رسّام إيراني للوفاق:

الرسم الإيراني مستمد من العقائد التوحيدية

خاص الوفاق: لوحة "نبي الرحمة" مستوحاة من قصة بعثة الرسول(ص)، نرى المزيد من النساء حول النبي(ص)، بسبب النظرة الخاصة التي كان الرسول(ص) ينظر بها إلى المرأة،وأهميتها.

موناسادات خواسته

 

إن الله تعالى هو أرحم الراحمين ونحن في شهر الرحمة المشهور بالأصب، شهر رجب الذي يصب الله تعالى رحمته، كما بُعث نبي الرحمة في هذا الشهر، ونحن على أعتاب عيد المبعث المبارك.

 

جاء في الحديث عن رسول الله(ص): “إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ اَلْأَخْلاَقِ”، وما أجمل أخلاقه ورحمته ومودته مع جميع أبناء البشر، وهو الأنموذج الكامل للبشرية جمعاء، كما يقول الشاعر الإيراني الشهير سعدي الشيرازي: بَلَغَ العُلیٰ بِکَمالِهِ/ کَشَفَ الدُّجیٰ بِجَمالِهِ/ حَسُنَت جَمیعُ خِصالِهِ/ صَلُّوا عَلَیهِ وَآلِهِ.

 

يتطرق إلى موضوع الرسول(ص)، كثير من الفنانين في لوحاتهم، منهم الفنان والرسّام الإيراني الأستاذ “حسين حبيبي” الذي أقيم معرض فني له في الأيام الماضية تحت عنوان “نقش نهان” في “حوزه هنري بطهران، والمعرض كان يشمل لوحات فنية دينية بديعة، منها لوحة “نبي الرحمة” للرسول الأعظم(ص) ولوحة “المنجي” لصاحب الزمان(عج)، وغيرها، يُعرف “حبيبي” بريشته الفنية الرائعة ورسوماته الدينية، فعلى أعتاب عيد المبعث المبارك أجرينا حواراً معه، فيما يلي نصه:

 

 

 

ميزة الرسم الإيراني

 

بداية كان الحديث عن الميزة الخاصة للرسومات الإيرانية الإسلامية، فقال الأستاذ حسين حبيبي: الرسم الإيراني الإسلامي هو رسم مستمد من العقائد التوحيدية، وإذا أردنا أن ننظر إلى أصله حتى في إيران القديمة فهو مستمد من هذه العقائد.

 

على مر العصور والتاريخ وتقدّمه، ووصوله إلى العصر الإسلامي، تستمر نفس العملية، في الحقيقة، فإن الفارق الرئيسي بين الرسّام أو من يعمل في مجال الرسم الإيراني هو أن هذه المعتقدات التوحيدية ونظرته للعالم هي عمود هذا الفن، هذا الفنان لا ينغمس في فضاء التعددية، بل يسافر عبر هذا الفضاء، والموضوع الأصلي والفضاء الرئيسي، هو معتقداته الإلهية والتوحيدية والقضايا الأخلاقية، ويحافظ على تلك إرتباطه مع رب العالمين والذي يبقى دائماً مرتبط بتلك الوحدانية بحبل مختفي.

 

معرض “نقش نهان”

 

 

فيما يتعلق بمعرض “نقش نهان” ومواضيع اللوحات الفنية في المعرض وأسلوب المستخدم فيها يقول الأستاذ حبيبي: تناول المعرض، قضايا اجتماعية ودينية، وشخصيات دينية، والأئمة عليهم السلام، والنبي(ص) نفسه، وحتى القضايا المعاصرة التي نتعامل معها بطريقة ما، مثل القضايا الثقافية التي تتضمن هذه المواضيع، وقد بُذلت جهود كبيرة لتحديد العمل الجرافيكي بما يتماشى مع أذواق اليوم، وأقرب إليها، لأنه من المهم جداً التواصل مع الأناس المعاصرين الذين يعيشون في هذا العصر، وبالطبع هذا لا يعني أننا نريد أن نجعل فننا شبيه بالفن الحديث، حتى نتمكن من التعبير عن آرائنا، بل محاولتي في الرسم هي عرض اللوحة بطريقة تقدّم شكلاً جديداً للأسس والمبادئ الموجودة في الرسم الإيراني.

