موناسادات خواسته
أيام ربيع الفن في إيران، ونحن على أعتاب إقامة مهرجان فجر السينمائي الدولي، ولكن في هذه الأجواء نرى منذ فترة عرض فيلم “هناس” في لبنان، والذي كان من ضمن قائمة أفلام مهرجان فجر في العام الماضي، وتدور قصة الفيلم حول حياة واغتيال العالم النووي الإيراني الشهيد “داريوش رضائي نجاد”، وبما أن الفيلم واجه إقبالاً كبيراً، وسيتم عرضه الخاص أيضاً في قاعة اليونسكو بلبنان بحضور وزير الثقافة اللبناني، فقد اغتنمنا الفرصة وأجرينا حواراً مع منتج الفيلم السيد “محمدرضا شفاه” ومخرج الفيلم السيد “حسين دارابي”، وفيما يلي نص الحوار:
السمة والميزة الخاصة
بداية سألنا ما هي السمة الخاصة لفيلم “هناس” وما هو الدافع لإنتاج وإخراج هذا الفيلم؟، فقال منتج الفيلم السيد “شفاه”: كان “هناس” مشروع كنا نعمل عليه في المكتب الذي نعمل فيه مع أصدقائي، وكان في الواقع أحد مشاريعنا، وبعد استشهاد الشهيد “فخري زادة” شعرنا بضرورة متابعة هذا المشروع بجدية أكبر.
وعملنا على الخطة وناقشنا الموضوع مع زوجة وأسرة الشهيد وطلبنا منهم مساعدتنا وقبلوا بأذرع مفتوحة للمساعدة وهذه المسألة كانت بالفعل في بداية “هناس” فقمنا بالبحث والدراسة حول الموضوع من خلال المصادر المتاحة.
وفي الحقيقة هذا البحث تم إجراؤه مع زوجة الشهيد، وقادنا إلى قصة الفيلم، ثم تمت مناقشة الموضوع مع جهات أخرى، بما في ذلك الحوزة الفنية (حوزه هنري) وفي النهاية وافقت الحوزة الفنية على صنع الفيلم.
من جهته قال السيد “دارابي” مخرج الفيلم: كانت الميزة والسمة المميزة لهذا الفيلم في الحقيقة هو موضوعه، والذي كان بالنسبة لنا ولفريق الإنتاج أن حالة إستشهاد الشهيد رضائي نجاد أمام أعين ابنته البالغة من العمر 4 سنوات، كان يسود عليها جواً غريباً للغاية وكنا نريد دائماً القيام بشيء ما في هذه الأجواء، وفكّرنا في هذا الشأن كثيراً حتى تم توفير هذه المساحة العام الجاري لكي نتمكن من التطرق الى هذا الموضوع، والذي كان حقاً مصدر قلق لفريق الإنتاج.
وشعرنا أنه على أي حال، ان موضوع اغتيال عالم بلد بوحشية أمام زوجته وطفلته البالغة من العمر 4 سنوات هو موضوع خطير و على جانب كبير من الأهمية وحقا كان يجب تناول القضية في وقت سابق ومن الغريب أنها لم تتم معالجتها منذ 10 سنوات، وفكّرنا أنه يجب معالجتها وصناعة فيلم عنها، ونذكر أن هذا العالم كان يزاول عملا علميا وقاموا باغتياله بطريقة وحشية، وأردنا معالجة هذه القضية.
وأخيراً، أتيحت لنا الفرصة لتولي هذا الأمر والقيام بهذا العمل، وبمساعدة الحوزة الفنية (حوزه هنري)، تمكّنا من إنتاج عملنا.
تفاعل الجمهور مع الفيلم ومواجهة الحرب الناعمة
أما فيما يتعلق بأهم مبدأ في الإنتاج السينمائي وكيفية إظهار الحقائق من خلال أفلام مثل “هناس” وذلك نظراً للحرب الناعمة القائمة اليوم، قال السيد “دارابي”: في هذه الحرب، صنع وإنتاج الفيلم يعتبر جزء منها، وجزء التوزيع وإمكانية تسليمه للمستهلك هو موضوع مفصل آخر، وللأسف نحن ضعفاء بعض الشيء في هذا الجزء، ولكن الحمد لله في السنوات الأخيرة حققنا فيه الكثير من التقدم.
