الأساس في التبليغ أو إيصال الرسالة في رأي السيد القائد هو أن يكون صادقًا ويلامس القلوب، أمينًا ومسؤولًا. ففي أنظمة الحكم الغربية والمتسلطة، يركز الإعلام على ما يسمى بالبروباغاندا، ويهدف إلى السيطرة على الرأي العام للوصول إلى السلطة والمصالح والمال، ووسائل الإعلام هناك تملك الخبرة الجيدة والمهارة العالية في هذا الشأن عن طريق التمثيل، الكذب وخداع الرأي العام، مثل مسألة الانتخابات الأميركية وتنصلها من أي علمٍ بما يجري في غزة لتكسب أصوات المسلمين في أميركا. لكن النموذج القرآني لا يهدف إلى السيطرة والوصول إلى السلطة، ويناقض بطبيعته القرآنية الكذب والخداع، ففي رأي القائد يهدف هذا النموذج إلى “التفاهم مع الناس، وتوجيه الأذهان نحو هدفٍ سامٍ عالٍ، وتقريب الأذهان بعضها من بعض” بما يؤدي إلى بناء وعيٍ لدى الناس ومساهمتهم في الأعمال المهمة والخيِّرة. ومن هذه الأعمال ينطلق الناس إلى شعورهم بالمسؤولية ليخوضوا القضايا والحركات التي تعود بالفائدة عليهم وعلى مجتمعهم، عبر الإبداع وتشغيل ساحات العمل، قارئين بذلك الفرص والمخاطر التي تواجههم، والعدو والصديق، ما يمنحهم ثقة بنفسهم وبقراراتهم البناءة لتحصين مجتمعهم. وهنا يشدد السيد القائد على وجوب وجود أمل وثقة بالذات “أسوأ حدث بالنسبة لشعبٍ ما أنْ يفقد ثقته بنفسه ويخسر أمله بالمستقبل”.
وهذا الحدث السيئ هو نفسه ما يهدف إليه أعداء الشعوب الحرة وعلى رأسهم أميركا؛ سلب الشعوب ثقتها وبث اليأس في نفوس شبابها واضطهاد مبلغيها، وتُبينها بحسب رأي السيد القائد الآيتان التاليتان {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ}، {بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}، وفي هذا الموضع يرى القائد أن لهذا التبليغ أو الإعلام أعداءه، لأن الله عز وجل يقول: إنه “يحفظك ويعصمك فلا تقلق ولا تهتم للعدو، وواضحٌ من هذا أنَّ هناك صفوف الأعداء وجبهتهم مقابل تبليغ الرسول” فإذا كان للرسول أعداؤه فحتمًا للمقتدين به الأعداء نفسهم، إذ ما زالت البشرية في حالة صراع مع الاستكبار نفسه بوجوهٍ مختلفة. لذا، للتبليغ بمعناه الإعلامي ساحة معركة ومواجهة، ولا يمكن الغفلة عن عدوٍّ يملك كل ما يشاء من إمكانات الدعاية والإعلام ففي قولٍ لأمير المؤمنين (ع): «مَن نامَ لَم يُنَم عَنه، إن أخا الحرب الأرِق». ولهذا وجه سماحة القائد الخامنئي نداءاتٍ متكررة للعمل على دحض رواية العدو، عبر مراقبة العدو لتوقع خططه والعمل على إفشالها إما عبر هجمات استباقية، أو بالتخطيط لكيفية التصدي الصائب لها، خاصة وأن العدو يعمل على تضخيم بعض المسائل وتصويرها على أنها قضايا مهمة ليُغيِّب قضايا أخرى أو لنشر الفوضى وتحريف التاريخ، ما يشكل خطرًا على وعي الجيل الشاب الذي لم يعاصر أو يقرأ كثيرًا عن تاريخ وطنه ومنطقته، ما يعرض فكره للانحراف. وهنا يأتي دورٌ مهم للإعلام في الرد على الشبهات التي دائمًا ودائمًا ما يرميها الإعلام المعادي بين الناس، ويسعى لتضخيم رسالته عبر الكذب والخداع، ليتغلغل بين العقول ولاحقًا بين صناع القرار في البيئة المستهدفة، عدا عن الفتن التي ينشرها لتفعيل واختلاق المشكلات الجانبية المكبرة والحروب الداخلية.
