موناسادات خواسته
منطقة الشرق الأوسط منذ القدم حتى يومنا هذا تجلب الإنتباه والتوجه إليها، وهي مركز الصراعات بسبب موقعيتها الإستراتيجية، وفلسطين هي القضية المركزية والأساسية لجميع أحرار العالم. في ظل الأحداث الأخيرة أجرينا حواراً مع الأديب والخبير في العلاقات الدولية والإعلام وتحليل الخطاب الدكتور “حسن بشیر” أستاذ جامعة الإمام الصادق(ع) في طهران، وتحدثنا معه حول أوضاع المنطقة، فيما يلي نصّه:
أحداث المنطقة والتنافس بين القوى العالمية
بدأ الحوار بالحديث عن الأحداث التي تشهدها المنطقة، ومصير شعوب المنطقة، حيث قال الدكتور بشير: منذ أمدٍ طویل تشهد منطقة الشرق الأوسط وغرب آسیا أحداثاً تراكمت عبر عقود من التحدیات السیاسیة والإقتصادیة والإجتماعیة. بعد سقوط نظام صدام في العراق وسیطرة حركة طالبان في أفغانستان، وبعد أحداث “طوفان الأقصی” في فلسطين وأخیراً سقوط النظام في سوریا بأیدي هیئة تحریر الشام، دخلت المنطقة في تعقیدات كبیرة جعلت من الصعب تقدیم أي تقییم علی المدی القریب؛ لكنه یمكنني أن أطرح بعض المحاور المهمة والمتمیزة لهذا المشهد.
إنّ التحولات والتغییرات الجیوسیاسیة أدخلت المنطقة في تنافس كبیر بین القوی العالمیة وعلی رأسها أمریكا وروسیا والصین، والقوی الإقلیمیة مثل إیران وتركیا و”إسرائیل”. هذا التنافس، أخذ یتصاعد یوما بعد آخر ویؤثر علی السیادة الوطنیة في المنطقة، والتغییرات الأخیرة سوف تؤثر علی جمیع التحالفات التقلیدیة وفي مقدمتها العلاقات التي حاولت أن تأخذ مسیرها بین الدول العربیة والكيان الصهيوني.
ثم إنّ الأزمات السیاسیة والداخلیة لدول المنطقة خاصة الوضع في سوريا في هذه الأیام وشمال أفریقيا فیما حدث للیبیا وتحدیات التحوّل الدیموقراطي ومطالبة الشعوب بالحریة وكرامتها الإنسانیة التي أصبحت تواجه القمع والظلم وتصاعد التیارات التكفیریة بما فیها داعش وغیرها، ستدخل المنطقة في أزمات مختلفة لا نعرف مدی تعقیداتها وحلولها علی المدی القریب.
وأضاف الدكتور بشير: هنا یجب أن ننظر بعمق للتحدیات الإقتصادیة والإجتماعیة أیضاً في جمیع أقطار المنطقة مثل البطالة المرتفعة والفقر وعدم تكافؤ الفرص، لاسيما في أوساط الشباب.
هذه التحولات ستغیّر وجه المنطقة في القریب أو البعید، حتی إذا حاول الحكّام أن یسیطروا بالقوة والسیف للوقوف أمام ما تریده وتطلبه الشعوب. إضافة لما قلته، فإن الدور الشعبي والمجمتع المدني في المجتمعات العربیة وجمیع دول المنطقة، أخذ یتنامی ویعزز الوعي بین الناس وخاصة في مطالباتهم لحقوقهم العامة، ومن الطبیعي أن نری أن بعض الحكّام یقاومون هذا الوعي العام للشعوب الواعیة.
وسائل الإعلام ومصير شعوب المنطقة
وتابع أستاذ جامعة الإمام الصادق(ع): في هذا المجال یجب أن نؤكد علی مساهمة وسائل الإعلام المختلفة، لاسیما الرقمیة، في فتح الطریق أمام الحوارات والنقاشات وتعاطي الأفكار والتي زادت من وعي الشعوب. هنا أیضاً یجب أن ننتبه إلی من يقف ضد هذا الوعي الإعلامي والشعبي من قبل بعض الحكّام وبكل ما عندهم من وسیلة قمعیة.