وتابع مخرج هناس: عندما نأتي إلى الفنون الدرامية وعمل فني مثل صناعة الفيلم، ماذا نفعل؟ نأتي إلى تصوير الحياة الواقعية بطريقة درامية، ونحاول أن نصنع الفيلم بصورة لكي الجمهور يحس بالجانب الإنساني في الفيلم ويتماشى ويتفاعل مع البطل والشخصية الرئيسية في الفيلم، وعندما يتعايش المشاهد معه، سيفهم لحظات حياته، ويضع نفسه في مكانه، وبعد ذلك نرى أنه يصل إلى فهم ذلك البطل أو الشخصية وتلك الحياة، والتي قد لا يصل إلى هذه الدرامية في تقرير إخباري أو خبر، ولكن هنا يرافق البطل ويعيش معه لحظة بلحظة ويشعر بالسعادة، القلق، وهذه هي سمة السينما، حتى لو كان لدى الجمهور مشكلة في موضوع ما، فمن الممكن أن لا يذهب إلى الأخبار على الإطلاق، لكن هذا الجمهور يأتي إلى السينما ويشاهد ذلك الفيلم.
إذا تم إنتاج الفيلم بشكل جيد، فسيتفاعل الجمهور مع هذا الفيلم بغض النظر عن عقيدته وأيديولوجيته، وكل جهودنا كانت لجعل هذا الفيلم جيداً، وصنع لحظاته الدرامية بشكل جيد.
ونعمل بصورة لكي يقترب جمهورنا من “شهرة” قدر المستطاع، ويعيش لحظات الحياة الحقيقية لهذا الشهيد ويفهم هذه العائلة وهمومها ومخاوفها.
تلك اللحظات المريرة أو الجيدة التي مرّوا بها، والحياة التي تقترب من نهايتها ببطء، وعندما يتم اغتيال “داريوش”، كان الجمهور مع “شهرة” – زوجة الشهيد – التي ترى أنهم يغتالون زوجها وحبها وكل شيء لها، أمام عينيها ويأخذونه منها، ولقد بذلنا قصارى جهدنا لتحقيق هذه الجودة والدراما، لكي يمكن للجمهور الارتباط بها والتفاعل معها.
ردود الفعل على الفيلم وعرضه في الدول العربية
بعد ذلك سألنا حول ردود الفعل على فيلم “هناس” في إيران وخارجها وخاصة في الدول العربية، فقال السيد شفاه: كان لدينا عروض في العراق وسوريا ولبنان، وحظينا باستقبال جيد جداً في العراق وسوريا، لقد تواصلوا بشكل جيد وعبروا عن مشاعر طيبة تجاه مجمل العمل، وكان مسؤولو الدول التي تم عرضه فيها في العراق وسوريا وحتى لبنان من بين المشاهدين و أحبو العمل كثيراً واعتبروه مهماً من الناحية التقنية والفنية.
وقال من جهته قال السيد “دارابي”: أفلام مثل “هناس” ليست أفلاماً تقليدية أو أفلاماً ضخمة للسينما في حالتها التقليدية، وكنّا نعلم منذ البداية أننا نصنع فيلماً علينا جذب الجمهور إليه ، وبينما يعتقد الكثير من المتلقين المنزعجين من السينما أن هذه الأفلام غير موجودة في السينما، حاولنا جاهدين أن نصنع هذا الفيلم.
بعد ذلك، قسم العلاقات العامة والتوزيع في الحوزة الفنية بذلوا جهدهم للإعلان والدعاية بطريقة لكي يأتي الجمهور الغاضب من السينما أو الذي يعتقد أن هذه المواضيع غير موجودة في السينما، لمشاهدتها.
الحمد لله، مع الأخذ في الإعتبار أنه أيام العرض التي كانت فيها السينما تواجه ركوداً في المبيعات، حظي فيلم “هناس” بموضوعه الخاص بعدد كبير من المشاهدين (نحو 200 ألف)، وإن شاء الله، سيُعرض على القنوات المنزلية والتلفزيونية لسنوات عديدة وسيكون نموذجيا.
العرض الأول الذي أجريناه في خارج ايران كان في العراق وفي أحد القاعات الكبيرة جداً في بغداد، والذي كان بدعوة من وزير الثقافة العراقي، الذي حضر هو وحشد كبير من العراقيين، وكنت قلق للغاية لأن الفيلم كان مترجماً وكنت قلق بشأن ما سيحدث وهل سيتفاعل معه الجمهور العراقي أم لا؟
لكن في النهاية، عندما انتهى الفيلم، رأيت أنهم يهتفون ويشجعون كثيراً، وكانوا يصفقّون لعدة دقائق وكان لديهم الكثير من التعاطف مع الفيلم، وأعربوا عن اهتمامهم وتحدثوا بشأنه مع أي شخص رأوه.
