يقدّر المسلمون في الهند بنحو 200 مليون نسمة، ما يجعل الهند ثالث أكثر بلد من حيث عدد المسلمين في العالم بعد إندونيسيا وباكستان.
ورغم ذلك، فإن المسلمين لا يشكلون إلا ما يقارب 15 بالمئة من سكان الهند، وبالتالي، يصنفون كأكبر أقليّة في البلد ذي الغالبية الهندوسية.
خلال العام الماضي (2022)، تكثّفت بشكل ملحوظ الأخبار عن تصاعد ممارسات التمييز بحقّ المسلمين في الهند، وبلغ الأمر ذروته عند نشوب أزمة دبلوماسية حادة بين الهند وعدد من الدول الإسلامية، نتيجة تصريحات حول الرسول الأكرم محمد (ص)، أطلقتها المتحدثة السابقة باسم حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، نوبور شارما، والناطق الإعلامي السابق باسم الحزب كومار جيندال.
ورأى مسلمون أن التصريحات استفزازية ومسيئة، وشهدت الهند مواجهات عنيفة وتظاهرات احتجاجاً على ما ورد على لسان شارما في مقابلة تلفزيونية، وما كتبه جيندال على مواقع التواصل.
حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، حيّد نفسه عن تلك التصريحات، واعتبرها “هامشية”.
*خطاب كراهية علنيّ
ولكن، بالرغم من نفي السلطات الهندية المستمرّ اتباعها أي سياسة تمييزية ضدّ الأقلية المسلمة، سجلت العديد من الجهات الحقوقية ومراكز الأبحاث خلال الأشهر الماضية أعمال عنف ضدّ المسلمين، واكبت خطاب كراهية علنيّ على لسان عدد من قيادات الحزب الحاكم. وفي وقت اعتقلت الشرطة الأخير على خلفية تصريحاته، وجهت محكمة هندية اللوم لشارما، وطالبتها بالاعتذار لأنها تسبّبت “بإشعال النار في البلاد”.
ويرى مختصّون في الشأن الهندي، أن موجات الكراهية ضدّ المسلمين تصاعدت منذ وصول حزب بهاراتيا جاناتا إلى الحكم، وتحقيقه فوزاً ساحقاً في الانتخابات عام 2014.
وتدهورت الأمور بشكل ملحوظ عام 2019، مع إقرار البرلمان الهندي تعديلات على قانون المواطنة الصادر عام 1955.
*تعديلات جائرة
تسبّب التعديل بالجدل، لأنه كفل للمهاجرين الهاربين من الاضطهاد الديني في باكستان وبنغلادش وأفغانستان، حقّ الحصول على الجنسية الهندية، إن كانوا من أتباع الديانات السيخية والهندوسية والبوذية والمسيحية والجاينيّة والزراداشتية، ولكنه استثنى المهاجرين المسلمين.
يومها قال الحزب الحاكم: إن السبب في ذلك يعود إلى كون المسلمين لا يعدّون أقليات مضطهدة في البلدان المجاورة، بعكس أتباع الديانات الأخرى. لكنّ التعديل أثار موجات غضب في الهند، إذ رأى كثر أنه يتنافى مع الدستور الهندي ومع مبادئ حقوق الإنسان، إذ يقصي جماعة من نيل جنسية بلد ما بسبب ديانتها.
ويقول حقوقيون: إنّ التعديل تكريس قانوني لمناخ كراهية عام، تعزّزه خطابات قادة الحزب اليميني الحاكم تجاه الأقلية المسلمة.
*”أقلية مضطهدة”
وصنّف تقرير صدر عن لجنة خبراء دوليين مستقلة في تموز/يوليو الماضي، المسلمين، كـ”أقلية مضطهدة” في الهند، بعد مراجعة سلسلة انتهاكات وصفت بـ”الجديّة” لحقوق الإنسان، سجّلت بدءاً من عام 2019.
وبحسب أدلة جمعتها اللجنة، تشمل الانتهاكات اعتماد السلطات لقوانين وسياسات “تستهدف المسلمين أو تنعكس عليهم بشكل سلبي أكثر من غيرهم”. يضاف إلى ذلك فشل الدولة في الهند في حماية المسلمين من هجمات تستهدفهم، يصل بعضها حدّ القتل والتعذيب.
ومن خلال العودة إلى خطابات علنية لعدد من السياسيين البارزين في الحزب القومي الهندوسي الحاكم، تقوم السرديّة المهيمنة على رسم صورة سلبيّة عن المسلمين، من خلال تضخيم عدد من القضايا، أبرزها:
الخشية من تحوّل المسلمين إلى أكثرية في البلاد خلال سنوات، وذلك ما تستبعده الاحصائيات. لكن الهاجس الديموغرافي يحضر بكثافة على لسان القوميين الهندوس، ويدعو بعض قادتهم أتباع الديانة لتكثيف الإنجاب.
التهويل بما يسمّى “جهاد الحبّ”، إذ يأخذ بعض القوميين الهندوس على عاتقهم منع الزيجات المختلطة بين أتباع الإسلام والهندوسية، قائلين إن هناك رجالاً مسلمين يدّعون أنهم هندوس، للزواج من هندوسيات، وإجبارهن على اعتناق الإسلام.
* جزء جوهري من الهندوسية
صحيح أن خطاب الكراهية والأفعال المعادية للمسلمين تكثفت خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أنها ليست ظاهرة جديدة، بل جزء جوهري من القومية الهندوسية، منذ نشأتها كإيديولوجيا يمينة قبل حوالي قرن من الزمن.
بحسب خبراء، فإنّ “عقيدة الهيندوتفا” (القومية الهندوسية) كانت تعدّ في السابق وجهة نظر راديكالية هامشية، لا يفكّر أي هندي محترم أن يتبناها، ولكن ما تغيّر الآن هو أن القوميين الهندوس باتوا يحكمون البلاد”.
وبحسب عقيدة هيندوتفا، “فإن المسلمين هم العدوّ الرئيسي والعقبة التي يعرّف الهندوس (هويتهم) ضدّها”.
وشكّل انقسام الهند وباكستان عام 1947، أبرز الأحداث السياسية الحديثة التي رسمت حدود انقسام دمويّ بين المسلمين والهندوس في شبه القارة الهندية، وما تزال الهند حتى اليوم تمارس سياسات قسرية جائرة بحق المسلمين لإرغامهم على الهجرة من البلاد.