جواد معصومي
اثر جلاء الامريكي المخجل من افغانستان، بعد 20 عاماً من احتلاله، وبداية الحكومة الطالبانية الثانية، كان المجتمع الدولي خاصة أمريكا يتوقع مشاهدة بؤر أزمات أمنية جديدة في افغانستان. علماً انه مع كون الأمريكان غادروا هذا البلد، الا ان ظلالهم لاتزال مشهودة بوضوح من خلال استغلالهم الاجواء المعقدة والاختلافات القائمة لاثارة التوترات والحرب الداخلية على يد لاعبين اقليميين ومن خارج المنطقة. يذكر ان حكومة طالبان تمكنت من احلال اوضاع امنية مستقرة بالتعاون مع بلدان اقليمية مهمة خاصة الجمهورية الاسلامية الايرانية. ومع ان خطر داعش خراسان لم يزول تماماً في افغانستان وتركيزهم في الوقت الحالي منصب على هذه القضية الامنية المهمة ومكافحة داعش خراسان، لكن لاتزال هناك فترة طويلة حتى احلال الأمن في افغانستان وإزالة ارهاب داعش خراسان.
إن صعوبة تنفيذ هذا الفعل الامني تكمن في نفوذ جهات وارتباطها بجيران افغانستان، ما جعلها اکثر تعقيداً وزاد من ضعف المجال الامني الافغاني. علماً انه يمكن وجود علاقة ذات مغزى بين الجانب الامني وبين ايجاد مصالح امنية على خلفية البنية القومية في افغانستان. ويبدو انه مع مواصلة هذا المسار فمن المحتمل نشوب صراعات داخلية وحدودية بسبب نفوذ لاعبين اقليميين من خارج المنطقة، والسبب هو سعي تيارات متطرفة لاشعال نار حرب لنيل السلطة والمقدرة في افغانستان حالياً.
ان احد السبل الفاعلة في تثبيت الامن في افغانستان يمكن ان يكون باستخدام التعاضد والمشاركة الميدانية الواقعية بين كافة المكونات التي لها دور ذو تأثير في البنية الحاكمة. وتجدر الملاحظة انه بعد اندلاع الحرب الاوكرانية جرى التأكيد على موضوع النظام العالمي الجديد. وفي حالة النجاح في المحافظة على الاستقرار الامني، فسيتوفر مناخ ملائم لايجاد حصة لافغانستان في المنظومة الاقليمية الجديدة، خاصة في المجال الاقتصادي.
يشار في هذا السياق الى ان لأفغانستان ماضي ترانزيت تأريخي في طريق الحرير ، واليوم ارتفعت كثيراً اهمية دور الطرق التجارية في تنمية المجالات الامنية الدائمة، وافغانستان تتمتع بما يلزم من امكانيات لإحداث أدوات قدرة بالاستفادة من دور الطرق البرية والسككية. وفي الوقت الحالي فان الجمهورية الاسلامية الايرانية، بوقوفها الى جانب شعب افغانستان وحكومة طالبان، برهنت على استعدادها لمد يد المساعدة في تحقق هذه الاستراتيجيات بتوقيعها مذكرات تفاهم متعددة بما فيها في مجالي الطاقة والمناجم. مقابل ذلك، هناك تيارات متطرفة ومثيرة للأزمات تسعى وراء اشعال نار حرب حول السلطة، حيث انه اذا لم ينظر اليها بعناية كافية من قبل طالبان فستواجه (طالبان) في المستقبل اوضاعاً متوترة داخل مكوناتها وحتى حدوث نزاعات حدودية. ان التركيز على دور وتأثير السعودية والامارات وأيضاً باكستان، في افغانستان، هو أمر جدي ولا يمكن تجاهله. ويمكن القول ان أمريكا وأصدقائها في المنطقة عاكفون على حث وتشجيع الجيش الباكستاني ليزيد من حجم التوتر على الحدود، وربما أيضاً شن الهجوم على افغانستان.
علماً ان مؤسسة استخبارات الجيش الباكستاني (آي اس آي) تواجه مكون بشتون الطالبان بعدد ابناءه الملحوظ، داخل باكستان وعلى الحدود الافغانية، الذين يطالب بعضهم باستقلال اراضيهم والانفصال عن البلاد، والذين يبدو ان أمريكا وضعتهم في جدول اعمالها كونها تعتبرهم فرصة مواتية لتقوم بتعزيزهم ودعمهم لغرض اثارة النزاع على حدود افغانستان – باكستان. وتهدف الولايات المتحدة، من خلال اثارة التوتر، ان تقلص من حجم الحالة الامنية ليؤدي هذا بالتالي الى عدم تطوير الاتفاقيات والعقود من مختلف مجالات الطاقة والترانزيت والمناجم وغيرها، التي نجحت عن الجهود التي بذلتها ايران وافغانستان مؤخراً.
