مهرجان الأندلسيات الأطلسية أنموذجاً

المقاطعة الثقافية للكيان الصهيوني.. توحّد الفنانين الأحرار

الفنّ إذا ما فقد قدرته على الحديث بلسان الشعوب|، يمكن أن يُستَغل كأداة قمع لتلك الشعوب.

2022-10-30

لا يمر يوم إلا نرى فيه الإعتداءات والجرائم التي يقوم بها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، والسياسة الأحادية القطب التي تتخذها أمريكا والدول الإستكبارية أمام هذا الكيان المحتل الذي يريد أن يفرض نفسه على العالم في أرض فلسطين المحتلة، ولكن ما هو ردّة فعل الشعوب الحرّة والأحرار امام هذه الغدة السرطانية؟ وكيف يمكن مواجهتها لكي تصبح منبوذة كل يوم أكثر فأكثر؟

من أجل تحقيق هذا نرى منذ سنوات حركات واجتماعات مختلفة من جميع أنحاء العالم يقومون بمقاطعة الكيان الصهيوني في مختلف المجالات الفنية والثقافية والعلمية وغيرها، حيث ينظرون إلى إسرائيل ككيان غاصب ومحتل، ليس له اعتبار.

مقاطعة مهرجان أندلسيات الأطلسية

اليوم من خلال هذا المقال نلقي الضوء على المجال الثقافي، والدافع الذي أدى الى كتابة المقال، هو ما جرى خلال الأيام الماضية في المغرب، ومهرجان الأندلسيات الأطلسية الذي أقيم منذ يوم الخميس الماضي واختتم أعماله السبت الماضي في الصويرة، المهرجان الذي واجه المقاطعة، حيث أن الحملتان المغربية والفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل (MACBI) و(PACBI) أدانت مشاركة فنانين مغاربة وجزائريين في مهرجان الأندلسيات الأطلسية التطبيعي، وذكرت السبب تلقي المهرجان دعماً من جهات رسمية صهيونية.

وجاء في قسم من البيان الذي أصدرته على الموقع الرسمي للحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل: “يستخدم القائمون على المهرجان سردية “التسامح” و”التعايش بين الديانات”، وتحديداً المكوّن اليهودي في الثقافة المغربية، بشكل زائف ولأغراض التطبيع وخدمة أجندات العدو الإسرائيلي السياسية.

إنّ هناك توجهاً متعمَّداً بين أنظمة التطبيع العربي والمؤسسات التابعة لها للخلط بين الصهيونية وإسرائيل من جهة، وبين المكوّن اليهوديّ-العربيّ للثقافة العربية (المشرقية)، والمكوّن الأمازيغيّ (المغاربيّ) من جهة أخرى. كون تلك المكونات تعدّ جزءاً من النسيج الثقافيّ في المنطقة العربية وأسهمت في تطوير ثقافة المنطقة قبل أن تتعرض الطوائف العربية والمغاربية اليهودية في مختلف دول المنطقة الى هجوم أدى إلى صَهْيَنة جزء منها بتهجيرها الى فلسطين قصد الاستيطان وحمل السلاح وتشتيت الأجزاء الأخرى عبر العالم  وذلك مع بدء تنفيذ المشروع الصهيوني في فلسطين مطلع القرن الماضي.

ويشمل هذا التوجّه التطبيعي المغرض استغلال هذه المكوّنات الأصيلة في تجيير جزء من تاريخ المجتمعات العربية لمصلحة إسرائيل، التي تحاول الاستحواذ على تمثيل يهود المنطقة بل ويهود العالم خدمةً لتطبيع نظام الاحتلال والاستعمار الاستيطاني والأبارتهايد.

لذلك، لا يُمكن فهم مشاركة فنانين من المنطقة العربية في هذا المهرجان إلا كمساهمة منهم في التطبيع مع العدوّ الإسرائيلي، وهو ما نرفضه تماماً وندعو للتحرّك لوضع حدٍّ له”.

ويختتم البيان: “إن الفنّ إذا ما فقد قدرته على الحديث بلسان الشعوب وما عاد يعبّر عن تطلعاتها وهمومها يمكن أن يُستَغل كأداة قمع لتلك الشعوب وكسلاح مسلط على ثقافاتها وإرثها النضاليّ. لنقاطع مهرجان الأندلسيات الأطلسية التطبيعي وكافة المهرجانات والمساحات التطبيعية الأخرى”.

يتخذ الكيان الصهيوني الثقافة كغطاء لجرائمه ضد الشعب الفلسطيني، ويستخدم المجال الثقافي كأداة للتطبيع وتبييض وجه اسرائيل من خلال تمويل الفنانين، والدعم المادي للمهرجانات الثقافية، والفنانين لكي يقومون بعروض ثقافية في مختلف أنحاء العالم ومنها المراكز الثقافية، لكي يساعدون في خلق أجواء التطبيع الثقافي، من خلال الإنطباع الزائف الذي يروّج بأن الكيان الصهيوني، دولة طبيعية كباقي الدول!!

