مازن الزيدي
المصالح المشتركة: ركائز التعاون
يرتبط كل من العراق وإيران بمشتركات دينية وثقافية واجتماعية عميقة نادراً ما نجد لها مثيلاً بين دول المنطقة. هذه المشتركات تترجم في لغة إلى مصالح مشتركة يتم البناء عليها لترسيخ وتعميق التعاون الثنائي بين البلدين:
1- التعاون الاقتصادي:
يعتبر العراق شريكًا اقتصاديًا مهمًا لإيران، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين حوالي 13 مليار دولار سنويًا، مع استهداف رفع هذا الرقم إلى 20 مليار دولار. ويستورد العراق العديد من السلع الإيرانية بما في ذلك المواد الغذائية، المنتجات الزراعية والمنتجات الصناعية، مما يساعد إيران على مواجهة آثار العقوبات الاقتصادية، ويأتي قطاع الطاقة في صدارة التبادل الاقتصادي والتجاري بين البلدين، إذ يعتمد العراق بشكل كبير على إيران في تزويده بالغاز الطبيعي والكهرباء، حيث توفر إيران حوالي 40% من احتياجات العراق من الكهرباء. هذا الاعتماد يجعل استمرار التعاون الاقتصادي أمرًا حيويًا للحفاظ على استقرار شبكة الطاقة العراقية.
وقد قام العراق بإبرام إتفاق مع جمهورية تركمانستان لاستيراد الغاز الطبيعي، وهذا ما سيوفر للعراق مرونة في إمدادات الطاقة فإنه في الوقت ذاته يعزز من مكان إيران كنقطة ترانزيت للطاقة بين شرق آسيا وغربها.
أمام العراق وإيران فرصة كبيرة للعب دور في سوق الطاقة باعتبارهما من أكبر المنتجين في منظمة البلدان المصدّرة للنفط “أوبك”، وأيضاً تطلعهما المشترك ليكونا عقدة أساسية في قنوات نقل الطاقة إلى أوروبا.
وفي ظل خطط حكومة العراق للاعتماد على موارد العراق الغازية وتخفيف الاعتماد على الغاز الإيراني، يمكن لبغداد وطهران الاستفادة من تجربة الأخيرة في تنمية هذا القطاع واستثماره الأمثل، بينما يحقق التكامل والتعاون الثنائي.
2- التبادل التجاري:
بلغ حجم التبادل التجاري بين العراق وإيران حوالي 13 مليار دولار سنويًا، مع تطلعات لزيادته إلى 20 مليار دولار بحلول عام 2025. يشمل هذا التبادل منتجات زراعية، مواد بناء ومنتجات استهلاكية، مما يعزز من التكامل الاقتصادي بين البلدين.
وفي هذا المجال، خطت حكومة السوداني خطوات مهمة من شأنها تطوير التبادل التجاري من خلال الموافقة على إنشاء خط الشلامجة – البصرة الحديدي، الذي سيزيد التبادل بين البلدين وينعش الحركة الاقتصادية بين الجانبين. إضافة لذلك، أخذت حكومة السوداني على عاتقها تفعيل مشروع المدن الصناعية الثلاثة المشتركة بين البلدين.
وقد قطع الجانب العراقي شوطاً كبيراً لتهيئة هذه المدن وإعدادها لتكون مناطق تعاون تجاري وصناعي على كافة المستويات. بانتظار أن يلقى المشروع اهتماماً إيرانياً مماثلاً لكي تكتمل خارطة الشراكة الاقتصادية الستراتيجية التي يتطلع لها البلدان.
3- البنية التحتية والاستثمار:
يسعى العراق وإيران إلى تعزيز الاستثمارات المشتركة في مشاريع البنية التحتية والزراعة والصناعة. على سبيل المثال، تم توقيع إتفاقيات تعاون في مجال تطوير الموانئ وسكك الحديد، بما يسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.
