلية.
كيف نتخلَّص من مشكلات الأطفال مع أسرهم؟
الأطفال هم أحباب الله، والأسرة هي الملاذ الآمن والمكان الطبيعي لتربية الأطفال، ودائماً المقدمات السليمة والصحية ستؤدي إلى نتائج سليمة وصحية اجتماعية، الأصل هو تشكل أسرة واعية بعالم الأطفال وفهم احتياجاتهم، فكل مرحلة من مراحل الطفولة قسمها أغلب علماء النفس والاجتماع إلى مرحلتين: طفولة مبكرة وطفولة متأخرة، ولكل مرحلة خصوصيتها واحتياجاتها. والأهم من كل ذلك هو بناء أسرة مسؤولة بكل ما للكلمة من معنى، تعي بمسؤولية الأبوة والأمومة والأخوة ما يسهل علينا بداية حل نصف المشكلة.
نستلهم من النماذج الأبوية التي وردت في القرآن الكريم أربعة أركان لموقعية الأبوة : إمام، ملهم، محورية الأسرة والمعية، القدرة على تشخيص الواقع والأمور، فالإسلام يعتبر بأن موقعية الأمومة فطرية و غريزة فهي هوية تكوينية تميل إليها المرأة بالفطرة، ونجد في الخطاب القرآني نماذج نسوية لموقعية الأمومة. بالرغم من التباعد الزمني والظرفي اشتركت هذه الموقعية بأركان عدة: الإخلاص، حسن التبعل، التفكير الإستراتيجي في المستقبل، والعفة حددت أطر لثبات دورها ووظيفتها الاجتماعية داخل الأسرة ينسجم مع تكوينها الفطرية ويرسم مسار هويتها الإنسانية داخل الأسرة. الاّ أننا قد نجد أحياناً أم تقوم بدور الأب لا تنتظر الأب ليقوم بدوره لأن طبيعتها انفعالية متسارعة، أما الرجل بطبيعته يتمهل وينظر بالصورة الإجمالية للأمور ولا يأخذ القرار بسرعة قبل أن تكتمل الصورة عنده، فالأب بطبيعته الفطرية لا يجد أن يهمل أسرته ولكن الخلل في العلاقة الزوجية وعدم اتاحة الفرصة من الأم ليأخذ دوره الطبيعي قد يدفعه للتراجع عن دوره الطبيعي في الأسرة، ولا شك بأن قيام الأم بأدوار الأبوة بالرغم من احتمال نجاحها في الدور يؤثر سلباً على شخصية طفلها وموقعية الأمومة.
ويتلخص النصف الآخر من المشكلة بأداء الأهل مع الأطفال، نقصد هنا بالآداء التربوي من تعليمهم وتأديبهم الذي أشار إليه الخطاب القرآني “بالمودة والرحمة”، وتفعيل لغة الحوار في التعامل، “أتركوهم ستة”، ليس المقصود هنا في مرحلة الطفولة أن يترك الطفل على هواه كما تشير بعض النظريات الغربية، بل أن نترك الطفل لما يستهويه، ونراقبه عن كثب لتوجيهه إلى ما فيه خير دنياه وآخرته.
كيف يستطيع الطفل – بمعاونة أسرته – معرفة الفرق بين الهدف الإيجابي والهدف السلبي؟
التربية هي عملية مستدامة يختلف أداءها باختلاف مراحل حياة الإنسان بين الطفولة والمراهقة والشباب، في مرحلة الطفولة يتم تنمية القدرات العقلية الإدراكية التأسيسية عند الطفل وما تحتويه من عمليات عقلية منطقية (حسابية وغيرها)، مقارنة، تمييز، قياس، ذاكرة، وغيرها، فتنمية العمليات العقلية بشكل صحي وسليم، منظم وغير مشوش (لا نعلمه معلومة متضاربة) تسهل على الطفل فهم الهدف الإيجابي وتمييزه عن الهدف السلبي في ضوء القيم الذي تربى عليها، ودور الأهل مساعدته في اختيار الهدف الإيجابي وتنبيهه إلى منعه إذا اقتضت الضرورة من اختيار الهدف السلبي، لأن الهدف من التربية ان ننشئ أطفال قادرين على الاختيار وليس أطفال تابعين، لأن التابع يحتاج دائماً في مراحل الشباب من يقوده ونحن نسعى لتربية طفل مسؤول يقود نفسه بإيجابية، ونلخص هنا جملة خطوات تساعد في تنمية قدرات عقلية صحية تعاون الطفل في تنمية التمييز بين الهدف السلبي والهدف الإيجابي:
تعويد الطفل على النظام يبدأ من انتظام ساعة الطعام والنوم في مراحل الطفولة المبكرة، إلى إضافة انتطام ساعات اللعب ومشاهدة الأفلام الإلكترونية في مراحل الطفولة المتأخرة.
تأديب الطفل بتوازن. فلا نكبر العقوبة على مسألة بسيطة جداً، ونصغر العقوبة على مسألة كبيرة كالكذب وغيرها فإن هذا يؤسس لعدم توازن في التفكير عند الأطفال.
تعويد الطفل على الحوار والمساءلة برفق وحنان، ليتعود على تحمل المسؤولية التي تبدأ بتحمل مسؤولية أفعاله.
تعظيم القيم وتحفيز وتشجيع الطفل عند قيامه بأعمال إيجابية مهما كانت صغيرة، والاعتزاز به ومنحه الثقة بنفسه لاختياره العمل الإيجابي ربما تبدأ من ترتيب ألعابه وتأدية بعض المساعدة لوالدته وغيرها.
تلبية جميع احتياجات الطفل بتوازن: الاحتياجات العاطفية والروحية والمادية والترفيهية فيصبح التوازن نمط عملي للحكم على الأشياء ما يسهل عليه تمييز الهدف الإيجابي من السلبي بالقياس والمقارنة.