وحول سؤالكم عن مصير شعوب المنطقة، یمكنني القول إنه علی المدی القصیر، سیخیّم التوتر والتغییر في مجتمعات المنطقة بصورة عامة، وهذا هو نتیجه لإستمرار النزاعات وعدم استقرار الأنظمة الحكومیة وخوفها المستمر من وعي الشعوب ونضالهم ضد الظلم والإستبداد. ومن الطبیعي إن وضع ومصیر المنطقة، خاصة العربیة، سیكون من سيِّئ إلى أسوأ أو العكس جرّاء هذه الأوضاع السیئة.
وتابع الدكتور بشير: على المدى الطويل، فإن مصیر الشعوب في هذه المنطقة المهمة، یعتمد علی عزمها وقدرتها في بناء أنظمة جدیده للحكم تبنى علی العدالة والشفافیة والصدق، وتُلبي مطالبات المواطنین في جمیع المستویات، وتنمیة التعلیم خاصة التعلیم العالي الذي یمثل الإبتكار في الدراسات والبحوث لكسر هیمنة التبعیة في جمیع المجالات علی الصعید السیاسي والإقتصادي والثقافي.
وفي النهایة، یجب أن نؤكد علی أن شعوب المنطقة، خاصة الشعوب العربیة، یجب أن تجاوز الإنقسامات الطائفیة والأثنیة لبناء مجتمعاتهم والتأكید علی مشاركة جمیع المواطنین في هذا الأمر المهم لحیاتهم.
إنني كثیر الأمل بأن قدرة الشعوب سوف تطغی علی الأزمات وتتجاوزها وأن إرادة الشعوب هي الإرادة المهمة والأساسیة في بناء المجتمعات في أصعب الظروف.
إغتيال قادة المقاومة
قبل أيام مرّت علينا ذكری استشهاد قادة النصر، وشهدنا إغتيال قادة محور المقاومة، فسألنا الأستاذ عن رأيه حول هذا الموضوع، فقال: إغتیال القادة المبرزین في أي حركة مقاومة ربما یعكس ضربة مؤلمة لتلك الحركة؛ لكنها علی العكس ربما یؤدي هذا الأمر إلى مقاومة أكبر وأعمق ولا ینتهي إلى إنهاء أو توقف تلك الحركة. التاریخ في كل مرحلة من مراحله یعكس هذه التجربة المهمة التي تُظهر إن إستهداف وإغتیال القادة في أي مجتمع قد یؤدي إلی تعزیز وحدة الصفوف وتصعید العمل المقاوم ورفع الروح المعنویة للمجتمعات.
إن دماء هؤلاء القادة عادةً ما تكون وقوداً یُلهب نار المقاومة وشعلتها، وهنا یجب أن نحلل وندرس هذه الظاهرة المهمة في تصعید المقاومة بعد إغتیال قادتها ولماذا لا تتوقف.
المقاومة ليست مشروعاً فردياً
ويتابع الدكتور بشير: المقاومة في طبیعتها الأساسیة لیست مشروعاً أو أمراً فردیاً یقوم به شخص واحد أو مجموعة صغیرة من الناس، بل المقاومة في أكثر الأحیان هي حركة جماعیة ذات فكر وسیاسة وهدف خاص وواضح، وهذا الوضوح والشفافیة هو الذي یجمع الناس حول قادتها.
