موناسادات خواسته
الأديب له إحساس مرهف وفكرة عالية، يسطر بقلمه تأليفات قيّمة، والسياسي له فكرته الخاصة، أما كيف يجمع الشخص بينهما وينجح في نشاطاته في كلا المجالين؟، من جهة أخرى نشهد أحداثا مختلفة وهامة تجري في المنطقة، ففي ظل الأجواء والأحداث التي تجري في المنطقة أجرينا حواراً مع الوزير التونسي السابق الدكتور خالد شوكات الذي هو شخصية أكاديمية أدبية قانونية سياسية، له نشاطات واسعة في مجال الأدب والسياسة والقانون، شغل عدة مناصب في السياسة، وله تأليفات أدبية عديدة، فسألناه عن الأدب والسياسة، وفيما يلي نص الحوار:
الثقافة والسياسة والقانون
بدأ الحوار بالحديث عن نشاطات الدكتور خالد شوكات في مجال الثقافة والسياسة والقانون، فسألناه كيف يجمع بينها، حيث أجاب قائلاً: إنها مجالات متّصلة تفتح على بعضها البعض، ففي رأيي ممارسة السياسة دون مرجعية ثقافية تجعلها مفرغة من مضمونها الإنساني المطلوب، وأما النضال الحقوقي أو القانوني فهو جزء من العمل السياسي بهذا المعنى الثقافي العميق والإنساني المطلوب، لأن القوانين مرتبطة بفلسفتها والفلسفة إلتزام ثقافي متين.
خلاصة القول إن نشاطي في هذه المجالات هو نشاط منسجم ومتفق مع قناعاتي والتزامي بالتكليف الشرعي الذي تربينا عليه ومسؤوليتنا تجاه وطننا وأمتنا والإنسانية جمعاء، ومن يضع حواجز بين هذه المجالات أظن أنه لم يفهم جيّداً الصلات البنيوية والحيوية القائمة بينها. وأظن أن جميع من اقتدينا بهم ابتداء بالرسول الأعظم(ص) والأئمة العظام من آل بيته (ع) وقادة الأمة الفضلاء على مرّ التاريخ قد اثبتوا في سيرهم هذا التواصل والتكامل القائم بين السياسة باعتبارها اهتماما بشؤون المسلمين والثقافة باعتبارها الزاد والعلم والمعرفة والقانون في معانيه السامية المتصلة بالحقوق كما ورد في أثر الامام السجاد عليه السلام.
الثقافة هي العين التي ننظر بها إلى قضايا عصرنا
وحول الدوافع التي دفعته في السير بالمجالات التي ذكرناه، يقول الدكتور شوكات: وكما شرحت سابقاً، فإن إهتمامي بالسياسة يعود إلى عنايتي بشؤون الناس والأمة وإحساسي بالمسؤولية إزاء هموم البشر وقضاياهم والسعي إلى المساهمة في ايجاد حلول لمشاكلهم، وأما الثقافة فأرى أنها العين التي ننظر بها إلى قضايا عصرنا وزماننا نظرة عميقة واعية فدونها الإنحدار إلى صراع المصالح بمعناها الضيق الذي لا يليق بمؤمن حسنت قدوته وتربيته، وأما القانون ففضلاً عن كونه كان دراستي بالمعنى الأكاديمي فأنا خريج كلية الحقوق والعلوم السياسية فإنه برأيي سيف الحق والعدالة الذي دون احترامه يخرب العمران.
أدب المقاومة أرقى أنواع الأدب
بعد ذلك سألنا رأي الأديب التونسي حول أدب المقاومة في العصر الحالي وفي ظل الظروف والأحداث الأخيرة في المنطقة، فهكذا أبدى عن رأيه: أدب المقاومة هو أرقى أنواع الأدب وهو أدب المظلومية والحق والعدالة والإنسانية، وهو سلاح أمضى في كثير من الأحيان من الرصاصة، فالكلمة مخلّدة باقية وهي وسيلة إلهية، فضلاً عن كونها وسيلة إنسانية، فالأدب لغة عالمية تتجاوز الحدود الجغرافية إلى القلوب النقية أينما كانت، لهذا فإن أدب القضية الفلسطينية هو أحد أهم وسائل المقاومة وأكثرها تأثيراً وحضوراً ولهذا تخشاه الصهيونية وتتعقب أهله وتقتلهم مثلما فعلت مع كثيرين. تكفي الإشارة هنا إلى أن مجاهداً كبيراً مثل يحيى السنوار كتب روايته “الشوك والقرنفل” قبل أن يكتب ملحمته المسلحة الطوفان.
