مقاومة جنين..

أي انعكاس على المشهد الثقافي الفلسطيني؟

رغم الاقتحامات المتواصلة لجنين ومخيمها بالضفة الغربية تنشط فعاليات وأعمال ثقافية وأدبية تواكب يوميات المدينة الفلسطينية

2023-02-04

“فات الجيش وطلع الجيش وطلعت كل البلد تنادي

ونزل الصخر الفوق جبالك ع مسيرة أحزان الوادي

فوق كتافك تسع قبور وبتنادي عالاستشهادي

وأنا مجروح من التكرار ونفس المشهد عالأخبار

وشايف حزنك متل العادة، صاير عادي

خايف إذا شفتك فرحانة

وشفت ولادك جابوا العيد من الدكانة

خايف إذا بطلتي تموتي ماعرفش انك انتي بلادي”

هذه الأبيات كتبها الشاعر فارس سباعنة بعد اقتحام جيش الاحتلال الإسرائيلي لمدينته جنين وقتله 9 من أبنائها في مجزرة جديدة هزت الشارع الفلسطيني بالكامل؛ يقول “مشهد الجثامين التسعة التي خرجت المدينة بأكملها لوداعها لم يفارقني وكانت هذه القصيدة”.

ليست هذه المرة الأولى التي يعبر فيها سباعنة عن أحداث وطنية في قصائده، لكن جنين حالة شديدة الخصوصية لديه، فهي المدينة التي ينتمي إليها ويعرف كل سياقاتها الاجتماعية والسياسية والنضالية أيضا.

القصيدة التي نشرها على حسابه بمواقع التواصل الاجتماعي طرحت السؤال: أين هي جنين ومقاومتها المستمرة منذ سنوات من المشهد الثقافي الفلسطيني؟ وهل واكب الفعل الثقافي الحالة الثورية التي كرستها المدينة ومخيمها أخيرا؟

يقول سباعنة -للجزيرة نت- إن هناك إنتاجا ثقافيا واكب هذه الحالة، لكنه كان انعكاسا للحالة السياسية والنضالية أيضا، فكان “إنتاجا فرديا” وليس حالة ثقافية جماعية.

ويشرح سباعنة أن “الحالة الثقافية يمكن صناعتها إن توفرت الأدوات اللازمة لذلك”، لكن هذه الأدوات لم تتوفر، في ظل وجود قيود احتلالية على الفعل الجماعي القادر على التأثير.

سباعنة الذي لم يقر بغياب المقاومة عن المشهد الثقافي الحالي، والتي تجسدت حالياً في شمال الضفة الغربية؛ في مدينتي نابلس وجنين، لم ينف أيضاً أن يكون هناك تهميش لهذه المدن وأخرى لمصلحة المركز؛ مدينة رام الله وسط الضفة الغربية حيث تتمركز كل المؤسسات الثقافية الرسمية والخاصة، وهو ما أثر في الإنتاج الثقافي الصادر من هذه المناطق.

مبادرات ثقافية غير كافية

هذا التهميش لم يمنع مبادرات محلية وإن كانت غير قادرة على سد الفراغ كاملا. فكان في جنين أهم هذه المبادرات، وتحديدا في المخيم، تأسيس  مسرح الحرية الذي ارتبط ارتباطا مباشرا بحالة المقاومة بعد الاجتياح الكبير 2002، والهدف الأساس منه خلق علاقة بين الثقافة والمقاومة، كما يقول المدير العام للمسرح مصطفى شتا.

عمل المسرح على مدار سنوات بعد تأسيسه على تقديم إنتاج يتعلق بالمقاومة التي شهدها المخيم خلال الاجتياح، وبشكل مماثل قدمت حالة استنهاض المقاومة في المخيم خلال السنوات الأخيرة محتوى جديدا يستقي منها المسرح عروضه، فكانت جميع العروض منذ منتصف 2021 مستوحاة من المقاومة ومشاهد تصدّيها للاقتحامات.

يقول شتا للجزيرة نت “نعتمد على الرواية المحلية المبنية على الأحداث على الأرض، خاصة أن المسرح موجود في قلب المخيم، فإنتاجنا يواكب الحالة العامة ويوثق لها”.

مواكبة المقاومة لم تقتصر على المدينة، فقد قدم المسرح أعمالا تتعلق بالمقاومة بقطاع غزة والحروب التي شنّتها إسرائيل عليه، فكان العمل المسرحي “غزة ماذا الآن؟ عام 2021 الذي تناول تبعات الحرب النفسية على سكان القطاع، وأثرها في الوعي الجمعي الفلسطيني.