ثم إن أكثر حركات المقاومة لها هیاكل تنظیمية مرنة تستطیع أن تعوّض عن خسائرها بسرعة في تعویض القادة الجدد في كلّ مرحلة، ثم إن القادة المعروفین والمخلصین أمثال الشهید قاسم سلیماني وأبو مهدي المهندس تركوا خلفهم إرثاً فكریاً وتنظیمیاً وأخلاقیاً سوف یمتد أثره سنوات طوال ولا یموت أبداً في ذاكرة الشعوب. إن هؤلاء القادة تحوّلوا إلى رمز یلهم الأجیال القادمة وخاصة الشباب منهم أن یقوموا بما عملوا ویوحّد صفوفهم ویُعزز أهدافهم حول قضایاهم المصیریة.
ونری إن طبیعة الصراعات المرتبطة مع المقاومة هي غالباً تكون عمیقة في نفوس المجتمعات ومرتبطة بقضایا مصیریة مهمة مثل تحریر الأراضي الفلسطینیة علی سبیل المثال وما شابه ذلك.
بعد إغتيال قادة المقاومة بدأت مرحلة جديدة
وأضاف الخبير الإيراني: أتصور أنّ بعد اغتیال قادة محور المقاومة مثل الشهید سلیماني والشهيد أبو مهدي المهندس والشهید السید حسن نصر الله والشهید إسماعیل هنیة والشهید یحیی السنوار وغیرهم، سیصعّد من قوة المقاومة وسینمّي أبعادها في جمیع المجالات المهمة لیس فقط في المجتمعات التي عاش فیها هؤلاء الأبطال، بل في جمیع المجتمعات المتطلعة إلی الحریة وسحق الظلم والإستبداد، وسیعزز شرعیة وقانونیة المقاومة أمام شعوبها وجمیع شعوب العالم الواعي ویقوم في كشف الغطاء عن نوایا المعتدین والظالمین والمتجاوزین، ومن ثم سنری إن استراتیجیات حركات المقاومة بعد هذه الإغتیالات ستتطور وستتصاعد أسالیب العمل وتكتیكات المقاومة لتجنب الأخطاء الإحتمالیة وهذا هو بعض من النتائج التي تأتي من جرّاء إغتیال وإستهداف أبطال ورموز المقاومة.
إذن، أقول وبقوة إن المقاومة لا تموت ولا تتوقف ولا تتأخر باستهداف وإغتیال قادتها، بل إنها ستستمر وتتكیف في هذه الظروف الصعبة لتكون أقوی من قبل. وبعد إغتیال قادة المقاومة رأینا أن مرحلة جدیدة قد بدأت والتي ستكون أكثر صلابة وقوة وتحدي.
التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط
وفيما يتعلق بتدخل أمريكا في المنطقة ودعمها للكيان الصهيوني، يقول الدكتور بشير: تدخل أمریكا في منطقة الشرق الأوسط أخذ یتصاعد في الآونة الأخیرة، خاصة بعد أن عرفت أن “طوفان الأقصی” ربما یُنهي حیاة الكیان الصهیوني، لذلك فإن دعم أمریكا لهذا الكیان یُعد من أبرز المحاور المؤثرة في تصعید أزمة منطقة الشرق الأوسط من جمیع النواحي الأمنیة والسیاسیة والإقتصادیة، هذا التدخل صار أكبر خطراً سبب تصعید الإضطرابات والصراعات في هذه المنطقة الحساسة.
إذن، یمكننا أن نقول بقوة أن تدخل الولایات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط ودعمها المداوم للكیان الصهیوني یُعدّان من أهم العوامل المؤثرة في زعزعة الأمن والإستقرار وتأجیج الصراعات والإضطرابات في المنطقة والتي أثّرت إلی حد كبیر في عدم تحقیق التنمیة المستدامة لشعوب المنطقة؛ لكنني أعتقد بالرغم من هذا كله، فالمنطقة ستشهد بروز حركات مقاومة جدیدة وبقوة أكبر من قبل خاصة بعد إغتیال قادتها من قبل الكيان الصهيوني بمساعدة أمریكا، هذا الأمر سیؤدي إلی زعزعة الهیمنة الأمریكیة وسقوط الكیان الغاصب في القریب العاجل إن شاء الله.