في لبنان

الدين العام في “ذوبان” مستمر على حساب أموال المودعين!

أشارت تقارير عالمية الى أن كل طفل لبناني مولود حديثًا عليه دين بقيمة تتعدى الـ 13 ألف دولار.

2023-01-29

فاطمة سلامة

في السنوات الأخيرة، كثيرًا ما كنا نسمع مقولة “الدين العام الكبير” الذي يرزح تحته لبنان. ذلك الدين بلغ في الآونة الأخيرة أرقامًا قياسية وصلت عند عتبة المئة مليار دولار أواخر عام 2019. الرقم الذي مهّد الأرضية للبنان ليحتل مرتبة عالية جدًا من حيث ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج ومن حيث ارتفاع نسبة خطورة سداده (30 %). وفي عام 2014 أشارت تقارير عالمية الى أن كل طفل لبناني مولود حديثًا عليه دين بقيمة تتعدى الـ 13 ألف دولار. لمن لا يعلم فإنّ الدين العام هو مصدر من مصادر الإيرادات العامة تلجأ اليه الدولة لتمويل نفقاتها العامة عندما تعجز عن توفير إيرادات أخرى فتقترض إما من الأفراد أو من هيئات داخلية أو دولية أو من دول أجنبية. أما الدين السيادي فهو يتّخذ في معظم الحالات شكل سندات، إما أن تطرحها الدولة بعملتها المحلية أو أن تصدرها بعملة غير عملتها المحلية عندها تكون موجهة للمستثمرين في الخارج.

والمفارقة تكمن في أنّ لبنان الذي شهد حربًا أهلية مدمّرة في السبعينيات، لم يشهد حجم الدين الذي شهده مؤخرًا. عام 1993 بلغ حجم الدين نحو 3,5 مليار دولار 350 مليون دولار منه فقط بالعملات الأجنبية. إلا أنّ العبث في الواقع النقدي والمالي وغياب أي خطة عامة تُحدّد فيها الدولة خياراتها وأهدافها ونوع الاقتصاد الذي تريد قولًا وفعلًا، جعل الاستدانة خيارًا وحيدًا جاهزًا على الرف كلما دعت الحاجة. غياب التخطيط الرشيد أوقع لبنان في نفق الهدر والإنفاق العشوائي والاقتصاد الريعي ما أوجد عجزًا بمليارات الدولارات، وبدل أن تستفيد الحكومات المتعاقبة من التهديد وتحوّله الى فرصة، وتلتقط نقاط القوة في بعض القطاعات لتفعيلها وإنجاز المشاريع المثمرة، لجأت الى الخيار الأسهل “الاستدانة” من الخارج لتمويل الإنفاق الجاري بالموازنة العامة.

الدين العام انخفض الى حوالى 9 مليار دولار

ولا شك أنّ وجود حاكم مصرف لبنان في سدّة الحاكمية منذ عام 1993 وإدارته السياسة النقدية بطريقة أقل ما يقال فيها أنها “كارثية” ــ وسط تعام واضح من أطراف أساسيين في السلطة السياسية المشغولة بسياسة تقسيم الكعكة ــ فاقم الدين العام حتى بلغ أضعافًا مضاعفة. وما كان عام 1993 3,5 مليار دولار ارتفع بشكل دراماتيكي سريع وسجّل 18.6 مليار دولار عام 1998، ومن ثم 38.6 مليار دولار عام 2006. وفي العام 2012 وصل الدين العام الى 55.7 مليار دولار، وأكثر من 63.5 مليار دولار عام 2014. وبحسب بيانات تقرير جمعية المصارف اللبنانية، فإن الدَّين العام الخارجي للبلاد فاق الـ90 مليار دولار عام 2019.

وكثيرًا ما سمعنا عن ضرورة هيكلة الدولة ديونها وتوزيع الخسائر بطريقة عادلة. لكن ما حصل لم يمت الى العدالة بصلة. كتلة الدين العام في “ذوبان” مستمر على حساب المودعين والشعب اللبناني. الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور عماد عكوش يوضح في حديث لموقع “العهد” الإخباري أنّ الدين العام هبط من 95 مليار دولار الى 9 مليار دولار حاليًا. المتضرّر والخاسر الأكبر هم من وضعوا ودائعهم بالليرة اللبنانية لأنّ “الاكتتابات” بسندات الخزينة كانت بمجملها لمُكتتبين محليين سواء أكانوا مودعين لبنانيين أو مصارف لبنانية أو نقابات أو صندوق الضمان الاجتماعي أو صناديق التعاضد.

