موناسادات خواسته
عيد في عيد، شهر شعبان، شهر رسول الله(ص)، شهر سرور أهل البيت(ع) ومحبيهم، شهر ميلاد الأنوار المحمدية، يتزامن هذا العام مع أيام عشرة الفجر المباركة وعيد إنتصار الثورة الإسلامية، وما أجمل هذه الأيام!.. الأيام التي تتزين بميلاد الإمام الحسين(ع) الذي هو مصباح الهدى وسفينة النجاة التي يهدأ الإنسان عندما يفكّر به، وهو الذي إجتذب العالم بأكمله بمختلف أديانهم، بعد ما ضحّى بنفسه وأهل بيته، ويليه بعد ذلك ميلاد أخيه الوفي باب الحوائج أبالفضل العباس(ع) الذي هو رمز للوفاء والمروءة، ثم ميلاد سيد الساجدين وزين العابدين الإمام السجاد(ع)، ثم ميلاد منقذ البشرية صاحب الزمان(عج)، وفيما بين هذه الأعياد تكون ذكرى إنتصار الثورة الإسلامية، ففي هذه الأيام المباركة وعلى أعتاب ميلاد الأقمار المحمدية أجرينا حواراً مع المؤرخ والباحث الإسلامي الإيراني الدكتور “محمدحسين رجبي دواني” الحاصل على الدكتوراه في التاريخ والحضارة الإسلامية، وأستاذ في عدّة جامعات وله تأليفات كثيرة، وهو رئيس مؤسسة الدراسات الإيرانية، وكان الحديث عن أهل البيت(ع) ونشر ثقافتهم، وفيما يلي نص الحوار:
سمات ثقافة أهل البيت(ع)
بداية تتطرقنا إلى أبرز سمات ثقافة أهل البيت(ع)، وكيفية نشرها في العالم، فهنّأ الدكتور رجبي دواني حلول شهر شعبان المبارك وميلاد الأنوار المحمدية، ثم قال: إن أبرز ما يميز أهل البيت(ع) هو اهتمامهم الخاص بالمجتمع الإنساني وحرصهم على سعادته في الدنيا والآخرة، فإذا نظرنا إلى تعاليم أهل البيت(ع) السامية نرى أن هؤلاء المقدسين لم يكن لهم هَمّ غير خلاص البشرية وتحررها من نير الظالمين والطغاة وتوفير الرفاهية والرخاء، ولم يتحقق هذا إلّا تحت راية التوحيد، وهذا يعني أن الإهتمام الرئيسي لهؤلاء المقدسين منصب على هذه القضية، حتى أمير المؤمنين(ع) يرى أن فلسفة قبول الحكم هي إقامة العدل بين العباد، وضمان حقوقهم، وإحقاق حق المظلومين، وأخذ حقوقهم ومستحقاتهم من الظالمين.
لذلك، من خلال شرح مثل هذا المنظور العظيم على المستوى الدولي، وفي ظل وضع تكون شعوب العالم تحت نير طغاة العالم والقوى المتغطرسة العالمية بقيادة النظام الإجرامي لأمريكا، يمكننا وصف هذا المنطق وهذه الثقافة بأنه نجاة البشرية وسعادتها من اهتمامات أهل البيت(ع)، والطريق إلى النجاة والسعادة هو اتباع تعاليم أولئك العظماء.
تحقيق الأهداف الإنسانية
فيما يتعلق بأفضل درس يمكن تعلّمه من الإمام الحسين (ع) ونهضته، وسبب انبهار العالم بالإمام الحسين(ع)، يعتقد المؤرخ الإيراني أنه أعظم وأفضل درس من انتفاضة الإمام الحسين(ع) هو القيام بالواجب لتحقيق الأهداف الإنسانية والمثل العليا، ويقول: لقد بذل الإمام الحسين (ع) كل جهده للقيام بواجبه. والآن إذا حقق هذا الواجب النتيجة المرجوة وحقق أهدافه، تحرير الإنسانية من الظلم، والخروج من الفساد والانحطاط والمضي على طريق النمو والتطور والتنوير، فهذا في الحقيقة تحقيق السعادة الإنسانية في الدنيا وبالتأكيد في الآخرة، ولذلك أظهر الإمام الحسين(ع) أنه لا ينبغي للإنسان أن يخاف من العوائق في طريقه إلى أداء واجبه، ولا ينبغي له أن يخاف من نقص الإمكانيات والأشخاص، ولا يكون ذلك عائقاً للإنسان ولطريق الحق، فيمنعه من أداء واجبه.