وهنا يمكن الإشارة إلى مشروع طريق التنمية، الذي أطلقه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في ٢٠٢٣ وحضر ممثلون عن إيران بعض اجتماعاته، كأساس مهم لتنمية التعاون الثنائي، إذ يخطط العراق لأن يكون قطباً في حركة ترانزيت البضائع بين أوروبا وغرب آسيا من خلال تحديث وإنشاء شبكة مواصلاته الحديدية وغيرها.
وهنا يمكن للخبرات الإيرانية أن تشارك في أهم وأكبر مشروع ستراتيجي سيتم تدشينه أواسط العام الجاري عبر بدء تشغيل ميناء الفاو ثم ربطه بشبكة سكك حديد متطورة مع إيران لتعزيز مكانة البلدين على خارطة سلاسل الإمداد والتوريد العالمية التي يمكن أن تكون جزءاً من مشاريع مجاورة تصب في الهدف ذاته كمشروع الحزام والطريق ومشروع ممر الشمال – الجنوب.
4- التعاون الأمني والعسكري:
تعتبر مكافحة الإرهاب مصلحة مشتركة حيوية لكلا البلدين. وكان للتنسيق الأمني وتبادل المعلومات الاستخباراتية بين العراق وإيران دور كبير في الحد من نشاط الجماعات الإرهابية مثل “داعش”. لقد ساهمت العمليات المشتركة وتدريب القوات العراقية بمساعدة إيرانية في تعزيز قدرات العراق على مواجهة التهديدات الأمنية.
وفي هذا الملف تحديداً، استطاعت حكومة السوداني إغلاق ملف الجماعات المسلحة ]الإرهابية[ الكردية الإيرانية، التي كانت تتخذ من إقليم كردستان مقراً لها، بشكل نهائي.
لقد أوفت حكومة السوداني بإلتزامها أمام الجمهورية الإسلامية بموجب الإتفاق الأمني الموقع بين الجانبين، إذ تم تفكيك عشرات المعسكرات داخل الأراضي العراقية التي كانت تتخذها الجماعات ]الإرهابية[ الكردية المسلحة منطلقاً للعدوان على الأراضي الإيرانية منذ ثمانينات القرن الماضي.
5- التعاون في قضايا المياه والزراعة:
يواجه العراق تحديات كبيرة في إدارة موارده المائية، خاصة مع تناقص تدفق المياه من الأنهار التي تنبع من إيران. التعاون في هذا المجال يشمل إتفاقيات لتنظيم تدفق المياه المشتركة واستخدامها بطرق مستدامة لتلبية احتياجات البلدين.
التنمية الزراعية:
يمكن لتعزيز التعاون في المجال الزراعي أن يساعد العراق على تحسين إنتاجه الزراعي وتقليل الاعتماد على الاستيراد من خلال تبادل التقنيات الزراعية الحديثة والخبرات.
البيئة والمناخ:
تواجه المنطقة تحديات كبيرة بسبب شحة المياه وتغير المناخ. بدوره، يعاني العراق من نقص في المياه بسبب تناقص تدفق الأنهار من إيران وتركيا.
إن التعاون في إدارة الموارد المائية ومشاريع الاستدامة البيئية يمكن أن يساعد في مواجهة هذه التحديات.
التهديدات المشتركة: تحديات تفرض التعاون
1- الإرهاب والحدود المشتركة:
لا يزال خطر التنظيمات الإرهابية يشكل تهديدًا كبيرًا للبلدين. العراق، الذي عانى من هجمات مدمرة من قبل “داعش”، يحتاج إلى التعاون مع إيران التي لديها خبرة طويلة في مكافحة الإرهاب.
لقد أسهمت العمليات المشتركة وتبادل المعلومات الاستخباراتية في تفكيك خلايا إرهابية ومنع هجمات محتملة.