جائزة فلسطين العالمية للآداب
وفيما يتعلق بجائزة فلسطين العالمية للآداب وضرورة وجودها وتأثيرها، يعتقد شوكات أن هذه الجائزة مشروع إنساني واعد نتمنى له الإستمرار، وبلا شك هو مبادرة قيمة تعزز المقاومة الأدبية وتوسع نطاقها، ويجب أن تتوفر له جميع الموارد لكي يشع اكثر ويستقطب اكثر الأقلام حول العالم.
دعم القضية الفلسطينية
ويتابع الدكتور شوكات حديثه حول دعم القضية الفلسطينية: إن دعم هذه القضية العادلة محتاج إلى جميع الوسائل الممكنة، الثقافية والإعلامية والأدبية والفنية، وهو يشمل جميع أنواع المبادرات وفي جميع المناطق والمجالات، ولا يجب قصره أو إختزاله في أمر معين.
إن فلسطين تقع جغرافياً في قلب العالم ولكن القلب بمقدوره أن يستوعب العالم بأسره، وكما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع): “لا يحقّرن أحدكم من المعروف شيئاً”.
إقامة مهرجانات لفلسطين
فيما يتعلق بإقامة مهرجانات حول القضية الفلسطينية يعتقد الأديب والمثقّف التونسي أن المهرجانات الأدبية والسينمائية والفنية والمسرحية والخطابية السياسية والمظاهرات والتظاهرات والمعارض وسواها من الوسائل الممكنة، جميعها مطلوبة للتعريف بالحق الفلسطيني واستدامة النضال الفلسطيني، إذ ليس من قضية بمقدورها ملأ الفراغ الروحي الذي تعاني منه الإنسانية وحسن توجيه البوصلة البشرية مثل القضية الفلسطينية، ولهذا فإن كل جهد محمود مقدّر في هذا المجال.
“طوفان الأقصى” إعلان نهاية الكيان الغاصب
عندما سألنا الدكتور شوكات عن رأيه حول جرائم الكيان الصهيوني التي تزداد يوماً بعد يوم وحتى قام باحتلال قسم من الأراضي السورية، هكذا ردّ علينا بالجواب: كلّما أمعن الكيان في جرائمه إلّا وعبّر ذلك عن الضعف الكامن فيه، وعن الشعور المتعاظم لدى قادته بقرب نهايته، فكما قلت دائماً، وهو من دروس التاريخ وعبره، فإن الإعتماد المفرط على القوّة إنّما يشير إلى قرب النهايات، ولا يفارقني اليقين بأن طوفان الأقصى كان إعلان نهاية الكيان بالمعنى التاريخي، فقادة هذا الكيان أنفسهم يقرّون اليوم بأن كل الدعاية الصهيونية التي كانت تقف وراء تعاطف جزء من العالم معهم قد تهاوت ولم تعد مجدية، وحلّت محلّها نقمة إنسانية على جرائمهم. وفي رأيي فإن مضيهم في الإجرام، بما ذلك إحتلال جزء من سوريا المنشغلة بشأنها الداخلي، ليس سوى هروباً إلى الأمام لن يجدي أصحابه وسيعود عليهم بالوبال.
لجم الكيان الصهيوني بالقوانين الدولية
أما حول لجم الكيان الصهيوني عن طريق القوانين الدولية، يقول شوكات: فضحت جرائم الإحتلال الصهيوني في غزة ولبنان، وخصوصاً منها جريمة الإبادة الجماعية، الحالة البائسة التي يعيشها المجتمع الدولي، وتحديداً قلّة حيلته في مواجهة فضائع ضد الإنسانية تنقل على الهواء مباشرة، وهذه أول مرة تحدث في التاريخ الإنساني.
إن جزءاً من مشروع إعادة بناء المنتظم الدولي يتمثّل في التعبئة الدولية الحكومية وغير الحكومية ضد هذا الكيان المستهتر بجميع الشرائع الدولية.
وأظن أن هذا الجهد الدولي المحمود بدأ يؤتي ثماره، فطلب محكمة الجنايات الدولية في لاهاي باعتقال مجرمي الحرب نتنياهو وغالانت سيشجع أحرار العالم على المضي في هذه الملاحقة العادلة من أجل الإقتصاص لدماء الأبرياء وإعادة المصداقية لآليات القضاء الدولي والعدالة الدولية.
وفي الختام يقول الوزير التونسي السابق: كلمتي الأخيرة هي التوجه بالشكر والتقدير والإمتنان للشعب الإيراني العظيم ولشرفائه الذين رغم تكالب الدنيا عليهم لم يفرّطوا في قضية فلسطين وتحمّلوا من أجلها الحصار وقدّموا لأجلها الشهداء على أعلى مستوى. إن كل حر في هذا العالم يشعر بالفضل والإمتنان ولن ينسى هذا الموقف ما وسعه الزمان.