قبل أسابيع، ألقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كلمة، في افتتاح مشروعات جديدة في محافظة الجيزة، وتطرق خلالها إلى موضوع الزواج ومنظومته في مصر، وأعلن أنّ الحكومة شكلت لجنة قضائية بقرار من وزير العدل، لوضع مقترح جديد لقانون الأحوال الشخصية، منذ عدة أشهر، وسيرى النور قريباً.
قانون سيبصر النور
أثار بعض بنود المشروع ضجة، منها إنشاء صندوق للأسرة يضمن وجود عائد مادي شهري للأم والطفل بعد الانفصال، بدلاً من المعاش الضئيل الذي يوفره بنك ناصر (500 جنيه حالياً)، لكن هذا الصندوق سيتم دعمه عبر إيداع مبلغ من كل ثنائي مقبل على الزواج، الأمر الذي فتح الباب لكثير من اللغط من الشباب، وبعضهم بالغ في الترويج لشائعات تفيد بأن الزوجين سيتعيّن عليهما دفع مبلغ 30 ألف جنيه للصندوق قبل زواجهما، وهو الأمر الذي تم نفيه رسمياً.
بنود أخرى شملها المقترح الجديد، بحسب صحيفة “اليوم السابع” المحلية، منها إعداد وثيقة اتفاق قبل الزواج وأخرى عند الطلاق، كذلك تسجيل الطلاق رسمياً وإعلام الزوجة بذلك، لكن أكثر ما أثار حفيظة رواد مواقع التواصل الاجتماعي هو ضرورة إجراء كشف طبي وفحص شامل قبل الزواج لكلا الزوجين، مشتملاً إجراء فحص للمخدرات، وهو ما لم تؤكده الحكومة أو تنفِه حتى الآن، الأمر الذي عدّه البعض فضيحة وكشفاً لغطاء كثيرين أمام الأهل.
تخوفات مشروعة
فاتن صبحي شابة مسيحية “على وش جواز”، مثلما يقال باللهجة المصرية، تقوم بالتجهيز للزفاف مع خطيبها بيشوي عطية، لكن كلما اقتربا من تحقيق وإنجاز أمر ما، يتفاجآن بأن الأمور تسوء أكثر فأكثر؛ فالأسعار تزداد يوماً بعد يوم، ما يعني أن كل ما يدّخران مبلغاً لشراء مستلزمات ضرورية يصبح سعرها في اليوم التالي مضاعفاً، وما زاد الطين بلة وأثار قلقهما أكثر، ما سمِعاه عن مصاريف رسمية مطلوبة لإتمام الزواج، والحديث عن قانون الأحوال الشخصية الجديد، وبنود جديدة تضيف أعباء على المقبلين على الزواج.
تقول فاتن : “أنا وخطيبي مشغولان في إجراء تحاليل ما قبل الزواج، ولا قدرة لنا على دفع مصاريف إضافية، حتى أننا اضطررنا إلى إلغاء أساسيات مثل الغسالة”. لا تتقبّل فاتن وخطيبها الكلام المثار عن رسوم إضافية وصندوق الأسرة، وتعدّه استفزازاً للشباب في ظل ظروف تعصف بكل آدميتهم، حتى لو كان مجرد كلام.
“تبدو الحكومة والنواب وكأنهم يعيشون في كوكب آخر” تقول فاتن، مضيفة أنهم يتحدثون دائماً عن تقليص نفقات الزواج، ويطالبون الشباب أن يبدأوا حياتهم بإمكانيات أقل، وأن يكتفوا بالضروريات فقط، وكأن الشباب يبالغون في ظل هذه الظروف مع رواتب منخفضة وتضخم يزداد يوماً بعد يوم وارتفاع أسعار السلع والخدمات!