 

لوحة “نبي الرحمة”

 

 

أما حول لوحة “نبي الرحمة” والألوان المستخدمة فيها يقول حبيبي: إن لوحة الرسول محمد(ص) تحت عنوان “نبي الرحمة” مستوحاة من قصة بعثة الرسول(ص) التي ألهمته من حديث النبي محمد(ص) الذي يقول: “إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ اَلْأَخْلاَقِ”، وعلى هذا الأساس فإن عناصر الصورة سواء اللون أو الشكل، وكل الشخصيات التي ظهرت، كلها تهدف إلى عكس مشاعر النبي(ص)، أي لطفه ومودته، لون الأزرق هو لون مهدئ، على الرغم من أن الأزرق هنا أقرب إلى الأزرق الفيروزي إلى حد ما، والرسول(ص) هو الذي يشكّل وجهه المبارك مركز العمل، وهو مضيء ونور، والأشخاص الذين حول النبي(ص) هم في الحقيقة ممثلو الناس في أطراف الرسول(ص) لم يكونوا محدودين في إطار الزمان والمكان، بل يظهر هنا المزيد من مفهوم الأشخاص والمجتمع حول النبي(ص)، وهناك نقطة في هذه اللوحة، نرى المزيد من النساء حول النبي(ص)، بسبب النظرة الخاصة التي كان الرسول(ص) ينظر بها إلى موضوع المرأة، وكانت قصة “وأد البنات” في الجاهلية في ذهني، وحاولت بطريقة ما أقدّم رؤية النبي(ص) لأهمية المرأة ومكانة الأمومة، وكان التركيز على هذه القضايا بشكل أكبر.

 

إختيار موضوع اللوحات الفنية

 

وحول إختيار موضوع لرسم اللوحات، يقول الفنان الإيراني: المواضيع التي أختارها لا تُعد ولا تُحصى، وهذا يعني أنه عندما يريد الفنان أن يبدأ العمل، فإنه يكون لديه تلقائياً المزيد من المواضيع الأساسية في ذهنه. بالنسبة لي، كان الأمر كذلك، عندما رأيت أن هناك مواضيع مهمة، انتقلت تلقائياً إلى مواضيع أكثر أهمية وبالنسبة لي، كان الموضوع الرئيسي هو الشيء الأكثر أهمية.

 

تأثير الرسم بين الفنون المختلفة

 

عندما سألنا الأستاذ حول مدى تأثير الرسم بين الفنون المختلفة الأخرى، هكذا رد علينا بالجواب: نرى تأثير الرسم في عالم اليوم بطريقة تشبه لوحات المتحف تقريباً، أي ممكن أن نرى هناك لوحة تتعلق بالماضي وليس لديها ما تقوله للعالم في الوقت الحالي على وجه الظاهر، لكن الأمر ليس كذلك، أي أنه على الأقل في جغرافيا العالم الإسلامي له مكانه الخاص، ولا يزال كذلك.

 

في القرن الأخير، وبسبب الفراغات التي كانت لدينا، وإدخال الثقافة الغربية والفنون الحديثة وما بعد الحداثة، فقد أصبح هذا الأمر على الهامش إلى حد ما، ولم يكن محط الإهتمام به، وتطلب الأمر من الفنانين والمسؤولين الذين يعملون في هذا المجال أن يولوا اهتماماً خاصاً وأن يعتقدوا أنه يمكن لهذا الفن أن ينمو، ويكون له حديث جديد، في إطار أشكال جديدة بالفعل، لأن الرسم يمكن أن يتخذ أشكالاً جديدة، وكانت الموضوعات دائماً مواضيع ثابتة للبشرية، وإذا أردنا أن ننظر إلى القضايا الاجتماعية والسياسية بطريقة حديثة، يمكن أيضاً الإجابة عليها من خلال هذا الفن.

 

لكن الأمر يتطلب العمل والجهد، ودعم الفنانين والناشطين في هذا المجال والتخطيط الذي يجب القيام به أمر مهم للغاية حتى يتشكل هذا الفن، لأنه يتمتع بنظرة عالمية موحدة، فهو متوافق جداً مع الأجواء الدينية والمذهبية، ولديه صلة بالإسلام وهذه الأجواء.

 

لكن الأمر يتطلب العمل والجهد، ودعم الفنانين والناشطين في هذا المجال والتخطيط الذي يجب القيام به أمر مهم للغاية حتى يتشكل هذا الفن، لأنه يتمتع بنظرة عالمية موحدة، فهو متوافق جداً مع الأجواء الدينية والمذهبية، ولديه صلة بالإسلام وهذه الأجواء.

 

كما نشاهد هذا الفن في إيران قبل الإسلام وبعده، فقد كان هذا الفن محل اهتمام دائم حتى وقت قريب، عندما جاءت الآراء المتطورة والفنون الحديثة، التي لا تستند إلى كثير من الأسس الدينية، فقلصت إلى حد ما من هذا الدور.