في حديثه مع المداحين يقول السيد الخامنئي حفطه الله: “المديح هو وسيلة إعلام شاملة. وبما أنه وسيلة إعلام، فإنه يمكن أن يكون أداة للتبيين؛ أداة مهمّة للتبيين”. من هذا يمكن، لا بل يجب، أن يستفيد الجهاز الإعلامي من نصائح القائد ليعرف لماذا هو فعلًا يحتاج لنموذج جديد يروي وقائع الأحداث ويخلِّد إنجازات ميدان النزال العسكري. “القيام من أجل الحق، والشجاعة، والصراحة، وقوّة الاستدلال، والصمود”. من الصحيح أن قول القائد هنا كان بمناسبة ذكرى ولادة السيّدة فاطمة الزّهراء (سلام الله عليها) التي تحدث عنها كقدوة، لكنه يخبرنا أننا يجب أن نقوم لأجل الحق، ونقول الحق لندافع عن المظلومين وعن أنفسنا ومجاهدينا في ميدان الإعلام، بكل شجاعة كما هم مجاهدونا وقادتنا في ميدان القتال، ولكي نملك الشجاعة الواضحة والصريحة والحجة المقنعة ينبغي أن نجمع المعلومات، والبيانات والإحصاءات والحجج الدامغة والصحيحة التي تُثبت ما نطرحه.
يشدد القائد على أهمية تبيين الحقائق المعاصرة، وما أحوجنا إلى رواية الوقائع وتبيين الحقائق في عالمٍ يمتلك عدونا فيه الإمكانات الضخمة واليسيرة ويستغلها لحرف المسارات عن وضعها ونشر الأكاذيب، وهو نوعٌ من أنواع الجهاد حيث جاء في الرواية عن النبي (ص): “إنَّ المُؤمِنَ يُجاهِدُ بِسَیفِهِ وَلِسانِه”. وعلى الرغم من أن العدو يملك الميدان فإن حضورنا فيه ودراستنا الوافية له، تمكننا من نشر الحق فيه، وذلك يتحقق بالإبداع الموجود في قلوب وعقول الشباب والكثيرين من الرواد الذين يمكنهم أن يحققوا بعلمهم في الميدان الافتراضي ما لا يتحقق في أرض الواقع، فتقلب الطاولة على العدو من داخله. ففي حرب غزة ومع العمل الشنيع والإجرام البشع الذي يقوم به الصهاينة، قام رواد مواقع التواصل من العرب والأجانب المطلعين وبلغات الشعوب المختلفة وعبر الرموز التي تمنع حظر المنشورات على إنستغرام مثلًا، برواية الأحداث وتدعيمها بالمشاهد المؤلمة والبراهين التي أثبتت تورط حكومات بعض الشعوب بالمساهمة في جرائم الاحتلال في غزة، فثارت هذه الشعوب من قلب عالم الاستعمار على حكوماتها لتوقف دعم الكيان، أو تظاهرت لتبلغ تحيات التضامن مع الشعب المظلوم.
بث الأمل، نشر الوعي، الصد المباشر والفوري لهجمات العدو الإعلامية والهجوم الاستباقي، هي سبلٌ أساسية ضرورية في مشروع الإعلام الذي يدعو إليه سماحة السيد القائد علي الخامنئي. وهذا النموذج الإعلامي الذي يعتمد على القرآن وأسس الإسلام يبغي بناء مجتمع حصين، يصعب خرقه ويثبت في مقاومة شتى حملات العدو المستكبر والطاغوت العالمي المتمثل بأميركا، وبعدها دول الغرب وكيانها السرطاني. وفي زمنٍ كثرت فيه الأبواق واستنسبت فيه المعايير لصالح الساعين إلى الهيمنة، يتوجب على الإعلام المقاوم أن يستنهض كامل قواه ليلبي دعوة القائد كما سالف الدعوات لصدِّ الأعداء وتخليد إنجازات الشهداء وإعلاء كلمة الحق وراية الهدى دائمًا.
زينب حيدر