وتأتي زيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بعد أيام من إحياء الذكرى الخامسة لجريمة اغتيال قادة النصر الحاج قاسم سليماني والحاج أبو مهدي المهندس ورفاقهما في مطار بغداد على يد القوات الأمريكية.
فقد مثّل إمتزاج الدم الإيراني والعراقي في هذه الحادثة الأليمة ذروة امتزاج المصالح والتهديدات التي دافع عنها القائدان الخالدان، وهو ما أشار إليه رئيس الحكومة العراقية في كلمته في الحفل التأبيني الرسمي الذي أقيم في العاصمة بغداد يوم الإثنين الماضي.
إلى جانب ذلك، فإن التهديدات الأمنية على طول الحدود العراقية-الإيرانية تتطلب تنسيقًا مستمرًا لضبط الحدود ومنع تسلل الإرهابيين وتهريب الأسلحة.
وقد أشرنا إلى ثمار التعاون بين الجانبين أعلاه فيما يتعلق بمنع تسلل الجماعات ]الإرهابية[ المسلحة إلى الأراضي الإيرانية إنطلاقاً من إقليم كردستان. فقد خصصت حكومة السوداني ملايين الدولارات من الموازنة العامة لإنشاء وصيانة المخافر الحدودية وتزويدها بالتقنيات المتطورة لمنع أي خطر ارهابي يتهدد الحدود الإيرانية.
2- الأزمات الاقتصادية والعقوبات:
تواجه إيران عقوبات اقتصادية قاسية أثّرت على اقتصادها بشكل كبير. في المقابل، يعاني العراق من تحديات اقتصادية بسبب اعتماده الكبير على صادرات النفط وتقلبات أسعاره، لذا فإنّ التعاون بين البلدين يمكن أن يخفف من وطأة هذه التحديات من خلال تعزيز التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة.
وهنا كما يبرز الدور العراقي في مساعدة إيران على التخفيف من آثار العقوبات الأمريكية، من خلال دوره في تليين الموقف الأمريكي وتوسّطه في تلبية الاحتياجات الإنسانية للجمهورية الإسلامية، إذ ساعدت الحكومة العراقية على وصول إيران إلى جزء مهم من أصولها المجمدة في العراق واستخدامها لتلبية احتياجاتها اليومية.
ويحسب لحكومة السوداني نجاحها في الضغط على الجانب الأمريكي للحصول على إعفاءات متكررة لتسديد ما لا يقل عن ٧ مليار دولار خلال عامين كديون مستحقة لقاء إستيراد الغاز الإيراني كانت واشنطن تمنع طهران من الوصول إليها.
وهذا إنجاز مهم قامت به حكومة السوداني خلال عامين من عمرها، فيما لم تستطع الحكومة السابقة من تسديد أكثر من ٧٠٠ مليون دولار فقط إلى طهران خلال عامين من عمرها، لذا فإن التوتر بين إيران والولايات المتحدة يلقي بظلاله على الاستقرار في العراق، الذي يعد حليفًا استراتيجيًا لكلا الطرفين.
من هنا، فإنّ الدور العراقي كوسيط يمكن أن يخفف من تداعيات هذا الصراع على الساحة العراقية ويُهيِّئ الأجواء لتفاهمات مقبلة لاسيما مع إعلان الجمهورية الإسلامية استعدادها لاستئناف المفاوضات مع الجانب الأمريكي على أساس الاحترام الكامل لسيادتها.
3- التوترات الإقليمية:
تشكل التوترات المستمرة في المنطقة، خاصة بين إيران وبعض دول الخليج الفارسي، تهديدًا للاستقرار الإقليمي. ويلعب العراق، بحكم موقعه الجغرافي وعلاقاته الجيدة مع مختلف الأطراف، دور الوسيط لتخفيف هذه التوترات.
إن تعزيز التعاون العراقي-الإيراني في هذا السياق يمكن أن يسهم في خفض التصعيد الإقليمي.
