عبير شمص
تحتفي الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مثل هذه الأيام من كل عام بإحياء ذكرى انتصار الثورة الإسلامية. وعند النظر في أهمية هذا الانتصار ونتائجه والتوقف عند تأثيراته وارتباطه، سنجد أن فلسطين حاضرة كقضية عقائدية مركزية فيها، إذ يسجل، منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران، أنها سخّرت كل قدراتها في خدمة القضية الفلسطينية وشعبها ومقاومتها ومقدساتها، بل وضعت تحرير الأقصى والقدس كجزء مهم من مبادئ الثورة الإسلامية، ومنذ تلك اللحظة تُعدّ إيران الحاضنة والرافعة الأساسية في دعم فلسطين والمقاومة ونصرتهما. وهي التي كانت حاضرة في كل محطة تاريخية إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، ودعم مقاومته غير المحدود، حتى استطاع الشعب الفلسطيني أن يبني بفضل الدعم الإيراني مقاومة قوية فاعلة ومؤثرة، كما يُسجّل للثورة الإسلامية أنها رسّخت وثبّتت دعائم نهضة المقاومة في فلسطين، بنحوٍ خاص، وفي محور المقاومة بنحوٍ عام، وكانت أشكال الدعم الإيراني للشعب الفلسطيني وما زالت مستمرة على المستويات السياسية والعسكرية والمالية والاجتماعية كافة، وفي هذا السياق حاورت صحيفة الوفاق مسؤول العلاقات الفلسطينية لحركــة الجهاد الإسلامي في لبنان الأستاذ أبو سامر موسى، وفيما يلي نص الحوار:
إيران حملت هم الدفاع عن المستضعفين
يرى مسؤول العلاقات الفلسطينية لحركــة الجهاد الإسلامي في لبنان الأستاذ موسى أن الدافع الأساسي لتبني الجمهورية الإسلامية الإيرانية للقضية الفلسطينية أنها قضية الإسلام الذي يرفع دائماً راية الدفاع عن المظلومين ونصرة المظلوم وإغاثة الملهوف وبالتالي الجمهورية الإسلامية الإيرانية كنظام سياسي في كل المفاصل والمهمات والمحطات التاريخية كانت تعمل من أجل فلسطين وبالتحديد بعد انتصار الثورة الاسلامية لأن إيران ما قبل الثورة تختلف عنها بعد الثورة، فقد كانت سابقاً عبارة عن محمية صهيو أمريكية في منطقة الشرق الأوسط، لكن بعد الثورة حملت إيران هم العالم الإسلامي والسعي لتوحيد صفوف المسلمين والدفاع عن المظلومين ونصرة المستغيثين والمستضعفين بشكلٍ عام، لذلك أعتقد أن من يحمل قضية الإسلام سيكون بالتأكيد إلى جانب قضية الأمة الإسلامية قضية فلسطين الحقة، وليس غريباً أن تواجه إيران لوقوفها مع فلسطين العالم الظالم وتتكالب عليها الأمم بشكلٍ كامل وأن تخضع لحصار طويل على مدى عشرات السنوات من أجل منعها عن الاستمرار في دعم فلسطين، لكن أثبت التاريخ أن الانتماء الأساسي والأصيل للقيادة السياسية والدينية والروحية في إيران هو دافع أساسي للاستمرار في دعم القضية الفلسطينية”.
دعم إيران للمقاومة الفلسطينية غير مشروط
يؤكد الأستاذ موسى أن العلاقة بين الجمهورية الإسلامية وفصائل المقاومة الفلسطينية تختلف إختلافاً كلياً عن العلاقة التي كانت قائمة مع هذه الفصائل والدول العربية الداعمة لها والتي اتسمت بالدعم المشروط، إذ رغبت كل دولة عبر دعمها لفصيل من فصائل المقاومة تمرير أجنداتها وسياساتها في المنطقة، وقد شهدنا في محطات تاريخية مختلفة على وقوع إشكاليات بين فصائل فلسطينية متحاربة نتيجة اختلاف في مواقف الدول الداعمة لكل فصيل من هذه الفصائل، ولكن ما لمسناه في العلاقة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية تبنيها لكل الفصائل الفلسطينية ولقضية فلسطين وتقديم الدعم بأشكاله المتنوعة لهم، دون أن تطلب مقابلاً أو أن تمرر سياساتها الخاصة سواء المذهبية أو السياسية، بل كانت سياستها ومشروعها الوحيد نصرة المستضعفين وتحرير فلسطين ومقاتلة عدو الله الكيان الصهيوني، ولم تطلب من الفصائل أي مشروع يؤدي إلى خلاف أو فتنة داخل المجتمع الفلسطيني، بل كان توجيه القيادة السياسية والدينية الإيرانية تجاه الفصائل دائماً وأبداً الوحدة في مواجهة العدو الصهيوني”.