وعلى الرغم من عمل المسرح المتواصل ومواكبته لكل أحداث المخيم ومحيطه فإنه لا يشكل الحالة الثقافية العامة التي يقول عنها الكاتب والناقد الأدبي الدكتور عادل الأسطة إن مواكبتها للمقاومة ملحوظة لكن ليس كما كانت قبل توقيع اتفاقية أوسلو 1993.

وأضاف للجزيرة نت “أتابع ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي، هناك إنتاج جيد لكنه لم يشكل حالة عامة، فتشكيل هذه الحالة يحتاج إلى مثقفين فدائيين قادرين على دفع الثمن”.

من المبكر تقييم المرحلة

لكن الأسطة -وهو من المطلعين على الإنتاج الثقافي الفلسطيني من روايات وشعر ومسرحيات- يقدم قراءات لمعظمها، ويرى أن تقييم الحالة يحتاج إلى وقت، بخاصة أن بعض الإنتاجات يحتاج لوقت طويل.

يضرب الأسطة الاجتياحات التي نفذها الجيش الإسرائيلي لمدن الضفة الغربية عام 2002 مثالا، فقد واكب هذه الاجتياحات إنتاج ثقافي يمكن وصفه باليوميات، لكن إصدار أول رواية كان بعد عامين وهي رواية “ربيع حار” عن اجتياح نابلس، وبعد عامين كانت الرواية الثانية.

أما الكاتب وليد الشرفا فاستغرق 17 عاماً ليصدر روايته “ليتني كنت أعمى” التي تجمع بين شاهدين؛ الأول من معركة بيروت عام 1982 والآخر خلال اجتياح الاحتلال مدينتي نابلس وجنين 2002، يفقد الأول بصره خلال اجتياح البلدة القديمة في نابلس، والآخر رجله في معركة مخيم جنين.

ليس هذا فحسب، فحالة المقاومة جعلت بعض الأدباء يغيرون نمط رواياتهم كما حدث مع الكاتب أحمد رفيق عوض الذي أصدر روايته الأخيرة في أغسطس/آب2022 “الحياة كما ينبغي” متناولا الهبّات الشعبية التي شهدتها مدن الضفة الغربية والمقاومة المنفردة في السنوات الأخيرة بروح نموذج أدب المقاومة في مرحلة الثمانينيات.

وتوقع الأسطة مزيدا من الإنتاج الأدبي والثقافي المرتبط بالمقاومة في المدة الأخيرة وتحديدا في مدينتي جنين ونابلس، فكما يقول فإن هذا الإنتاج لطالما كان مرتبطا بصعود المقاومة على الأرض، وهو ما جعلها تختفي خلال فترة أوسلو وحتى الانتفاضة الثانية.

ورغم ذلك، يقر الأسطة بوجود تراخ أدبي في هذه المرحلة، وأن كثيراً من الإنتاج الثقافي فقد وهجه مقارنة بأدب السبعينيات والثمانينيات، فإن كان قد واكب المقاومة صعودا فإنه لم يواكبها من ناحية الجودة.

تمويل مشروط

ليس فقط الأدباء والمثقفون، فكثير من المؤسسات الداعمة للمؤسسات الثقافية أصبحت تقيّد الفعل الثقافي المرتبط بالمقاومة التي كفلها القانون الدولي للفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال الإسرائيلي.

وآخر هذه القيود ما وضعه الاتحاد الأوروبي عام 2019، الذي يعدّ أكبر جهة مانحة لمؤسسات المجتمع المدني، ومن ضمنها المؤسسات الثقافية التي نصّت على منع المتعاقدين أو المستفيدين المباشرين من التمويل إشراك متعاقدين فرعيين أو أشخاص تشملهم قائمة العقوبات والتقييدات الأوروبية، وهي: حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وذراعها العسكرية (كتائب الشهيد عز الدين القسام)، وكتائب شهداء الأقصى، وحركة الجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة.

مدير مسرح الحرية شتا يقول إن التراجع الأوروبي عن دعم المسرح بدأ قبل هذه الشروط التي رفضها بالكامل، وتحديدا في عام 2018 على خلفية نشر المسرح على صفحته نعيًا لأحد الشهداء، ثم دعمه للأسير زكريا الزبيدي -أحد مؤسسي المسرح- بعد اعتقاله.

ويرى شتا أن إعلان موقف الرفض جاء على حساب وقف التمويل، وهو ما يحاول القائمون على المسرح تعويضه جزئيا من صناديق دعم عربية ومنظمات للحقوق الإنسان، وتابع “دفعنا ثمنا لهذا الرفض، حيث أجبرنا على تقليص عملنا بشكل كبير”، وفي المقابل لا يوجد دعم إستراتيجي من وزارة الثقافة والجهات الرسمية.