إيران محور الاستقرار في المنطقة في مواجهة حروب التفرقة والهيمنة

خاص الوفاق : والحقيقة في المسألة الإيرانية التي يجدر مقاربتها بوعي لا تتطلّب كثير إمعان في البحث طالما أن الأسس التي انبنت عليه عقيدة الحكومة والثورة والدولة واضحة للعيان في القول والفعل منذ ما قبل تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية وصولاً إلى يومنا الحاضر،

2025-01-22

محمد الحسيني (إعلامي وباحث سياسي)

 

يقال إن البشر يحتاجون أشياء يصدّقونها وهم اليوم للأسف يصدّقون أشياء كثيرة نظراً لطغيان الأكاذيب على حساب الحقائق.. حتى إن الحقائق ذاتها دخلت بدورها في نفق التعمية حتى ارتدت ثوب التضليل، فلم يعد البشر يميّزون بين ما هو صادق وبين ما هو كاذب، وهنا تتأكّد الحاجة إلى الوعي في التفريق بين الواقع والوهم خصوصاً حين ترتدي الأكاذيب ثوب الحقائق، لذلك تبقى الحقيقة نقطة الثقل التي يجب تلمّسها في خضم المدّ الواسع والمتمادي في صناعة الحقائق الوهمية وتحوير الألوان وقلب المعايير والقيم.

 

والحقيقة في المسألة الإيرانية التي يجدر مقاربتها بوعي لا تتطلّب كثير إمعان في البحث طالما أن الأسس التي انبنت عليه عقيدة الحكومة والثورة والدولة واضحة للعيان في القول والفعل منذ ما قبل تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية وصولاً إلى يومنا الحاضر، حيث تشتدّ دوائر الضغط الكونية على إيران الدولة بما تمثّله من منطلقات عقائدية حاكمة وفق أصول إسلامية، وبما تعتمده من سياسات وتطبيقات تتّصل بالقضايا الكبرى في العالم، ولعلّ أهمها من بين أهداف عديدة:

 

أولاً: مقارعة الظلم وتسييد الحق بما يفترضه هذا الهدف من مواجهة قوى الاستكبار والهيمنة في العالم وعلى رأسها أمريكا والغرب عموماً ومساندة قوى المقاومة والتحرّر ونصرة المستضعفين في العالم.

 

ثانياً: التمهيد لدولة الحق والعدل، بما يوجبه هذا الهدف من مواجهة الكيان الصهيوني وتحرير فلسطين والقدس الشريف والمسجد الأقصى لكونه محور القضية المركزية للعرب والمسلمين، ومركز الإعداد الجوهري لنظام العدالة الاجتماعية في العالم.

 

ثالثاً: تحقيق الاقتدار الإيجابي، بما يعنيه هذا الهدف من تحصيل مكامن القوة وإزالة مواطن الضعف وتثبيت عوامل القرار السيادي المستقل عن الهيمنة العالمية، وجعل إيران الدولة والنظام والشعب والمؤسسات النموذج الفاعل والنشط في إطار الحكومة الإسلامية التي جذّر الإمام الخميني (قدّس) شجرتها المتينة.

 

من هنا نفهم سرعة انقلاب دول الاستكبار من تأييد نظام الشاه البائد إلى معاداة النظام الإسلامي، مع أن حقيقة التاريخ تكشف أن أمريكا وأوروبا كانت تستخدم نظام الشاه شرطياً يحمل عصا التخويف في منطقة الخليج الفارسي، وخطّطت لجعل إيران موقعاً جيوستراتيجياً لـ “إسرائيل” في قلب المنطقة العربية والإسلامية، ومحطة أمريكية متقدّمة في مواجهة قوى الشرق المتمثلة بروسيا (الإتحاد السوفييتي آنذاك) والصين، وصولاً إلى السيطرة على أنظمة المنطقة وثرواتها ومصادرة قرار شعوبها وتمييع قضاياها الأساسية وفرض نمط ثقافتها الاستهلاكية فلا يعود للناس همّ سوى الحياة اليومية بعيداً عن شؤونهم المصيرية.