إيران حليف المقاومة في فلسطين
يشدد الأستاذ موسى بأن أبرز ما ميز العلاقة بيننا وبين الجمهورية الإسلامية أننا لم نكن في يوم من الأيام فصائل تابعة لها وإنما كنا نحظى باهتمام ورعاية وكنا نتعامل كأننا من صناع القرار في إيران وكحلفاء أساسيين واستراتيجيين من أجل تحقيق الرؤية العامه لسيادة الإسلام وطرد الكيان الصهيوني من فلسطين المحتلة. ومن أهم المبادئ التي تحكم العلاقة بين إيران وحلفائها الاحترام والتقدير، وهي تسعى جاهدة لتطوير قدراتهم على قاعدة أنهم حلفاء استراتيجيون في المنطقة وليسوا أدوات لتمرير مشاريعها، لأنها تجتمع معهم حول قضية موحدة يسعون جميعهم لتحقيقها وهي تحرير فلسطين وطرد العدو الصهيوني منها. وإيران الإسلام تعمل ما في وسعها على تعزيز قدرات المقاومة في المنطقة إيماناً بصوابية وأحقية المقاومة في لبنان وفلسطين في مقاومة المحتل الصهيوني ذلك الشر المطلق الذي يجب العمل على إزالته، لذلك أعتقد أن هذه العلاقه المميزة التي تجمع إيران وفصائل قائمة على منهج تربوي وديني يصب في خدمة مشروع الإسلام والمسلمين وفي إظهار إجرام الكيان الصهيوني المحتل”.
لولا جبهات الإسناد لما تحقق نصر غزة
يرى الأستاذ موسى بأنه منذ اللحظات الأولى لعملية ” طوفان الأقصى” دعمت جبهات الإسناد وخاصةً في لبنان المقاومة وذلك في اليوم التالي مباشرةً، ومن المؤكد أنه لولا هذا الدعم لما وصلت المقاومة الفلسطينية إلى ما وصلت إليه اليوم من قوة وإقتدار وصمود أسطوري على مدار 15 شهراً، كل هذا لم يكن سيتحقق لولا الدور الإيراني الداعم على جميع المستويات ودور جبهات الإسناد في اليمن والعراق ولبنان، إذ كان لهذه الجبهات أهمية كبرى على مستوى الصمود والانتصار الذي تجلى اليوم في أبهى صوره عبر إرغام العدو الصهيوني على الإنصياع صاغراً أمام قوة المقاومة ومحورها والقبول بشروطها، كذلك أسهم الدعم الإيراني المباشر عبر عمليتي الوعد الصادق “واحد” والوعد الصادق “اثنين” في هذا الصمود، وكذلك فعل الدعم اليمني عبر إحكام الحصار المطبق على الكيان الغاصب وعدم السماح للسفن الداعمة والمؤيدة للعدو بالمرور فيه، برأيي كان للجمهورية الإسلامية الإيرانية ولجبهات الإسناد الداعمة لغزة دوراً قوياً وفاعلاً في تظهير مشهد العز والانتصار والصمود للشعب الفلسطيني ومشهد الانكسار والخضوع والخنوع للكيان الصهيوني”.
يؤكد الأستاذ موسى أن للدعم الإيراني منذ انطلاق الثورة الإسلامية الإيرانية بقياده الإمام الخميني( قدس) تأثيرا بالغ الأهمية على القضية الفلسطينية وبالتحديد على فصائل المقاومة الفلسطينية التي تبنت خيار المقاومة والجهاد من أجل تحرير فلسطين كل فلسطين ورفضت كل مشاريع التسوية والانصياع للكيان المؤقت، ونحن كشعب فلسطيني نشهد أن الدعم الإيراني على كافة المستويات سواء كان في غزة أو في الضفة الغربية أسهم بشكلٍ كبير في نمو وتعاظم حركات المقاومة وما شاهدناه في الصمود الأسطوري في غزة وما نشهده من صمود حالياً في الضفة الغربية للمقاومين في وجه همجية وإجرام العدو الصهيوني هو ناتج طبيعي للدعم الإيراني ومحور المقاومة إضافةً الى تمسك الشعب الفلسطيني ومقاومته بالحق التاريخي في إقامة الدولة الفلسطينية الكاملة على تراب فلسطين التاريخية وعاصمتها القدس الشريف،هذا الدور الكبير والفعال في دعم المقاومة والقضية الفلسطينية يقابله للأسف الشديد غياب عربي بل وتآمر البعض على القضية الفلسطينية فلو لم يقيد الله (سبحانه وتعالى) لنا هذا الدعم من إيران ومحور المقاومة لكانت القضية الفلسطينية في خبر كان، ولكن المقاومة في غزة ورغم المآسي والعدوان الوحشي الذي حاول القضاء عليها، استطاعت مع دعم جبهات إسنادها إعادة القضية الفلسطينية إلى مكانها الطبيعي في صدارة القضايا على مستوى العالم”.
ختاماً مع انتصار الثورة الإسلامية تبنت إيران دعم فلسطين وتمثّلت شرارة الدعم الأولى في إغلاق السفارة الصهيونية على نحوٍ نهائي، ورفع العلم الفلسطيني فوقها، مروراً بمحطات فارقة استطاعت إيران فيها أن تواصل مسار الثبات والدعم المطلق للقضية الفلسطينية بأشكاله كافة، ورغم كل الظروف، يُسجّل لإيران، منذ انتصار الثورة، أنها تقدّمت الصفوف الأولى على دول كثيرة في تقديم كل أشكال الدعم للشعب الفلسطيني ومقاومته، وما زالت مستمرة في النهج ذاته الذي خطّه الإمام الخميني (قدس)، واضعةً نصب عينيها نصرة فلسطين وقضيتها”.