المسابقة الدولية للقرآن الكريم في دورتها الحادية والأربعين ليست مجرد مسابقة بسيطة، بل هي مهرجان روحي ينير القلوب بنور الإيمان وكلمة الوحي، ليبقى هذا الحدث ذكرى لا تنسى في مرقد الإمام الرؤوف الذي هو نفسه يجسد المحبة والرحمة الإلهية في مدينة مشهد المقدسة، وسيشهد العالم المجد الذي يتصاعد من أعماق نفوس محبي القرآن الكريم ونقل الرسالة الإلهية الواضحة إلى العالم أجمع.
إنطلقت المسابقات يوم الإثنين الماضي في مرقد الإمام الرضا(ع)، والتي يعدها الكثيرون أكبر تجمع قرآني في العالم الإسلامي، حدث جذب قلوب الآلاف من محبي كلمة الوحي إلى هذه القطعة السماوية من الأرض حتى تتمكن مدينة مشهد المقدسة، وهي كنز الروحانية والسلام، من أن تصبح مرة أخرى مكاناً لتجلي نور الوحي الإلهي.
وكان حفل الإفتتاح في هذه الأيام المباركة وعشية ذكرى بعثة الرسول الأعظم(ص)، حيث أصبحت مدينة مشهد المقدسة أكثر حيوية من أي وقت مضى بالألحان الروحانية لتلاوة القرآن الكريم. وأصبحت المدينة ملتقى لمحبي القرآن الكريم من جميع أنحاء العالم عشية ذكرى انتصار الثورة الإسلامية.
اجتمع القراء والحفظة والمقرئون ومحبو الكلمة الإلهية من عشرات البلدان ذات الثقافات واللغات المختلفة تحت القبة الذهبية للإمام الرؤوف(ع) ليظهروا وحدة الأمة الإسلامية في ظل القرآن الكريم المضيء.
مسابقات القرآن الكريم؛ ربط القلوب والثقافات
إن المسابقة الدولية للقرآن الكريم ليست مجرد حدث تنافسي؛ ويعد هذا الحدث العالمي منصة للتبادل الثقافي وتعزيز الأخوة الإسلامية والتعبير عن الجماليات المشتركة بين الدول الإسلامية. في هذا الحدث، لا يمثل كل مشارك بلده وأمته فحسب، بل يكون أيضاً رسولاً للسلام والحب والروحانية. وفي أجواء تكون فيها كل كلمة وكل آية جسراً نحو التآزر والتقارب، تتحول هذه المسابقات شيئاً فشيئاً إلى رمز لوحدة الأمة الإسلامية.
صوت القرآن الكريم في العتبة الرضوية المقدسة
في إيران الإسلامية لا يوجد تاريخ أنسب من أيام بعثة النبي محمد(ص)، ولا يوجد جغرافيا أنسب من الحرم الشريف للإمام الرضا(ع) لإستضافة مثل هذا الحدث. التاريخ والجغرافيا حيث تمتزج كل آية وأغنية مع القبة الذهبية والبلاط الفيروزي، مما يجلب النفوس إلى سلام لا يوصف.
يتردد صدى أصوات التلاوات التي تمنح الروح عبر ساحات الضريح المضيئة، حيث تصبح كل كلمة جسراً إلى السماء. هذا المكان المقدس، الذي كان ملاذاً للقلوب المتلهفة لسنوات عديدة، سيشهد قريباً تلاوات تأتي من الأعماق من الروح وبكل صدق.
تجد الأصوات العاطفية والروحية للقراء والحفظة والمرتلين انعكاساً سماوياً وسط القباب الفيروزية والمآذن الذهبية، فتغمر روح كل حاج يستمع بسلام.
وتُعد هذه المسابقات فرصة للحجاج لفهم المعنى الحقيقي للكلمة الإلهية، وأخذ رشفة من بحر القرآن الكريم الذي لا ينضب، في أجواء تمتزج فيها رائحة حضور إمام الرحمة بالألحان السماوية من الآيات الإلهية، كل لحظة ستكون لا تُنسى وملهمة.
القرآن رسالة عالمية للحياة اليوم
في عالم تواجه فيه البشرية تحديات عديدة، يظل القرآن الكريم، هذا الكتاب الإلهي، منارة للهداية، وما زالت الكلمة الإلهية، خارج أي مدرسة أو طائفة، هي الوصفة العلاجية لكل آلام ومعاناة الإنسان. المسابقات الدولية للقرآن الكريم، ليست مجرد فرصة لإبراز القدرات القرآنية فحسب، بل هي أيضاً جهد لإعادة القيم الإنسانية الأصيلة إلى الحياة اليومية. إن رسالة القرآن الكريم هي رسالة السلام والتعايش والعدالة. مفاهيم تحتاجها الإنسانية اليوم أكثر من أي وقت مضى.
معلومات عن المسابقة
تقام هذه الدورة من المسابقات في فروع التلاوة البحثية وتلاوة الترتيل وحفظ القرآن الكريم كاملا، حيث يمثل كل منها ركنا من أركان عظمة القرآن الكريم. ويتنافس نخبة من القراء والمقرئين والحفظة في العالم الإسلامي على مدى ستة أيام، اعتباراً من مساء الإثنين 27 يناير إلى الجمعة القادمة 31 يناير.
ويعكس التنوع في التخصصات، وكذلك حضور النساء والرجال في هذا الحدث، جهداً كبيراً لإبراز كافة جوانب جمال القرآن الكريم. من التلاوة الممتعة للآيات إلى تجلي معجزة حفظ القرآن الكريم في قلوب وعقول الناس.