وكانوا يتعاطفون مع بطل الفيلم، كانوا حزينين، وانسجموا بالفعل مع “شهرة” ورافقوها بمشاعرهم، بل كان هناك بعض أهالي الشهداء الذين كانوا يبكون بطريقة غريبة، وكانوا يرون أنفسهم في مكان “شهرة”.
حتى في عرض سوريا، كان هناك تواصل جيد، وأتذكر أنه في أحد العروض التي حضرتها كانت تلك الأجواء المناهضة للصهيونية جذابة للغاية بالنسبة لهم.
في كل من العراق وسوريا، كان المشاهد يعجب لمدى بساطة حياة أبطال الفيلم في العيش، وحتى أحد الحاضرين السوريين أخبرني “أنني اعتقدت أنني جئت لمشاهدة فيلم سياسي، لكنني وجدت أنه كان فيلماً رومانسياً مثيراً للاهتمام”.
وعندما صعدت على خشبة المسرح سألت الجمهور الآخر، هل تؤيدون رأيه، فرفع الكثير من الحضور أيديهم وقالوا نعم ، وكنت سعيداً جداً.
وسألتهم هل شعرتم بنفس الإحساس؟ قال كثير من المشاهدون إنهم تواصلوا مع شخصية “شهرة” في الفيلم وأن قلوبهم كانت تهتز معها.
لفيلم “هناس” عدة عروض، ووزير الثقافة اللبناني وجّه إلينا دعوة للذهاب الى لبنان، وسنذهب مع السيدة “شهرة بيراني” إن شاء الله.
العرض الخاص في لبنان
أما فيما يتعلق بعرض الخاص للفيلم في لبنان، يقول السيد “شفاه”: في الوقت الحالي، يقوم الأعزاء في مجموعة “الرسالات” بعرض الفيلم في لبنان، وما تلقيناه من التعليقات، لأننا لم نكن في لبنان حالياً، يشير الى ان العرض يسير بشكل جيد هناك، كما دعا وزير الثقافة اللبناني مجموعة الإنتاج لإجراء عرض خاص في نهاية شهر فبراير في قاعة اليونسكو بلبنان.
وبفضل جهود المستشارية الثقافية الإيرانية في لبنان والسيد باقرزادة المستشار الثقافي الإيراني في بيروت، تم التنسيق للحضور، وشاهد وزير الثقافة اللبناني العمل وأعجب به، وسنذهب إلى العرض الخاص في قاعة اليونسكو في لبنان مع الكادر الفني.
وما نتج عن العرض في لبنان أنه كان عرضاً جيداً ونال اعجاب المشاهدين، وحظي الفيلم أيضاً بالاهتمام من الناحية الفنية والتقنية.
ويتابع منتج فيلم “هناس”: أي عرض له جمهور غير الجمهور الإيراني هو تجربة جديدة ومختلفة لنا، ويجذبنا أنه في بلد مثل لبنان، رغم تنوع جمهوره بآرائهم المختلفة، نرى ردود الأفعال على الفيلم، كما تعلمون أنه يحظى بشعبية بين الجماهير الشيعة والأشخاص الذين يشاهدون الفيلم الآن.
وفي العرض الخاص للأونسكو، سيزداد تنوع الجمهور بالتأكيد، وأعتقد أن هذه فرصة رائعة لأي مجموعة من الفنانين الذين يرغبون في العمل والقدرة على استخدام لغة السينما بشكل أفضل، وهي لغة عالمية .
وفيما يتعلق بكيفية عرض “هناس” قال السيد “شفاه”: هذا العرض الذي جرى في لبنان كان بصورة بيع تذاكر ولكن العرض الذي سيكون في نهاية فبراير، عرض خاص وليس فيه بيع التذاكر، وسندعو المشاهدون، والفيلم سيعرض بصورة عرض خاص.
