جروح بلا ضمادات: الغزيون يعيشون مع الألم

أن المستشفيات والمراكز الصحية تعاني من نقص شديد في المستلزمات الطبية والمستهلكات المختلفة، بعد نفاد مخزون جميع المخازن في شمال قطاع غزة، بما فيها مخازن وزارة الصحة الفلسطينية

2025-01-15

في قسم الجراحة في مستشفى «المعمداني»، يناجي العشريني علي رضوان، الله، ليخفّف ألمه الذي لا يتوقّف بالمرّة. يقول شقيقه، رضوان، إن “علي أصيب قبل أسبوع في استهداف منزل مدني، ما أدى إلى إصابته بكسور في اليد اليمنى والساق اليمنى، وزراعة بلاتين لهما، وكذلك كسر في الحوض وجروح وحفر عميقة في الوجه واليدين، بالإضافة إلى إصابة طحاله بجرح من الدرجة الثالثة”. ويبيّن الشاب أن شقيقه بحاجة إلى التغيير على جروحه مرتين يومياً، وهو ما ليس متوفراً بسبب شحّ الضمادات وشاش الغيار. ويتابع: “يقوم المستشفى بتغيير جروح أخي مرّة واحدة في اليوم، وهو ما يهدّد صحته، لأنه يمكن أن يؤدي إلى تلوث وتعفّن الجرح، وإن طال الأمر يمكن أن يؤدّي إلى البتر لا قدَّر الله”، لافتاً إلى أن الألم لا يفارق شقيقه طوال اليوم “وقلوبنا تنفطر له، فلا مسكّنات ولا أدوية مضادة للالتهابات، وإن وجدت، فبشقّ الأنفس، ولا تكون بالفعالية المطلوبة”.

 

وفي الغرفة المجاورة، يرقد المصاب عادل حنون (16 عاماً)، الذي استكان جسده بعد جرعة ألم عاشها بفعل التغيير على جروحه. يقول والده: “لم يكتفِ الاحتلال الإسرائيلي ببتر ساقَي ولدي، بل إنه يحرمه الضمادات والشاش والأربطة وحتى المعقّمات والمسكّنات التي يمنع إدخالها إلى قطاع غزة”. ويضيف: “نعاني من عدم توفّر أبسط الإمكانات، حتى الأنسولين الخاص بولدي كونه مريضَ سكري شحيح، وهو ما يضاعف من صعوبة حالته بشكل كبير جداً”، موضحاً أن ابنه كان قبل يومين بحاجة إلى غيار ليده المصابة، و”عندما انتهى الحكيم من ذلك، فوجئنا بعدم توافر شاش أو أربطة لتبقى معرّضة للهواء والتلوث، حتى تبرّع أحد المصابين بجزء من الشاش الخاص به”. أما عن معاناته مع المسكّنات، فيؤكد أن الألم شديد جداً، “ولا يوجد ما يوقفه سوى إبرة واحدة تؤجَّل إلى الليل كي يستطيع النوم”.

 

من جهته، يقول لؤي حوسو (25 عاماً)،  إن معاناته بدأت إثر إصابته بشظايا في الصدر والبطن، أدّت إلى استئصال طحاله “عندما سقط صاروخ حربي على منزلهم في منطقة التفاح شرق مدينة غزة”. ويضيف، بينما يحمل حقيبة صغيرة تحتوي على بعض الشاش الطبي وأربطة وقفازات طبية: “مطلوب التغيير لجروحي مرتين يومياً، وهو ما اضطرّ عائلتي إلى البحث عن تلك المواد في الصيدليات الخارجية وشرائها بأسعار مرتفعة جداً، في حين أننا لم نجد أياً من المسكّنات في الصيدليات”. ويتابع: “لم أعد أحتمل الأمر، فأبسط الأشياء تزيد من الألم، كالتثاؤب والسعال، فضلاً عن الألم غير المحتمل عند غيار الجروح التي يتم تعقيمها بمادة الكلور لعدم توفر الكحول، بحيث يَسمع صراخي كل من في المستشفى”.

 

أمّا أبو عمرو السويركي (46 عاماً)، فيقول: “بينما كان يحتفل العالم برأس السنة الميلادية، كان احتفالنا بدفن شهدائنا والسعي بين المستشفيات لعلاج جرحانا”، ومن بينهم زوجته وابناه الذين يعالجون من إصاباتهم في استهداف طائرة حربية لهم. ويبيّن أنه ونتيجة إصابة ابنه بشظية استقرّت في المخ، “أصبح بحاجة إلى علاج للتشنجات، لم نجد منه سوى أنبوب واحد بعدما بحثنا في معظم المستشفيات والصيدليات، لتزداد معاناتنا يوماً بعد يوم”.

 

وعلى هذه الخلفية، يؤكد القائم بأعمال مدير مستشفى “المعمداني”، الدكتور فضل نعيم أن المستشفيات والمراكز الصحية تعاني من نقص شديد في المستلزمات الطبية والمستهلكات المختلفة، بعد “نفاد مخزون جميع المخازن في شمال قطاع غزة، بما فيها مخازن وزارة الصحة الفلسطينية”. ووفقاً لنعيم: “لم يَعُد النقص في معدّات كبيرة أو مكلفة أو معقّدة، بل في أشياء أساسية وبسيطة، من مثل شاش الغيار المعقّم والشاش المستخدم في العمليات الجراحية، خاصة فوط البطن”. ويلفت إلى أنه تمّ التوجّه بنداءات استغاثة عديدة إلى جميع المؤسسات الصحية والمنظمات الدولية من أجل توفير تلك المستهلكات لأهميتها في العمل الصحي “كتضميد الجراح في أقسام الاستقبال والعمليات الجراحية وأثناء الغيار سواء داخل المستشفى أو خارجه”. ويضيف: “عدم الغيار بشكل منتظم، يسبّب التهاباً في الجروح، ما يشكّل خطراً على العمليات التي تم إجراؤها، ويضطرنا في كثير من الأحيان إلى الدخول في عمليات تنظيف متكرّرة وأحياناً رفع المثبتات الداخلية كالصفائح والبراغي، فضلاً عن مضاعفات تصل إلى حدّ البتر أو دخول المريض في حالات تعفّن”. ولصعوبة توفير الشاش، “كنا نضطر أحياناً إلى تأجيل الغيار حتى نوفّر الفوط والشاش، لينتهي الأمر بإحدى المصابات إلى الإصابة بعدوى أدّت إلى تسمّم في الدم ومن ثم استشهادها بعد شهر ونصف شهر على إصابتها”.

 

المصدر: الاخبار