مقاطعة اسرائيل الثقافية

نرى أن غالبية المراكز الثقافية الفلسطينية وكثير منها في العالم، تقوم بحملة لمقاطعة اسرائيل الثقافية، كما أنه كثير من الفنانين يدعمون مقاطعة اسرائيل الثقافية، ففي مثل هذه الحالات عندما توجه حملة المقاطعة بياناً، يلبّي لها الأحرار، وهكذا نرى أن المقاطعة الثقافية لإسرائيل، توحد الفنانين الأحرار ضد الكيان الصهيوني، وهذا التلاقي والوحدة، خير دليل على أن الثقافة تظل أقوى جسر بين الشعوب الحرّة.

كما حصل في مهرجان الأندلسيات الأطلسية في الصويرة، وإثر ذلك انسحب كثير من الفنانين من المهرجان ولم يشاركوا فيه.

مقاطعة مهرجان حيفا الدولي للأفلام

وكان هناك أنموذج آخر وهو مقاطعة مهرجان حيفا الدولي للأفلام، حيث وُجّهت دعوة للمخرجين أن ينسحبوا من المهرجان، ودعتهم للتراجع الفوري وسحب أفلامهم من هذا المهرجان الصهيوني، الذي عُقد خلال الفترة من  8 الى 17 أكتوبر/تشرين الأول، واعتبرت المهرجان بأنه مدعوم من نظام الاحتلال والاستعمار الاستيطاني والأبارتهايد الإسرائيلي، ومشاركة الأفلام فيه هو خرق لمعايير مناهضة التطبيع ولمعايير المقاطعة الثقافية للكيان الصهيوني. كما أن الحملة دعت كافة أبناء الشعب الفلسطيني لمقاطعة كافة فعاليات المهرجان. كما أنها اعتبرت المهرجان يُقام برعاية مجموعة من الجهات الرسمية والحكومية الصهيونية مثل وزارة الثقافة والرياضة، وزارة الخارجية، وزارة التعاون الإقليمي، وبلدية حيفا، وغيرها من المؤسسات الرسمية والثقافية الإسرائيلية المتورطة بشكل مباشر في انتهاكات جسيمة لحقوق الشعب الفلسطيني. هذا بالإضافة إلى شركة “بايس” المتورطة في دعم مشاريع إعمار المستعمرات الصهيونية على أراضٍ فلسطينية مسلوبة.

مقاطعة مؤتمر معهد “غوتة” الألماني

من جهة أخرى نرى مقاطعة مؤتمر “أبعد من الجاني الوحيد: حول ديناميكيات اليمين العالمي” قبل حوالي أربعة أشهر، احتجاجاً على إلغاء معهد “غوتة” الألماني لمشاركة الناشط المقدسي محمد الكرد بسبب مواقفه ضد العدو الصهيوني، فتوالت انسحابات الأدباء والفنانين الدوليين من المؤتمر.

وكان معهد “غوتة” قد أعلن عبر تغريدة له على تويتر عن إلغاء دعوة الكرد بعد أن رأى أن مواقفه من نظام الاستعمار والأبارتهايد الصهيوني “ليست مقبولة” وبالتالي اعتبر المعهد أن الكرد “ليس متحدثاً مناسباً في المؤتمر”.

وعلى إثر ذلك، أعلن منسقا الجلسة التي كان من المفترض أن يشارك فيها ، وهما الفنانة والباحثة (مشتري هلال) الفنانة الأفغانية المناهضة للإستعمار، والباحث (Sinthujan Varatharajah)، انسحابهما من فعاليات المؤتمر معلنين أن قرارات المعهد هذه عنصرية و”تفرض مناخاً من الرقابة المناهضة للفسطينيين”. تبعت ذلك انسحابات عديدة منها انسحاب الكاتب محمد حنيف، وغيرهم من المشاركين والأدباء الذين كان من المقرر مشاركتهم في المؤتمر.

وإذا بحثنا عن نموذج، نرى أن هناك كثير من الحملات والنشاطات تعمل في مسار المقاطعة الثقافية للكيان الصهيوني، كما أن هناك نماذج كثيرة من مقاطعة هذا الكيان المحتل، في مختلف المجالات، ومنها الرياضية، حيث لا يعتبرها المشاركون في المسابقات الرياضية كبلد، وكل لاعب رياضي عندما حسب القرعة يواجه لاعب صهيوني، ينسحب من المسابقة، وهذا ما رأيناه كثيرا خلال الأعوام والأشهر الماضية، حيث لا تُحصى.

ومن النماذج الأخيرة والحالية يمكننا ذكر انسحاب نادي الوحدات الأردني من بطولة العين الدولية التطبيعية، رفضاً للتطبيع، وكذلك مقاطعة شركة “بوما” خلال كأس العالم 2022.

إن المحافل الرياضية والثقافية ساحة للمقاومة، ولرفض التطبيع، وستستمر هذه المسيرة حتى محو هذا الكيان المحتل.