سألنا بيشوي إذا كانت لديه الهواجس نفسها، فأجاب: “نكاد لا نتحدث إلا في هذا الشأن، فتكاليف الفحوصات تفوق طاقتنا المادية، والأسعار تزداد يوماً بعد يوم، فضلاً عن تكلفة حجز الكنائس لإتمام المناسبة وقاعات الأفراح ورسوم تأمين الأسرة. في الواقع، نحن نجدها تهريجاً وكأنّ المسؤولين يعيشون خارج هذا الكوكب.”
تتخوف فاتن وبيشوي من مصروفات صندوق الأسرة، وتقول: “لم يتم تطبيق قرار الصندوق حتى الآن، لكن يقال إن المبلغ قد يصل إلى نحو 30 ألف جنيه، فيما تكلفة الفحوص تبلغ نحو 600 جنيه، فضلاً عن مصروفات رسم الخطبة 1500 جنيه، وتختلف رسوم الإكليل حسب المنطقة، وقد تصل إلى 20 ألف جنيه.
منى (اسم مستعار) هي شابة مسلمة “على وش جواز” أثارت الأخبار الأخيرة قلقها، الأمر الذي دفعها وخطيبها إلى التعجيل بإتمام كتب الكتاب، تحسباً لأي طارئ سيجدّ من ناحية الحكومة، على الرغم من أنهما لم يتمما تأسيس منزلهما بعد، وقررا الاستغناء عن أساسيات عديدة فيه.
منى قالت إنهما قررا طلاء المنزل بالدهان، الذي يزداد سعره يوماً بعد يوم، واقتناء غرفة نوم فقط، وشراء أدوات بسيطة للمطبخ، والاستغناء عن الثلاجة والغسالة والتلفزيون.
رأي البرلمان
قالت النائبة في البرلمان المصري، نشوى الديب إن الحكومة لم تقدم المقترح رسمياً إلى البرلمان لمناقشته، حتى الآن. لكن، ما خرج هو مؤشرات على الأفكار التي ستكون موجودة في القانون، مضيفة أن وزير العدل قال إنهم أعدوا 188 مادة لكنّهم، حتى الآن، لم يروا أي مادة مكتملة، سواء كبرلمانيين أو كمجتمع حتى تتم مناقشتها. وتابعت أنه عند عرض المقترح سيكون هناك حوار مجتمعي.
أمّا عن تخوفات البعض مما يسمّى بـ”صندوق الأسرة”، فقالت إن هذا الصندوق موجود بالفعل منذ عام 2004، وفقاً لقانون 11، وهو يتبع بنك ناصر الاجتماعي، وكان يتم دفع مبلغ بسيط من المطلق والمطلقة (50 جنيهاً)، وكذلك المتزوج ومن يرد زوجته بعد تطليقها مرة أخرى، و50 جنيهاً أيضاً لكل شهادة ميلاد، كل تلك الموارد كانت تدخل إلى الصندوق مباشرة.
أما عما أثير بشأن مصروفات “صندوق الأسرة” والتي تقدّر بـ 30 ألف جنيه، حسبما روّج لذلك البعض، منهم صفحة منسوبة إلى مأذون شرعي يدعى محمد محمد درويش مصطفى دعا الشباب إلى الإسراع في الزواج قبل صدور قانون الأسرة الجديد كي لا يدفعوا 30 ألف جنيه لصندوق دعم الأسرة، عن ذلك قالت النائبة نشوى الديب إنه “كلام سوشال ميديا” ولا أساس له من الصحة، ولم تصرح به الحكومة، وقد أكد الرئيس أن المبلغ سيكون بسيطاً يقدر على دفعه الناس، وهو ما ستتم مناقشته.
أمّا المقترح الجديد للصندوق فهو، بحسب نشوى الديب، سيحمي حقوق المرأة المطلقة وحقوق أطفالها، وسيدفع الصندوق كل النفقة المقررة من قبل المحكمة وسيحصّلها فيما بعد من الزوج، سواء كان متهرباً أو لا.