57 مشاركاً من 27 دولة
أقيمت المسابقة الدولية للقرآن الكريم في دورتها الحادية والأربعين، قبل أن تصل إلى المرحلة النهائية وتصل إلى مشهد المقدسة، افتراضياً بمشاركة 400 متسابق من 104 دول، تم اختيار 57 منهم، وتأهل مشاركون من 27 دولة إلى المرحلة النهائية والحضورية عن طريق كسب أكبر عدد من النقاط.
لقد أدى هذا التنوع الوطني إلى تحويل المسابقة إلى تجمع دولي، يشكل، إلى جانب المنافسة، فرصة للتبادل الثقافي وتعزيز الوحدة الإسلامية. ويُعد القراء والحفظة من مختلف البلدان رسل محبة وإخلاص للقرآن الكريم، ورمزاً لقدرة الأمة الإسلامية الفريدة في فهم كلمة الوحي ونشرها.
حفل الإفتتاح
في ليلة الأحد الماضي، أشرقت قاعة القدس في الحرم الرضوي المقدس كجوهرة لامعة في قلب مدينة مشهد. في هذه المساحة الصغيرة، كان من المقدر للعديد من النفوس أن تنعم بنور الوحي.
كانت القاعة تنتظر ضيوفها بكل هدوء ووقار، ليس من كل أنحاء إيران، بل من كل أنحاء العالم. وعلى الجانب الآخر كانت العيون تنتظر والقلوب أكثر قلقاً من أي وقت مضى، وكانت رائحة الضريح الطيبة تفوح من كل مكان. خلال هواء الشتاء البارد. كل من دخل القاعة كان يغادرها وكأن عبء رغباته قد رُفع عنه.
إضافة إلى أهل المدينة وزوّار الإمام علي بن موسى الرضا(ع)، كان هناك أيضاً في القاعة قراء وحفظة ومقرئون من بلدان مختلفة، مشاركون شكلوا عالماً صغيراً لممارسة المحبة حول مسابقات القرآن الكريم.
امتلأت القاعة بالحماس والانفعال، واختلطت رائحة المرقد الطاهر النقية بذرات الهواء، وضاعت همهمات الحاضرين في القاعة وسط رثاء أحد قراء أهل البيت عليهم السلام.
وتواجد بين الحضور بعض الضيوف الأجانب مرتدين الملابس التقليدية لبلدانهم، مما أضاف لمسة جمالية أخرى على اللقاء، وكان الضيوف يبتسمون بفخر وهم يسجلون كل لحظة من الحفل.
كان أبرز ما في حفل الافتتاح، والذي جعله مختلفاً بعض الشيء عن الافتتاحات الأخرى، بالإضافة إلى كلمات المتحدثين في الحفل، هو الأداء الجميل الذي قدمته فرقة “إنشاد المدائح” لمحافظة خراسان الرضوية، وهو أداء مشترك تم إنتاجه على المناسبة وموضوعها رسالة الرسول(ص) وأقيمت للحظات قليلة وأحدثت أجواء جذابة في قاعة القدس بالحرم الرضوي الشريف.
قلب قاعة “قدس” ينبض بصوت الوحي
لقد وقف الأستاذ عباس سليمي وأحمد نجف، مقدما هذه المسابقة البليغان والوسيمان، على المسرح بكرامة عالية. خلال المسابقة، ألقى أحمد نجف قصيدة مليئة بالمشاعر، وجميلة جداً، وعميقة بالطبع، باللغة العربية، تصف الإمام الرضا(ع).وكان صوته رناناً، وكأن كل كلمة خرجت من أعماق قلبه وترددت في فضاء القاعة المقدسة، وعندما وصل إلى الأبيات الأخيرة، تدفقت الدموع على خديه، وهذا المشهد لم يحرك مشاعر الحاضرين في القاعة فحسب، بل حرك أيضاً مشاعر حمائم العتبة الرضوية المقدسة. لقد كان لمصر هذا العام حضور قوي في مسابقات القرآن الكريم في إيران، وشارك ثلاثة قرّاء وحكماً في المسابقات.
في اليوم الأول من المسابقات جاء دور المقرىء العراقي “أحمد رزاق الدلفي” الذي صعد على المسرح بابتسامة هادئة، وتلاوته كانت تحمل رقة خاصة، وكأن كل بيت منها قطرة مطر، كانت رحمة إلهية تنزل على القلوب، وقد شارك المقرىء المصري في المسابقة، ووصل المقرىء اليمني إلى إيران أيضاً ويحظر المسابقات .
بعد صلاة المغرب، كان الحدث الأهم هو أداء أحد الممثلين الإيرانيين. وكان محمد خاكبور ممثل بلادنا في مجال حفظ القرآن الكريم كاملاً أول من صعد على المنصة بعد الأذان وأجاب على أسئلة لجنة التحكيم.
وفي جزء من برامج اليوم والليلة الأولى للمسابقة، قدمت فرقة “أنوار المصطفى العالمية” الإنشادية، والتي تتكون من شباب مهتمين بكلمة الوحي بقلوب مليئة بحب أهل البيت(ع)، كان صوتهم المتناغم والنقي، مثل لحن سماوي، يملأ أجواء العتبة الرضوية المقدسة.
كانت النظرات البريئة وشغف الإيمان تتردد على وجوههم، وكانت كل آية تحرك القلوب إلى الفرح والدموع. قام أعضاء هذه المجموعة، الذين كانوا كثيرين جداً، بتقديم أربعة عروض إجمالاً.