 

الرسم والرسوم المتحركة

 

بعد ذلك قلنا للأستاذ حبيبي لديكم أيضاً نشاط في مجال الرسوم المتحركة، أيهما أكثر فعالية؟ الرسوم المتحركة أو الرسم؟، فقال: بالطبع، الرسوم المتحركة، مثل السينما، لها تأثيراتها الخاصة، لكنها ذات نطاق أوسع، الرسوم المتحركة فعالة جداً للأطفال والمراهقين، وتتلقى الكثير من ردود الفعل، لكن الرسم يثير اهتمام الأعمار الأكبر بسبب المواضيع التي يتناولها، ولكن هناك أيضاً القدرة في الرسم على تحديد رسوماته بطريقة فعّالة للأطفال الصغار، بل يمكننا حتى استخدام الرسم في شكل رسوم متحركة، وهذا العمل له تقنياته الخاصة التي يستخدمها الفنانون العاملون في هذا المجال.

 

ولكننا لم نعمل في هذا المجال، أي أننا لا نملك رسوم متحركة مبنية على مزاج اللوحة، وقد تم تنفيذ بعض الحالات بطريقة الكاثودية، ولكنها ليست عملاً رئيسياً، وفي كل الأحوال، فإن تأثير اللوحة له تأثيره الخاص الذي يؤثر على كبار السن بهذا الشكل. وله شكل من أشكال العرض.

 

فن المقاومة

 

فيما يتعلق بفن المقاومة وتأثيره في العالم، يقول الأستاذ حبيبي: عندما يريد الفن أن يلعب دوراً في قضية المقاومة، فمن الطبيعي أن يفهم الفنان قضية المقاومة جيداً، أي أن يفهم الأحداث التي تجري منذ سنوات والنظرة الاستعمارية التي تعود إلى قرون مضت لهذه المنطقة، وإذا لم نرغب في العودة إلى الوراء كثيراً والنظر إلى القرن الماضي أو القرنين الماضيين ونطلق عليه فن المقاومة، فإن هذا الاعتراف مهم جداً للفنان، حتى يتمكن من خلق أعمال في مجالات مختلفة يمكن أن يكون لها تأثير كبير على المجتمع، والجمهور.

 

أعتقد أن هذا مهم جداً لإنتاج عمل في إطار موضوع المقاومة، ونحن نعلم أن الاستعمار كان حاضراً في منطقتنا منذ سنوات عديدة، منذ الأحداث التي وقعت في إيران خلال الحرب العالمية الثانية وانهيار الاتحاد السوفيتي. الإمبراطوريتان اللتان كانتا هنا، الإيرانية والعثمانية، والأراضي الإسلامية في منطقتنا تعرضت للتغيير والاحتلال والتقسيم والمجاعة وما إلى ذلك، وحتى يومنا هذا، ما زلنا منخرطين بطريقة ما في هذا الفضاء، الذي أصبح الآن على الخطوط الأمامية في فلسطين وسوريا ومناطق أخرى، لكن جذوره أعمق. ونحن بحاجة إلى فهم هذه الجذور بشكل أفضل حتى نتمكن من المساهمة في كل مجال من مجالات حياتنا في إطار الفن.

 

فن الرسم بين الفنون الأخرى

 

وهكذا يختتم كلامه الأستاذ حبيبي: فيما يتعلق بتأثير الفن، حسناً، كل شكل فني له تأثيراته الخاصة، ولكن هذه التأثيرات يمكن أن تأخذ أشكالاً مختلفة، وهذا يعني أن جوانب الإعلام والإعلان يمكن أن تحدث الفارق بينهما، تنتشر السينما أو الموسيقى على نطاق أوسع في المجتمع ولديها إمكانات أكبر للنشر والإعلان، ولكن اللوحات أكثر محدودية في توزيعها، وبطريقة ما، تتعامل بشكل أقل مع عامة الناس وأكثر مع النخبة، ولكن متانتها قد تكون دائمة، اعتماداً على الظروف التي يتم فيها حفظ العمل الفني. وحتى إذا نظرت إلى المتاحف، فإن الأعمال البصرية غالباً ما تلهم الأحداث، وتعبر عن تاريخ وحضارة يمكن للأجيال القادمة الاستفادة منها. والدراسة، وهذا يعني أن العمل البصري كاللوحة الفنية له دائماً تأثيراته الخاصة.

 

 

 

 

 

المصدر: الوفاق/خاص

الاخبار ذات الصلة