تعدّ إيران إحدى أبرز خزائن المعرفة في العالم الإسلامي، إذ تضم مكتباتها المنتشرة في معظم مدنها أكثر من 200 ألف مخطوطة عربية وإسلامية، هذا عدا الوثائق التاريخية النادرة والدرر النفيسة التي تزخر بها أرفف تلك المكتبات، خاصةً المكتبة الوطنية.
المكتبة الوطنية.. قلعة إيران التراثية
تعدّ المكتبة الوطنية (بالفارسية: کتابخانه ملي ایران) الواقعة في شمال العاصمة طهران، قلعة إيران التراثية وعنوانها الأبرز أمام حضارات العالم المختلفة، إذ يحتوي هذا البنيان، المؤسَّس عام 1937 على مساحة 98 ألف متر، على أمّهات المؤلفات والوثائق التي توثّق عشرات الحقب التاريخية والحضارات القديمة والحديثة، كما أنها تتميز بنمط طرازي معماري أشبه بالمكتبة البريطانية والكونغرس ومكتبة الإسكندرية.
ويعتبر الباحثون أن المكتبة الوطنية هي امتداد لمكتبة معهد “دار الفنون” الذي تأسّس عام 1851، كذلك مكتبة الوطن التي أُنشئت في طهران عام 1899 لكنها لم تكن على هذه الشاكلة المعمارية ولا تمتلك هذا الزخم التراثي، إضافةً إلى أنها لم تَنَل هذا القدر الكبير لدى السلطة والحكومة.
وحين تأسّست المكتبة تمَّ تخصيص قسم للمخطوطات، وكان يحتوي بداية الأمر على 3 آلاف مخطوطة خاصة بمكتبة العلوم السلطانية، غير أنه وبعد الثورة الإسلامية تمَّ إنعاش القسم بمحتويات المكتبة البهلوية، إلى جانب مجموعات نفيسة كانت بمكتبة آل الشيخ جعفر شوشتري ومكتبة آل ملا محسن قزويني.
وتتراوح التقديرات بشأن عدد المخطوطات الموجودة بالمكتبة، فهناك من يرى أنها 18 ألف مخطوط وآخرون يذهبون إلى أن الرقم يتجاوز 37 ألفًا و500 مخطوط، إلا أنه وبحسب إحصاء عام 2004 كان عدد المخطوطات 18 ألف مخطوط بجانب مئات الآلاف من النسخ المصوّرة لمخطوطات نادرة في مكتبات إسطنبول وأوروبا.
وتزخر المكتبة بالمخطوطات النادرة والنفيسة، إذ يقول عنها “حسن توكلي”، حافظ المخطوطات الذي يعمل بها منذ 13 عامًا: “هنا أقدم مخطوطة تعود إلى العام 1030 ميلادية وتحوي 7 رسائل، وثاني أقدم مخطوطة بعنوان “كتاب الخلاص” وتعود إلى 960 عامًا، وأول معجم فارسي عربي من تأليف إيراني، وأجمل نسخ القرآن الكريم وأقدمها، وتعود إلى 215 عامًا وقد صنعها 35 فنانًا إيرانيًّا، في مقدمتهم الخطاط زين العابدين المحدّث، وتطلبت هذه النسخة 10 أعوام لإنجازها”.
ويتم حالياً حفظ أكثر من مليون وخمسمئة ألف مجلد في المكتبة الوطنية بلغاتٍ مختلفة، منها، إضافة إلى الفارسية، العربية والانكليزية والفرنسية والالمانية والروسية ولغاتٍ أخرى، كما تحتوي المكتبة على مجموعة من النسخ المخطوطة والنادرة وفيها 25 ألف عنوان كتاب مخطوط بـ “العربية” و “الفارسية” و26 ألف مجلد من الكتب المطبوعة حجرياً، وما لا يقل عن 135 منها تعتبر “كتباً نفيسة عالمياً”.
خزانة الدراسات
الدراسات حول إيران والإسلام غنية بما تحويه من مراجع نادرة تشكل قبلة للباحثين في العالمين العربي والإسلامي موضحا أن المكتبة الوطنية ومنذ بداية تأسيسها كانت تتابع جمع الكتب المختلفة فيما يخص ما كتب عن إيران باللغات الأجنبية غير العربية والفارسية.
وفي عام 1967 قامت المكتبة بتخصيص قسم مستقل لهذه الدراسات وبعد قيام الثورة الإسلامية ظل هذا القسم يؤدي أعماله تحت عنوان دراسات حول إيران ودراسات إسلامية وشهد توسعا كبيرا خلال السنوات الماضية.
وتضم الكتب الموجودة في هذا القسم مذكرات الرحالة الأجانب الذين جاؤوا إلى إيران والعالم الإسلامي والتي تعتبر من أهم الأعمال القيمة إذ يعود تاريخ بعض هذه الكتب إلى 400 سنة مضت.
مكتبة آية الله مرعشي.. أضخم رافد معرفي للتراث الإسلامي
قام بتأسيس هذه المكتبة المرجع الديني الكبير الراحل آية الله “شهاب الدين المرعشي النجفي” بجهوده الخاصة ومثابرته الحثيثة والمضنية الرامية لحفظ التراث الإسلامي، تعد مكتبة المرعشي ثالث أكبر المكتبات في العالم الإسلامي بعد مكتبة السلطانية في تركيا ودار الكتب في مصر، إذ تضم كمية هائلة من الكتب الإسلامية والشيعية، تشمل العشرات من المخطوطات النادرة والكتب المطبوعة بالطباعة الحجرية.