ولابد أن نقول إن هذه القضية بعينها، والتي تعني القيام بالواجب وعدم الخوف من الموانع التي قد تعترض القيام به، هي التي تجعل حتى أولئك الذين لم يعتقدوا بإمامة الإمام الحسين(ع)، وحتى بعض الذين، نتيجة لدعاية أعداء أهل البيت(ع) الذين اتخذوا مواقف سلبية تجاه الإمام الحسين(ع)، شهدنا أنهم خلال هذه الحركة العظيمة لأهل غزة، كيف اتجهوا إلى مدرسة الإمام الحسين(ع)، وأعلنوا بكل وضوح أننا تعلمنا من الإمام الحسين(ع) كيفية التصرف، ولذلك لم يخافوا من الموارد الوفيرة والقوة والدعم الواسع الذي يتلقاه الكيان الصهيوني من مجرمو العالم، ووقفوا في وجه هذا الكيان المجرم المدجج بالسلاح وفي النهاية حققوا النصر.
والسبب الرئيسي وراء اهتمام أحرار العالم بالإمام الحسين(ع) هو أنه كان على استعداد للتضحية بكل شيء من أجل رضى الله وضحى في هذا الطريق بأعزائه من أجل نيل رضى الله وأداء واجبه، ولم يتنازل عن أي من مواقفه الصحيحة الحقة.
ثقافة المقاومة في مدرسة الإمام الحسين(ع)
لقد تم تسمية يوم ميلاد الإمام الحسين(ع) في إيران بيوم الحارس الثوري، فسألنا الدكتور رجبي دواني عن نشر ثقافة المقاومة، حيث أجاب: لقد أظهر الإمام الحسين(ع) بثورته واستشهاده المؤلم مع أحبائه أنه من أجل الحفاظ على دين الإسلام من خطر الإنحراف والهلاك، لا بد من التنازل عن كل شيء حتى يحظى بالإعتبار الخاص في رؤية الله كعمل كامل من الواجب، ولذلك، بعد الثورة الإسلامية، تم تسمية ذكرى ميلاده المبارك، الذي هو نموذج التضحية والاستشهاد في سبيل القضية، بيوم الحارس الثوري، أي لأولئك الذين يريدون أن يكونوا حرّاساً للثورة الإسلامية وإنجازاتها، وأصبح هذا الأمر كذلك ليس رمزياً فحسب، بل في العمل أيضاً كذلك.
ولذلك نرى كيف خاض الحرس الثوري الإسلامي المجيد إلى جانب جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية المجيد، دفاعاً مقدساً وفي حرب غير متكافئة مثل تلك التي فرضت على الإمام الحسين(ع)، ضد عالم عارض الثورة الإسلامية والقوى العظمى الغربية والشرقية التي قد تعاونوا ضد إيران.
ورغم تنافسها مع بعضها البعض في العداء للثورة الإسلامية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، فقد ساندت القوى العظمى في الشرق والغرب نظام صدام الإجرامي، كما قدمت بعض الدول المساعدة المادية أو بإرسال الموارد البشرية لهذا النظام، وقد وقفت إيران الإسلامية المظلومة في وجه الاستكبار العالمي، وتمكنت على غرار الإمام الحسين(ع) من حماية الحدود الطاهرة للجمهورية الإسلامية الإيرانية وصد هجمات المعتدين الصداميين المجرمين وإخضاعهم.
إن هذه القضية التي تدل على الصمود والثبات على المبادئ والقيم، ودفع ثمن المقاومة، يجب أن يتم تبيينها على نطاق واسع، أولاً في العالم الإسلامي، ثم في عالم الإنسانية، إذا أردتم تحقيق أهدافكم، والوصول إلى السعادة، والاستقلال، والحرية، والتحرر، تحتاجون إلى المقاومة، وأعلى وأهم وأجمل مثال على ذلك هو الإمام الحسين(ع).
إننا نرى كيف تجلت هذه الحقيقة خلال العام والنصف الماضيين منذ الهجمات الإجرامية التي شنها الكيان الصهيوني على غزة ولبنان. وكيف انضم اليمن البطل إلى جبهة المقاومة ضد الاستكبار الدنيء الذي لم يخش ارتكاب أي جريمة من أجل تحقيق أهدافه والهيمنة على العالم. وأصبح اليمن سبباً في استسلام أميركا وبريطانيا. ولابد من شرح هذه الحقيقة بشكل جميل ونشرها على نطاق واسع على المستوى الدولي.
الدبلوماسية الثقافية
ويتابع الدكتور رجبي دواني: في الدبلوماسية الثقافية، من المناسب لنا أيضاً أن نشرح هذه القضية على مستوى واسع في علاقة بالدول الأخرى برؤية عميقة ودقيقة، تتناسب مع الظروف الحالية. وبطبيعة الحال، يجب أن يتناول هذه القضية أولئك الذين يؤمنون بهذا. وعلى الرغم من أن أشكالاً مختلفة من المقاومة قد تم إثباتها والحفاظ عليها، فإن الدبلوماسية الثقافية في مجال المقاومة تتطلب دبلوماسيين يؤمنون بالمقاومة.
