الأمر الذي سيقطع خدماتها عن نحو 6 ملايين فلسطيني في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية ولبنان والأردن وسورية.
القرار الذي أقره الكنيست في أكتوبر/تشرين الأول الماضي يتزامن مع الأزمة المالية التي تعاني منها الوكالة الأممية، إلى جانب منع المساعدات الإنسانية الخاصة بها من الدخول إلى قطاع غزة خلال العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ 15 شهراً، علاوة على الاستهداف المباشر لمرافق الوكالة وتدميرها، ومن بينها مدارس الإيواء التي تضم مئات آلاف النازحين من ويلات الحرب المستعرة.
وتحذر “أونروا” من خطورة اقتراب الموعد المقرر لدخول حظر عملها حيز التنفيذ، وما يترتب عليه من حرمان ملايين الفلسطينيين من خدماتها الأساسية، مشددة على أهمية تراجع الجانب الإسرائيلي عن قراره القاضي بحظر عملها، خصوصاً في ظل عدم رغبة الأمم المتحدة باستبدالها بأي جسم آخر في الأراضي الفلسطينية. وتُعتبر “أونروا” رمزاً للمأساة الفلسطينية المستمرة، وتذكيراً دائماً للمجتمع الدولي بمسؤوليته تجاه قضية العودة التي تمثل جوهر القضية الفلسطينية. فلسطينياً يُنظر إلى القرار الإسرائيلي بأنه قرار سياسي بحت، يستهدف إنهاء عمليات “أونروا” في الأراضي الفلسطينية، على اعتبار أنها الشاهد الرئيسي على حق العودة.
ويترافق قرب بدء سريان قرار حظر الوكالة التي تأسست عام 1949 مع أوضاع معيشية غاية في السوء يعيشها ما يزيد عن مليوني نازح فلسطيني في غزة داخل مراكز ومدارس ومخيمات اللجوء جراء تواصل العدوان الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر 2023، في ظل نقص حاد في المواد الغذائية والمعونات الإنسانية جراء الإغلاق الإسرائيلي للمعابر منذ بداية الحرب، وتشديد ذلك الإغلاق إثر السيطرة على معبر رفح مطلع مايو/أيار الماضي.
ويقول الفلسطيني محمد أبو ناجي، وهو لاجئ من مدينة يافا المحتلة عام 1948، إنه يعيش على ذكرى التفاصيل التي حدثه عنها والده وجده عن مدينته وجمالها وينتابه الشوق الممزوج بالألم طوال الوقت، فيما تضاعف ذلك الألم بعد معايشته تفاصيل التهجير القسري جراء إجباره هو وأسرته على ترك مدينة غزة والتوجه نحو المناطق الوسطى والجنوبية للقطاع.
ويوضح أبو ناجي لـ”العربي الجديد” أن الحديث عن وقف عمل “أونروا” يُعتبر تهديداً خطيراً فهي “ليست مجرد منظمة تقدم مساعدات إنسانية، بل هي الشاهد الوحيد على حقنا في الرجوع إلى ديارنا التي هُجّرنا منها قسراً، وحظرها يعني دفن قضيتنا”، مشدداً على أن وقف “أونروا” يعني إزالة دليل قضية اللاجئين أمام العالم، حيث يعتمد اللاجئون عليها لتذكير العالم بقضيتهم، وأنهم ليسوا مهاجرين طوعيين. ويلفت إلى الأوضاع الصعبة التي يمر فيها برفقة عائلته، قائلاً “الظروف هنا في غزة صعبة للغاية، أشعر وكأننا نعيش نكبة ثانية، ما زال جرح الهجرة القسرية الأولى لم يندمل، واليوم أطفالنا يعانون نفس المشهد… يجب أن تبقى أونروا تعمل”.
من ناحيته، يبيّن الفلسطيني خالد الشريف، وهو لاجئ من اللد المحتلة، أن أهله هجّروا قسراً عام 1948، وقد ولد في قطاع غزة لاجئاً، ويستأنس بخدمات وكالة “أونروا” على الرغم من بساطتها ومحدوديتها، حيث تُعتبر الخيط الرفيع الذي لا زال يربط اللاجئين بمدنهم المحتلة، ويشعرهم على مدار الوقت أن ثمة أملاً للعودة.
ويوضح الشريف لـ”العربي الجديد” أن حظر عمل “أونروا” في غزة أو إغلاقها يعني أن العالم ينكر حق العودة، حيث لا يقتصر عملها على الغذاء والتعليم والتشغيل وإنما “هي صوتنا الذي يثبت أننا لاجئون وأن لنا حقوقاً مسلوبة، وما يحدث اليوم ليس أزمة خدمات إنسانية فقط، بل أزمة هوية ووجود، ووقف عملها هو خطوة لإجبارنا على نسيان مدننا وأحلام العودة، وهذا لن يحدث”.
بدوره، يشير اللاجئ الفلسطيني عمر عوض، وهو من مدينة حيفا المحتلة، إلى أن العصابات الصهيونية هجرت أجداده عنوة من بلدانهم وقراهم المحتلة ومنذ ذلك الحين أطلق عليهم وصف لاجئين، وباتوا مسجلين على قوائم الخدمات الأساسية التي تقدمها “أونروا” اعترافاً منها ومن العالم الذي يدعمها بحقهم في العودة إلى مدنهم وديارهم. ويبيّن عوض لـ”العربي الجديد” أنّ حلم العودة هو الأمل الذي لا يزال يتمسك به اللاجئ الفلسطيني، ويساعده على ذلك تواصل عمل “أونروا” التي تُعتبر الشاهد الوحيد على نكبتهم، مشدداً على أن محاولات حظرها أو وقفها عن العمل تعتبر بمثابة إسكات الأصوات المطالبة بالعودة، فـ”لا يمكننا التخلي عن أونروا لأنها تدافع عن وجودنا وحقوقنا، وليس فقط عن لقمة عيشنا”.
ويوضح عوض أن حظر “أونروا” يشبه إلى حد بعيد النكبة الجديدة، “ليس فقط بسبب الوضع الإنساني الصعب، ولكن لأنهم يريدون إنهاء أونروا، التي تُعتبر الوثيقة التاريخية على حقوقنا، ووقفها يعني محاولة طمس هذا الحق، وما نعيشه اليوم في غزة خلال العدوان المتواصل يذكّرنا تماماً بمعاناة أهلنا خلال النكبة الأولى، والتي ذاقوا فيها مرارة الهجرة القسرية والحرمان والفقر والدمار، وكلها يتكرر الآن”.