يشار الى ان الخطوات الاساسية التي خطتها واشنطن في باكستان لكي تتحقق استراتيجيتها، بالتعاون مع السعودية والامارات، في اثارة التوتر والنزاع، كانت لدعم وتثبيت شهباز شريف والحيلولة دون مشاركة عمران خان في انتخابات سلمية، اما في حال عدم نجاحه فلا يستبعد حدوث اضطرابات في البلاد. لكن في ظل الاوضاع الحالية في باكستان والاضطراب في الامور الاقتصادية والمعيشية الناتجة عن السيول المدمرة والحاجة لاقتراض 8 ميليارات دولار، هذه كلها تشكل موضوعاً على قدر كبير من الاهمية والذي انتبهت اليه السعودية والامارات ووضعتاه على جدول المسار الحالي ما يدل على احتمالية لعبهما دوراً رئيسياً في اثارة الاضطرابات وتحقيقهما الهدف الأمريكي في احداث النزاع، ولو بشكل محدود، على حدود باكستان – افغانستان.
ويتذرعان بذراع مثل قضايا النتخابات ومطالبة بعض بشتون طالبان في باكستان وافغانستان بالاستقلال، التي ولدت النزاع والتوتر في مناطق مثل ممر واخان. ومن الواضح ان الاخلال بالاوضاع الامنية والسياسية في باكستان وافغانستان سيبطيء من مسيرة العقود والاتفاقيات وتقدم المشاريع، ومع الهجمات الاعلامية من قبل وسائل الاعلام الصهيونية وتقوية الارهاب الداعشي بالمنطقة، فسيؤدي هذا في المحصلة الى عزلة حكومة طالبان وعدم قبولها لدي المجتمع الدولي.
العنصر ذو الاهمية هنا هو انه مع تكوّن ممرات آسيا المركزية والهند وباكستان، والتحول في الدور الاستراتيجي لأفغانستان في الممرات السككية والبرية، ستعمل على تقدم وتطور مشروع وتنمية التبادل التجاري الافغاني مع الجيران وعلى المستوى الدولي. كما ان طريق الحرير التأريخي يبين المزيج مع الثقافة العريقة، بمعنى ان ايجاد الممرات تلك سيقرّب افكار وتوجهات حكومة وشعب افغانستان مع الجيران. لكن، هل ستتمكن الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، من خلال ممارستهما الضغوط والتغلغل في المنظومة الاستخبارية للجيش الباكستاني (آي إس آي)، علاوة على فرضهما تغييرات مثل ما يتعلق بعمران خان والبشتون المتواجدون في الحدود الافغانية – الباكستانية في منطقة ممر واخان، هل ستتمكنان من اثارة اجراءات سياسية ونزاعات عسكرية بين هذين البلدين؟
من خلال الدراسة والتحقيق في نظرية لعبة الحرب، يبدو ان مشاركة عمران خان في الانتخابات ستؤدي ربما الى فوزه، لكن الحيلولة دون مشاركته أو عدم فوزه، لا يستبعد ان تثير استياء ابناء الشعب الباكستاني. ومن الضروري الانتباه الى ان تواجد عمران يعني ان سيطرة أمريكا في باكستان ونشوب نزاعات حدودية مع افغانستان وتوجه باكستان نحو الشرق، لن تكون شيئاً مؤكداً. مع العلم ان المواجهة العسكرية في منطقة ممر “واخان” حصلت لأسباب مثل حساسية افغانستان وشيعة كشمير والموقف الهندي وأهالي مقاطعة سنجيانك الصينية، فزادت من تعقيد هذا الملف الامني.
لكن تواجد الامريكان مدة 20 سنة في افغانستان أقام الدليل على ان استراتيجية واشنطن لا تعتمد سوى انعدام السلام والاستقرار وجعل هذا البلد يعمل لصالحها. وفي ظل الاوضاع الجارية، من المهم للغاية لحكومة طالبان ان تنظر بعناية لقضية الطوائف والحدود والعلاقات مع الجيران، خاصة باكستان. ويبدو انه من خلال بحث وامعان النظر بدقة في الامور الجارية بما فيها مباحثات السعودية والامارات مع باكستان، ان تنجي حكومة طالبان الثانية من ان تؤخذ، استراتيجياً، على حين غفلة منها.