وبحسب تصريحات السيسي في المؤتمر، فإن ما يضعه المواطنون من مبالغ في الصندوق ستضع الدولة مثلها، لتكون موارد الصندوق في هذا العام 2 مليار جنيه.
ترى الديب أن هذا المقترح سيحل مشكلات تخص وضع الصندوق الحالي، إذ قرر وزير العدل عام 2008 أن تكون أقصى نفقة سيخرجها الصندوق هي 300 جنيه، زادت حتى وصلت 500 هذه الأيام، وباقي النفقة لا يتم دفعها، وهو بذلك مخالف للقانون.
مؤسسة قضايا المرأة المصرية تعمل على مقترح قانون منذ عام 2003، تم تقديمه إلى البرلمان على يد النائبة نشوى الديب العام الماضي، وحصلت على توقيعات عليه تخطت الـ60 توقيعاً.
الديب قالت إن المشروع كان يتضمن بعض البنود التي تم الإعلان عنها ضمن مشروع الحكومة، منها تسجيل الطلاق كتابياً وصندوق الأسرة وحضانة الأم المسيحية وغيرها.
أما عن الفحوص المطلوب من الثنائي إجراؤها قبل الزواج، فقالت إنها ضرورية لمعرفة ما إذا كان أحدهما حاملاً لأمراض قد تكون مُعدية أو تمنع الإنجاب.
أخبار غير مطمئنة
لم تطمئن لمياء لطفي، الحقوقية وعضو مؤسسة المرأة الجديدة، إلى إعلان الحكومة عن مشروع قانون جديد، خاصة أنه تم في الخفاء ثم أعلنوا أنهم يعدّونه منذ شهور، لكن من دون أن يستشيروا إحدى المنظمات التي قدمت نسختها الخاصة من المقترح كمؤسسة قضايا المرأة، أو حتى المجلس القومي للمرأة الذي أعد مقترحاً جيداً.
لكن بعض البنود التي تم كشفها مطمئنة لها حتى الآن ومنها توثيق الطلاق الشفهي، على الرغم من قلقها من تصريحهم بأنهم استندوا إلى المذاهب الأربعة في إعداد المشروع، فالاستناد إلى المرجعيات الدينية في تشريعات مصرية تُخرج دوماً أسوأ تفسيرات الفقهاء، كما تتشكك في نية الحكومة وضع القانون للمناقشة المجتمعية، وذلك بعد أن استبعدوا بعض الفئات من لجنة المشروع مثل المحامين.
وتنقل لنا لطفي تخوفات بعض الأمهات الحاضنات من بعض بنود المشروع الجديد، مثل مادة تتيح للأب استضافة الطفل لعدة أيام في البيت، وتقول إن الأمهات متخوفات من خطف الأبناء ومساومتهن، فالدولة لا تعترف بجريمة تسمى خطف الطفل بواسطة أبيه أو الشخص غير الحاضن، وخاصة إذا كان الأب مُعنفاً للأم سابقاً أو للطفل.
وتقول عضو المرأة الجديدة، إنّ حوادث خطف الأطفال من قبل آبائهم تحدث من دون استضافة، فأحياناً يخطفون الأطفال من أمام المدرسة، أو من منزل الأم بالقوة أو من النادي وغيرها، فماذا سيحدث لو أعطاه القانون الحق في الاحتفاظ به لأيام، وقتها لن يعيد الطفل، ولا توجد هناك مواد قانونية تجبره على إعادته إلى الأم.
سميرة (اسم مستعار)، أم لطفلين، مطلقة، هي أيضاً متخوفة من إضافة مادة تتيح للأب الاحتفاظ بالأطفال عدة أيام بعيداً عنها، فلا تأمن لما سيفعله معهم ولا كيف سيتحدث عنها معهم، أو أن يهدم كل ما تحاول بناءه في أطفالها، أو إهمال واجباتهم المدرسية، وقد يلجأ إلى مساومتها لإعادتهم إليها.