وبحسب عكوش، انخفض الدين العام مع انخفاض العملة الوطنية. قبل الأزمة كان الدين العام حوالى 95 مليار دولار موزّع بنسبة 65 بالمئة بالعملة المحلية أي بالليرة اللبنانية، و35 بالمئة بالعملة الأجنبية. كان لدينا 60 مليار دولار كدين داخلي بالليرة اللبنانية، فيما بلغت قيمة الديون بالعملة الأجنبية نحو 35 مليار دولار؛ 32 مليار دولار “يوروبوند” وحوالى 3 مليار دولار ديون لدول ومؤسسات دولية. ومن الطبيعي ومع انخفاض سعر صرف الدولار انخفض الدين الداخلي المقدرة قيمته بنحو 60 مليار دولار الى 1.6 مليار دولار أي بنسبة كبيرة جدًا تفوق الـ900 بالمئة.

أما سندات “اليوروبوند” فقيمتها في الأساس انخفضت بشكل كبير جدًا، وقيمة “اليوروبوند” هبطت الى ما دون الـ15 بالمئة. فلو افترضنا أن لدينا بحدود الـ30 مليار دولار “يوروبوند” باتت قيمتهم الحالية لا تتجاوز الـ4.5 مليار دولار من قيمتهم الحقيقية. أما الديون المتعلقة بالمؤسسات الدولية سواء صناديق تنمية أو صندوق النقد الدولي أو دول فقيمتها 3 مليار دولار، وهذه الديون مُلزم لبنان بدفعها ولا يستطيع أن يقتطع منها الا بالتفاوض مع أصحابها.

توزيع غير عادل للخسائر

يتحدّث عكوش عن التوزيع غير العادل للخسائر. بطبيعة الحال عندما نتحدّث عن انخفاض بقيمة سندات الليرة اللبنانية وانخفاض “اليوروبوند” سينعكس هذا الأمر على المودعين. الخسائر ستظهر أيضًا واضحة في موازانات المصارف خاصة أننا على أبواب اعتماد السعر الرسمي 15 ألف ليرة. وحول ما حكي عن “تصفير” الدولة لديونها، يلفت عكوش الى أن لا شيء جدي حتى الآن، مع العلم أن المفاوضات كان يجب أن تبدأ منذ أشهر مع حاملي “اليوروبوند”.

سلامة “يخلّص” الدولة من الدين ويغرّق الشعب بالجوع

الخبير الاقتصادي الدكتور ايلي يشوعي يشدّد على أنّ دين الدولة اللبنانية هبط من ما فوق المئة مليار دولار الى 12 مليار دولار وكل ذلك على حساب الناس. الديون بالليرة اللبنانية انتهت وذابت، أما الدولارات فهناك 36 مليار دولار دين خارجي انخفض بشكل كبير بعد أن انخفض سعر “اليوروبوند” بشكل قياسي فمن كان سعره 100 سنت بات 7 سنت أي بات سعره 7 بالمئة من قيمته الحقيقية، وكل ذلك على حساب أموال المودعين والدائنين و”المكتتبين” بسندات الدين العامة.

ويلفت يشوعي الى أنّ عملية سداد الدين العام تتم تلقائيًا؛ فطالما لا اتفاق بين الدولة اللبنانية وصندوق النقد الدولي وطالما أنّ الأمور معقّدة سياسيًا ومؤسساتيًا في الداخل ورئاسيًا طالما أنّ الدولة مهدّدة بالتفكك النهائي، وسيهبط سعر سندات الدين الخارجية بالتأكيد أكثر فأكثر، ولو أننا نعيش ضمن دولة لكانت تفاوضت منذ عام مع الدائنين الخارجيين خاصة أنّ قيمة سندات “اليوروبوند” انهارت.

وللأسف فإنّ انهيار لبنان وإفلاسه سيخلّص الدولة اللبنانية من دينها على حساب أموال الدائنين و”المكتتبين” والمودعين. وهنا يشدّد يشوعي على أنّ سلامة لا يفقه بقضية هيكلة المصارف ولا يريد فعلا ذلك، وكل التعاميم التي أصدرها غير دستورية وهي تعاميم سرقة الناس، ومنصة “صيرفة” هي استمرار لسياسة تثبيت سعر الصرف الفاشلة أساسًا. ويختم يشوعي حديثه بالإشارة الى أن سلامة “يخلّص” الدولة من الدين ويغرّق الشعب بالجوع والفقر ومعه المصارف التي تحولت الى آلة لتنفيذ وتطبيق تعاميم غير دستورية وهي تعاميم سرقة الناس.