إنتاج فيلم مشترك مع الدول العربية
وعندما سألنا: هل سيطرح الفيلم مترجما في دول عربية؟ وهل تم انتاج وعمل مشترك مع الدول العربية ام لديكم مشروع في هذا المجال؟، قال السيد “شفاه”: لدينا أفكار في هذه البلدان القليلة التي تم فيها عرض الفيلم، والوكلاء و المندوبون أجروا المفاوضات الأولية، وبالطبع من الممتع للغاية بالنسبة لنا أن نكون قادرين على تحقيق ذلك، وفي لبنان من المفترض أن نتحدث مع مجموعة أو مجموعتين وآمل أن نحقق ذلك، ونأمل ببدء إنتاجا مشتركا مع دول أخرى وليس دول عربية فقط، رغم أن الظروف قد تكون أفضل هناك.
ولكن مع أي بلد يمكننا أن نجد فيه أرضية مشتركة وأفكار مشتركة يمكن الاتفاق معه وأنا أرحب بإنجاز هذا العمل.
ومن جهته هكذا يقول مخرج “هناس” السيد “دارابي”: في هذه الرحلات التي ذهبنا إليها، تمت مناقشة هذه القضايا، وبالطبع العمل هو عمل وضع خطة سياسية أكبر ، وهو عمل إداري، وليس شيئاً يمكنني القيام به كفنان.
وأخيراً ، يجب إقامة التواصل، والعمل له تعقيداته الخاصة، ولدينا لغة مشتركة في مجال المقاومة، ولدينا أهداف مشتركة، وداعش والنظام الصهيوني أصابنا جميعاً.
أعتقد أنه من المهم جداً أن تكون قادراً على صناعة أفلام في فضاء الشراكة، والعمل عليها حتى يمكن توزيعها ووصولها إلى جمهور المقاومة، وأعتقد أننا ضعفاء في هذا المجال، وأتمنى أن أحداثا جيدة ستحصل.
في بغداد، أخذوني إلى عدة مراكز تجارية حيث كانت هناك دور عرض سينمائي. تمكنت من رؤية القاعة وأظهروا أن بها إمكانيات جيدة جداً، لكن للأسف عددها قليل جداً، وعندما ذهبت إلى القاعات فوق تلك المراكز التجارية، رأيت ملصقات فيلم “تاب غان” التي جاءت من الجانب الآخر من العالم معروضة هنا، والعراق قريب منا..
ينبغي فعلاً العمل الجهادي والجاد في هذا المجال، ولا ينبغي أن نقتصر على مذكرة تفاهم، وعلى الأقل يجب أن يكون نشاطنا كبيرا مع البلدان القريبة منا، وقد إستقبلونا في سوريا بحفاوة، وأحبوا الإيرانيين. ومع الدول التي لدينا تفاعلات وثيقة معها، يجب أن لا ينتهي الأمر بعناصر محدودة فقط، بل ينتهي بمزيد من العروض وتوفير الأفلام لشبكات ذات جمهور كبير، وإن شاء الله، ستقام علاقات جيدة.
مدى تأثير السينما
وعندما سألنا السيد “شفاه” مدى تأثير السينما في إيصال الرسالة؟ قال: العصر الذي نعيشه هو عصر الصور، وسواء قبلناها أم لا، فإن أهم أداة يمكن استخدامها لإيصال رسالة، وينعم بها جمهور اليوم، هي الصورة.
ولطالما كانت السينما كفن بصري محل اهتمام الجمهور، وأعتقد أن هذه قد تكون فرصة عظيمة لنا للتحدث إلى كل شعوب العالم، وليس فقط ايران، على عكس بعض الآراء التي تعتبر هذا تهديداً، بل هي فرصة لتوعية الجمهور بالنقاط ووجهات النظر التي نعتقد أنها بحاجة إلى الاهتمام بها وجذب الانتباه لها.
إنها بالتأكيد فرصة رائعة لكل بلد ولكل فكر للاستفادة بشكل أفضل من هذه الفرص، وبالطبع هذه الأداة ستساعدهم ويمكنهم توسيع أفكارهم ووجهات نظرهم.
فيلم عن حياة الشهيد
ويختتم الكلام مخرج الفيلم السيد “دارابي” ويقول: الحمد لله أنني تمكنت من صنع فيلم عن حياة هذا الشهيد الكريم، وهو بالطبع يتعلق أكثر بزوجته الدكتورة “شهرة بيراني”.
آمل أن أكون قد تمكنت من إظهار جانب من الحياة والمصاعب التي تعرض لها هؤلاء النبلاء، وقد تمكنت من إظهار القليل من مفاخر هذا البلد العزيز.