د. أحـمـد الـزين/ لندن
كان نظام الاتحاد السوفياتي في زمن الثمانيات والتسعينيات من القرن الماضي هو العدو الرئيس للولايات المتحدة الامريكية وللغرب، وكان يشكل طيلة الحرب الباردة تحديًا أيديولوجيًا وتهديدًا أمنيًا واقتصاديا لهم.
وبعد أفول الايديولوجية الشيوعية، تنامى العداء بين الغرب والإسلام، وأصبح الإسلام هو العدو الجديد لامريكا والغرب الرافض للسيطرة والهيمنة الامريكية، والاستعمار والاحتلال الغربي، واصبح الاسلام هو الايديولوجية الرزينة المنافسة والمقاومة لقيم الحضارة الغربية المادية والافكار الوضعية الشاذة والتي تتعارض مع الفطرة الانسانية السليمة.
وبعد إنتهاء الصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي ووقف الحرب الباردة بينهما، اجتمع ”غورباتشوف“ الذي أشرف على حل الاتحاد السوفييتي بـ ”مرغريت تاتشر“ رئيسة وزراء بريطانيا آنذاك بالرئيس الأمريكي ”ريغان“ ليعلنوا أن الإسلام وحضارته وشعوبه هم العدو المقبل للحضارة الغربية.
لمواجهة الخطر القادم والمتمثل بالإسلام والأصولية الإسلامية، أعلنت أمريكا محاربة الإسلام من خلال حملات مكافحة الإرهاب الإسلامي، وبدأت وضع سياسات العالم والتدخل في مصائر شعوبه ودوله، فاحتلت ليبيا وأفعانستان والعراق وسوريا..
ومع صعود المارد الإسلامي في أوروبا، بدأ سياسيو اليمين المتطرف يعتقدون أن الإسلام هو العدو الأول والخطر الأكبر على مستقبل القارة الاوروبية وقيم الحضارة الغربية المادية.. ومن هذه الرؤية الخاطئة أصبحت السويد والدنمارك وفرنسا وبريطانيا أكثر الدول الأوروبية محاربة وعداء للإسلام والمسلمين. وقد أثبتت عمليا الحكومة السويدية تطرفها وتشددها وحقدها ضد الإسلام بالسماح لزعيم حزب “هارد لاين” اليميني المتطرف، الدنماركي، ”راسموس بالودان“، بحرق نسخ من القرآن الشريف أمام مبنى السفارة التركية في ستوكهولم، وسط حراسة أمنية مشددة.
هذه الحادثة المشينة الاستفزازية غير المبررة، أثارت مشاعر وغضب المسلمين كافة بمختلف مذاهبهم وأنتماءاتهم، وهي تظهر بوضوح مدى التطرف والعنصرية والفاشية والنازية والعداء والحقد والكراهية الذي تكنه أوروبا والغرب ضد أكثر من مليارين مسلم حول العالم.. في وقت أرجعته السويد إلى”حرية تعبير”. والحقيقة هذه الجريمة النكراء بحق الإسلام والمسلمين لا تندرج تحت مفهوم “حرية التعبير” بتاتا كما يدعي الغرب، بل هو فعل عدائي يؤكد هزيمة فكر وحضارة وأيديولوجية اوروبا والغرب المزيفة، وتعبر عن مدى السقوط المدوي للحريات المنافقة والكاذبة في بلاد الغرب وتنفضح حقيقة صورتها المصطنعة أمام هذا الكتاب العظيم الذي لا يدعو إلا للصلاح والهدى والبناء والحضارة والحياة والمحبة والاستقرار والسلام.
لقد كشف الغرب مرة أخرى عن طبيعته الحيوانية الحقيقية المتوحشة، لأن القيم والمبادئ الديمقراطية الغربية والحرية المزعومة المعلنة يتم تطبيقها بازدواجية ومزاجية.. وبدأت الدول الاوروبية يتناوبون على سياسة حرق نسخ القرآن الكريم والإساءة لنبي الإسلام محمد صلى الله عليه وآله، كأنه أمر أعتيادي. ويدافع وزير الخارجية السويدي عن هذه الممارسات الشاذة ويضعها في إطار “حرية التعبير”، غير ان الواقع والمنطق يحكمان أن “حرية التعبير” لا يمكن أن تكون بالاعتداء على مقدسات الأخرين والاستهزاء بمعتقداتهم، وإن الحرية لا تتجزأ ولا يمكن أن تكون بالسماح بحرق أي من الكتب السماوية المقدسة: التوراة، او الانجيل، أو القرآن الكريم.
وهذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها إعتداء على مقدسات المسلمين، إذ سبق وأن حدثت وقائع مماثلة في فرنسا، حيث وقع الاستهزاء بشخصية رسول الله محمد صلى الله عليه وآله عبر رسوم كريكاتورية نشرتها مجلة “شارلي إيبدو” الفرنسية الساخرة. كما نشرت المجلة رسوما كاريكاتورية مسيئة ومهينة لمراجع وعلماء المسلمين ورموزهم الدينية.. وضد السلطة الدينية والسياسية في إيران من بينهم المرشد الاعلى للجمهورية الإسلامية السيد علي الخامنئي.. فالغرب لا يقيم وزناً للأديان والعقائد والرموز، ولا تحترم الشخصيات الدينية المقدسة بما في ذلك النبي عيسى عليه السلام الذي بشّر بالمسيحية.
ان تعمد إحراق نسخ من القرآن الكريم بشكل ممنهج ومتكرر في السويد وغيره من الدول الاوروبية هو تجاوز الخطوط الحمراء وتخطى حدود حرية التعبير، لان الامر يتعلق بالنظرة الدونية للأديان وللحد الفاصل بين حرية التعبير وازدراء المعتقدات.. والذي يعتبر خطوة تحريصية نحو تأجيج مشاعر المسلمين واستفزازا خطيرا لإثارة خطاب العنصرية والكراهية وتهديدا للتعايش السلمي بين المجتمعات، ودليل واضح على مدى انحطاط وزيف الديموقراطية الغربية وشعارات الحرية المزعومة التي يتشدقون بها كذبا ونفاقا وزورا وبهتانا.. والدليل على ذلك فان حرية الرأي في السويد هي حرية مزاجية إنتقائية موهومة وتفصل على مقاس الحضارة الغربية المجردة من القيم والاخلاق، والمخادعة بقناع الإنسانية المزيفة..
ورغم إدعائهم بان القانون السويدي يكفل حق حرية الفكر والتعبير عن الرأي، لكن ذلك الحق قد يتلافى لو أن احدا انتقد اليهود ومعتقداتهم وجرائم الصهاينة وعارض المحرقة “الهولوكوست” المزعومة، فانهم لا يدرجون ذلك تحت حق “حرية التعبير”، بل يعتبرونه عملا عدائيا من معاداة السامية ويحاكم المرء ويسجن. أما لو أردت ان تعبر عن رأيك وتعارض او تنتقد الشذوذ والمثلية والمثليين تصبح وحشيا ومعاديا لحقوق الانسان وربما تخسر منصبك ووظيفتك..
لذلك استنكر قائد الثورة الإسلاميّة، الإمام الخامنئي، الإهانات الأخيرة بحقّ المقدّسات الإسلاميّة والقرآن الكريم في دول أوروبيّة عدّة. وقد بيّن موقفه على حسابه باللغة العربيّة على تويتر قائلا: “إن الإهانة الجنونية للقرآن تحت شعار حريّة التعبير تُثبت أن هدف هجمات الاستكبار أصلُ الإسلام والقرآن. رغم مؤامرة الاستكبار، ازداد القرآن إشراقاً والمستقبل ملكٌ للإسلام. فليبادر أحرار العالم كلهم إلى الوقوف بجانب المسلمين والتصدّي للسياسة الخبيثة في بثّ الأحقاد وإهانة المقدسات“.
نعم، لقد بقي القرآن الكريم محفوظا منذ نزوله، وسيبقى محفوظا إلى يوم القيامة؛ هذا وعد الله سبحانه وتعالى الذي قال عنه: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ}، (سورة البروج، ٢١ -٢٢ ).
إن من يحرقون كتاب الله عز وجل سيلقون عاجلا ام آجلا سوء العذاب وهم في الاخرة هم الاخسرون. لأن الإسلام حق، ومحمد صلى الله عليه وآله حق، والقرآن الكريم حق ونور الله، والله سبحانه وتعالى يقول: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}، (سورة الصف، ٨).
فإن إحراق القرآن الكريم من قبل الغرب هو إستهداف للحق والخير والإيمان لتشويه قيم الاخلاق والمبادىء الانسانية التي تخلوا عنها، ومحاولة لطمس الدين والترويج للشهوات والرذائل ونشر الفساد والضلال والانحراف والشذوذ.. ولكن رغم كل هذه الحملات الشيطانية الماجنة، بقي القرآن الكريم محفوظا منذ نزوله مطهرا من الرجس والدنس والتحريف، وسيبقى محفوظا مطهرا عبر العصور والازمنة إلى يوم القيامة؛ هذا وعد الله سبحانه وتعالى، وعد غير مكذوب، الذي قال عنه: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ}، (سورة البروج، ٢١ -٢٢). وكفى بالله العلي القدير الحسيب وهو الحفيظ والحافظ والمنتقم المعاقب لمن يستحق العقوبة والعقاب ولكل من أجترأ وتطاول على نبيه وكتابه..