أبو الفضل العباس(ع) رمز الوفاء
بعد ذلك دار الحديث عن أبي الفضل العباس(ع) ووفائه ومروءته، فسألنا الأستاذ عن كيفية نشر هذا الولاء لأهل البيت(ع) في المجتمع العالمي، والرسالة التي يوجهها سيدنا إلينا وللأجيال القادمة، فقال: الآن، في العالم والحكومات التي تحكم العالم، الغالبية العظمى منهم، باستثناء عدد قليل من الحكومات التي لديها روح ثورية، نرى في بلدان أخرى حكّاماً يسيطرون على مجتمعاتهم إستناداً إلى القوة والسلطة، وحتى في بعض الدول التي تبدو إسلامية، نرى فيها حكّاماً متعطشين للدماء ومجرمين بعيدين كل البعد عن التعاليم الإسلامية يحكمون. وخلال مأساة غزة، رفضت العديد من هذه الدول وأنظمتها الحاكمة التي كانت على علاقات مع الكيان الصهيوني قطع علاقاتها مع الكيان المجرم، وقد تعاون البعض مع هذا الكيان لمواصلة الإبادة الجماعية في غزة، وهذا يدل على الروح الشريرة والجبن والغباء والشر في هذه الحكومات.
إن إظهار أهمية الوفاء والمروءة عند أبي الفضل العباس(ع) يتطلب بناء البنية التحتية، لأنه ما دام الناس لا يدركون ثورة الإمام الحسين(ع) وحقيقة ومظلومية ذلك الكائن المقدس، ولا يعرفون لماذا وكيف حدثت هذه الثورة، فلا يمكننا أن نتوقع منهم أن يعترفوا بشجاعة وولاء الإمام الحسين(ع)، وأبوالفضل العباس (ع) وفهم عمقه، ورغبته في تقليده، ومن المناسب أن نوضح بأفضل صورة حقيقة الإمام الحسين(ع) ومظلوميته، وأن نصور بشكل جميل الدور المهم الذي لعبه أبي الفضل العباس(ع) في الوفاء والمروءة، دون أن نغفل عن حقيقة الإمام الحسين(ع)، إن الذين يدركون هذه الثورة والتضحيات والملاحم العظيمة، وخاصة انتفاضة سيدنا العباس(ع)، سوف يتلقون بأنفسهم التعاليم اللازمة منه.
الإمام السجاد(ع)
وأخيراً فيما يتعلق بكيفية تبليغ رسالة وثقافة عاشوراء، على يد الإمام السجاد(ع) ورأيه في الصحيفة السجادية، يقول الدكتور رجبي دواني: لقد تولى الإمام السجاد(ع) الإمامة في وقت كان فيه يزيد الملعون لا يزال يحكم العالم الإسلامي وكان مسروراً بالنصر على الإمام الحسين(ع)، الكارثة التي أحدثها في كربلاء المقدسة كانت أعظم من أن يتصورها أحد. أراد أن يعلم العالم الإسلامي ذلك، وأن يبعث برسالة مفادها أنه عندما قضى على ابن الرسول(ص) الذي وقف ضده بهذه الطريقة، فلن يجرؤ أحد على الوقوف ضد حكمه، وفي مثل هذا الموقف يبدأ الإمام السجاد(ع) إمامته، وبعد يزيد هاجم الزبيريون وعبد الله بن الزبير، الذين هم اكثر عداء وبغضاء لأهل البيت(ع) من الأمويين، وسيطروا على المدينة المنورة في عهد الإمام السجاد(ع)، وبعد ذلك، عندما تم تدمير حكومة الزبيريين على يد الفرع المرواني من الدولة الأموية، ظل المجرمون المروانيون يسيطرون على المدينة المنورة ويراقبون الإمام السجاد(ع) عن كثب، لذلك فإن من أصعب فترات الإمامة هي فترة إمامة الإمام السجاد(ع)، الذي كان عليه أولاً إحياء التشيع (لم يعد هناك شيعة، مع كل الصعوبات والإخفاقات التي خلقتها الحكومات الفاسدة)، ثم نقل رسالة عاشوراء، ولذلك فإن الإمام علي السجاد (ع) في هذه الظروف الخانقة طيلة إمامته التي دامت نحو 35 عاماً كان يدعو بأدعية جمعت في الصحيفة السجادية المقدسة.
وفي بعضها نرى شرح العالم المعاصر والوضع السائد في العالم الإسلامي في إطار الدعاء والأدعية، ومن خلال مراعاة أصول التقية والذكاء يقول أن أهل البيت(ع) هم الحل لهذه الحالة.
إن التركيز الكبير على الصلاة والأدعية والصلاة على النبي محمد(ص) وأهل البيت(ع) كان في الحقيقة استراتيجية الإمام السجاد (ع) لإظهار طريق السعادة في ذلك الموقف الصعب والحرج.