 

أما في مسألة إيران بعد انتصار الثورة، فعلى الرغم من أنها واجهت حرباً كونية مفروضة بدعم وتحريض من أمريكا والكيان الغاصب استهدفت القضاء على النظام الإسلامي الوليد في مهده، كان الخطاب الإيراني واستمر ولا يزال مؤسساً على الاتحاد والوحدة والتعاون والدعوة إلى الالتقاء ونبذ الفرقة واستثمار الطاقات والجهود العربية والإسلامية لبناء منظومة مستقلّة فاعلة سياسياً واقتصادياً في مواجهة منظومة الهيمنة العالمية، والاتجاه إلى تشكيل حلف عربي – إسلامي مرتكز على العوامل الجيوسياسية التي تجمع مع بين دول المنطقة ولا سيما في محيط الخليج الفارسي لاستثمار الثروات الهائلة التي تحتويها هذه المنطقة والعمل على قطع أيدي الدول الناهبة للشعوب عن مصادرة هذه الثروات.

 

وهناك نماذج كثيرة جداً عن هذه الحقيقة التي تضمّنتها برامج الحكومات الإيرانية المتعاقبة، والتي طالما ركّزت على تبيان الخطر الأمريكي – الصهيوني الطامح إلى ابتلاع دول المنطقة وضمّها إلى حظيرة المقاطعات التابعة للمخطط التوسّعي، وقد دفعت إيران وشعبها الأثمان الباهظة جداً في هذا السبيل دون أن يدفعها ذلك إلى الانكفاء عن تحقيق أهدافها، فلا تزال تمدّ اليد إلى جيرانها وتشرّع أبوابها أمام جيرانها للاستفادة من التقدّم الهائل الذي حققته في مجالات العلم والمعرفة والصناعة والتكنولوجيا ولا سيما في تقنية النانو والطاقة النووية المخصّصة لأغراض سلمية، في الوقت الذي تتعرّض فيه إلى الحصار والتضييق والحملات المسعورة لتشويه صورتها وتحوير حقيقة أهدافها عبر تجنيد جيوش الحروب الدعائية والنفسية.

 

واليوم لا تزال إيران تواجه الاستهدافات الأمريكية – الصهيونية بالصبر والبصيرة والموقف المناسب، تارة بالمواجهة العسكرية المباشرة كما حصل في الرد الصاروخي المؤلم على العدوان الصهيوني ودعم المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق واليمن إحباطاً لمشروع “إسرائيل الكبرى” التاريخي الذي أعلن بنيامين نتنياهو عزمه على تنفيذه، وتارةً بالمواجهة السياسية عبر إبلاغ من يعنيه الأمر بأن إيران لا ترغب بإشعال الحروب، بل تبدي استعدادها لأي إجراء من شأنه جلب الاستقرار إلى المنطقة حتى لو تطلّب ذلك بعض التنازلات بشأن تجديد الاتفاق في المجال النووي مع القوى الكبرى، دون أن يعني ذلك تنازلاً عن الثوابت، بل هو تأكيد على اتجاهات السياسة الإيرانية الرامية إلى تجنيب المنطقة ودولها الدخول في أتون الصراعات المدمّرة.

 

لقد أثبتت الجمهورية الإسلامية الإيرانية أهمية دورها المحوري في ترسيخ دعائم الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم عبر حكمتها القيادية في مقاربة القضايا الكبرى، وفي المقابل تمعن الولايات المتحدة الأمريكية في الذهاب إلى خلق بؤر التوتر وإشعال الحروب في العالم وتوريط الدول للانسياق وراء سياساتها التخريبية، فتكاد لا تخلو منطقة في العالم إلا ولواشنطن دور في تسعير أوار الفتن والمعارك فيها سعياً لإضعاف الجميع ودفعهم إلى التقاتل والتناحر لتفرض سطوتها وتنهب ثرواتها، ومن المنطقي أن تكون إيران هدفاً لهذه السياسة الهدّامة لأنها ترفض الانصياع للأوامر الأمريكية وتملك الشجاعة للوقوف أمامها ومواجهتها، ولو أن الشعوب العربية والإسلامية استلهمت الفكر الوحدوي الذي أسّس له الإمام الخميني الراحل (قدس) لما استمرت أمريكا في عربدتها وطغيانها، ولكانت الأمّة اجتمعت في كيان إسلامي – عربي واحد يفرض وجوده وقراره وسيادته، ولا تستطيع أمريكا أو غيرها كسره أو الهيمنة عليه، وهذه هي الحقيقة التي لا يشوبها أي كذب أو تحوير.

 

 

المصدر: الوفاق/ خاص