يضم هذا الصرح الثقافي والفكري العشرات من المخطوطات القديمة والكتب المطبوعة بالطباعة الحجرية، قال عنها بروفيسور فرنسي زار المكتبة: “لقد سمعت عن المعجزة ولكني لم افهم معناها إلا بعد أن زرتها”.
المكتبة المركزية في العتبة الرضوية المقدسة كنزٌ للباحثين
تُعتبر المكتبة المركزية في العتبة الرضویة المقدسة من أهم كنوز إيران والعالم الإسلامي بتاريخٍ يمتد لمئات السنين، والتي تحتوي على كنوز فريدة في مجال المخطوطات والطباعة الحجرية والرصاص والوثائق والصحافة. من ناحيةٍ أخرى ، يتم الاحتفاظ بمجموعة متنوعة من المصادر المطبوعة بلغاتٍ مختلفة من العالم في مستودعات المکتبة الرضویة.
وهي باعتبارها أهم مكتبة تابعة لمنظمة المكتبات والمتاحف ومركز التوثيق في العتبة المقدسة، والتي حصلت على العديد من الأوسمة مثل اختيارها في قائمة 1001 مكتبة في العالم من قبل الاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبات (IFLA) وحصولها علی المرتبة السابعة من بين 20 مكتبة معروفة غيرت العالم، کما تم إختيارها من قبل موقع “قاعدة البيانات التعليمية الحرة “(OEDB) في الولايات المتحدة الأمريكية وتم تسجيل جزء من الوثائق التاريخية الموجودة في المكنز الرضوي في الذاكرة العالمية لليونسكو، ولا تزال موضع إهتمام العلماء والباحثين خارج حدود إيران الإسلامية وتقدم لهم خدمات قيمة.
بالإضافة إلى ذلك، نشرت منظمة المكتبات والمتاحف ومركز التوثيق في العتبة الرضویة المقدسة أعمالا بلغات غير اللغة الفارسية تنفيذا لحركة نشر النفائس الرضویة، ومن هذه الأعمال یمکن الإشارة لكتاب الفهرس “نصوص ماقبل الإسلام في مكتبة العتبة الرضویة المقدسة”.ويمكننا أيضا أن نذكر كتاب “الکشاف” (فهرس مخطوطات المكتبات اليمنية) المكون من مجلدين والذي صدر باللغة العربية.
وقد تم نشر الكتاب الذي يتضمن فهرساً لمجموعة من الميكروأفلام المنتجة من المكتبات اليمنية ويضم ما مجموعه 1046 عنواناً من مخطوطات تلك المكتبات، وقد تم نشره هذا العام من قبل منشورات المنظمة.
مكتبة ومتحف ملك الوطني
لطالما كانت مكتبة ومتحف ملك الوطني واحدة من الوجهات لمحبي الثقافة والفن الإسلامي الإيراني من مختلف دول العالم، لذلك تحاول هذه المجموعة الثقافية توسيع علاقاتها وتعاونها على الصعید الدولي لتکون قادرة على تقديم نفائس وقدرات مکنزها للعالم أكثر من أي وقت مضى.
تمكنت هذه المجموعة، التي وقفها الحاج حسين آغا ملك، الواقف المعاصر الکبیر في إيران، لصالح الحرم الرضوي الشریف عام 1937م من تقديم خدمات قيمة لعامة الناس، بما في ذلك غير الإيرانيين، كأول متحف وقفي خاص في إيران وواحدة من المكتبات الست المهمة في البلاد في مجال المخطوطات.
يرتبط جزء من أنشطة مكتبة ومتحف ملك الوطني علی الصعید الدولي بتقديم الخدمات للمجموعات البحثية الدولية، في الواقع تقدم هذه المجموعة خدمات واسعة للباحثين الأجانب على مدار العام، بما في ذلك الباحثين في المخطوطات والفنون الإسلامية والعلوم الإسلامية والثقافة والحضارة الإيرانية.
وفي هذا العام، تواصل الجمهور غير الإيراني مع مكتبة ملك الوطنية شخصياً وعبر الفضاء الإفتراضي، مثل إرسال رسائل البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية، واستفادوا من خدمات المكتبة مثل استلام نسخة مصورة من مخطوطات مکتبة ومتحف ملك.
حديقة الكتاب في طهران .. صرح ثقافي
تعتبر حديقة الكتاب في طهران، أكبر مكتبة لعرض الكتب في العالم إذ تُعد صرحاً ثقافياً ضخماً تقع شمال العاصمة الإيرانية بمساحة 110.000 متر مربع، وهي تتيح للقراء من جميع أنحاء العالم الوصول إلى المصادر الإسلامية والمراجع بشأن إيران والثورة الإسلامية، من أهداف هذا المشروع رفع نسبة المطالعة في إيران للمساهمة في التنمية العلمية للأطفال والكبار، وهي تحتوي على أقسام عديدة منها، قاعة العلم للأطفال، قاعة العلم لليافعين، سفينة الكتب، قسم الصور المجسمة ومجموعة صالات سينما ومسرح، تم تغطية سطح الحديقة بالعشب الأخضر ليستمتع القراء بقراءة الكتب في الهواء الطلق.
ووفقاً لمجلة نيوزويك تضم الحديقة أكثر من 400 ألف كتاب للأطفال، وتحتوي أيضاً طاولات مطالعة مشتركة لطلاب الجامعة من أجل القيام بأبحاث مشتركة بالإضافة الى وجود بعض المطاعم والمقاهي المتنوعة.