وفي صلب هذه التوترات برز الوضع في سوريا كأبرز التحديات لدول المنطقة لاسيما إيران والعراق نظراً للارتباط الجغرافي بين هذه الدول، وتأثيرات الفاعلين الدوليين والإقليميين داخل سوريا.
وتأتي زيارة السوداني إلى طهران لتعكس حجم التحديات في هذه اللحظة الراهنة التي تستوجب مزيداً من التنسيق والتعاون لمنع إندلاع نزاع إقليمي يهدد نسيج دول المنطقة ووحدة أراضيها. فاللعراق وإيران مصلحة مشتركة في دعم الاستقرار في سوريا بعد رحيل بشار الأسد، ومنع نشوب حرب داخلية تفضي لتقسيم جغرافي يحقق الأحلام التوسعية للكيان الصهيوني.
كما تشترك بغداد وطهران في عدم إنفراد دولة معينة في الهيمنة على الوضع السوري ورسم خارطة الوضع الجديد بما يذكي التوترات الإثنية والطائفية بما يشكل عامل إنعاش للجماعات الارهابية والمتطرفة لاسيما “داعش” وشقيقاتها.
الدور العراقي: الاستقرار الداخلي والانفتاح الخارجي
في ظل التحولات والتطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، فإن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لعب دوراً دبلوماسياً لاسيما فيما يتعلق بالحرب الصهيونية الجائرة على غزة والعدوان الإجرامي على لبنان. ففي الوقت التي وقفت حكومة السوداني إلى جانب الشعبين الفلسطيني واللبناني وقدمت كافة المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى جانب الدعم الدبلوماسي في المحافل الدولية، فإنها في الوقت نفسه نجحت في تخفيف التصعيد بين الأطراف ومنع توسع العدوان، ما يعزز من مكانته كقوة توازن في المنطقة.
وفي هذا السياق، استخدم العراق علاقاته الجيدة مع الدول العربية لتحسين العلاقات الإيرانية-العربية، خاصة مع دول الخليج الفارسي.
لم يتسن للعراق أن يلعب دوره الوازن إقليمياً ودولياً، لولا نجاح حكومة السوداني في تعزيز الاستقرار السياسي في بلد شهد أزمات وتحديات أمنية وسياسية مزمنة، الأمر الذي انعكس إيجابًا على الأوضاع الداخلية في العراق.
لقد ساهم هذا الاستقرار في تعزيز مشاريع الإعمار والتنمية في المحافظات العراقية، حيث شهدت ميزانية العراق للعام 2023 تخصيص ما يزيد على 17 مليار دولار لمشاريع البنية التحتية والتنمية؛ بالإضافة إلى ذلك، انخفضت معدلات البطالة بشكل ملحوظ، حيث تم خلق أكثر من 100 ألف فرصة عمل جديدة في مختلف القطاعات.
إنّ التحديات المشتركة التي يواجهها العراق وإيران، من الإرهاب إلى الأزمات الاقتصادية والتوترات الإقليمية، تتطلب تعزيز التعاون والتنسيق الوثيق بين البلدين.
لقد نجحت حكومة السوداني في تعزيز العلاقات الثنائية من خلال التركيز على المصالح المشتركة والتهديدات المشتركة. استمرار هذا التعاون هو مفتاح لتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة في المنطقة، وتعزيز دور العراق كلاعب محوري في تحقيق السلم الإقليمي.
من هنا، فإنّ الضرورة تستدعي دعم حكومة السوداني في هذه المرحلة الحساسة لضمان استمرار الاستقرار السياسي والاقتصادي في العراق.
كما يجب على القوى السياسية العراقية دعم هذا التوجه لتعزيز المكتسبات الحالية وتحقيق تطلعات الشعب العراقي في التنمية والازدهار، مما سيمكن العراق من استعادة دوره الريادي على المستويين الإقليمي والعالمي.