الذكاء الاصطناعي؛ وأثره على السياسة الخارجية

الذكاء الاصطناعي كأداة جديدة لا تزال جوانب كثيرة منها مجهولة قد يثير الحساسيات ويخلق المخاوف في أي مجال يدخله؛ ولكن ربما يكون المجال الأكثر حساسية حيث يُخشى أن تفوق عيوب الذكاء الاصطناعي فوائده هو مجال تكنولوجيا المعلومات هي السياسة.

سجاد عابدي

 

حتى الآن، حذر العديد من السياسيين والباحثين من التطور المتزايد وغير المنضبط للذكاء الاصطناعي، ووضحوا مخاطر دخوله إلى السياسة. وكان وزير الخارجية الأمريكي الأسبق “هنري كيسنجر أحد هؤلاء الباحثين الذين لم تكن لديهم وجهة نظر إيجابية بشأن دخول الذكاء الاصطناعي إلى السياسة، وأعرب عن اعتقاده أنه في حالة وجود احتمال اندلاع حرب بين الصين والولايات المتحدة فإن الذكاء الاصطناعي قد يصبح سلاحًا رقميًا في أيدي القوى العظمى.. سلاح من شأنه -حسب كيسنجر- أن يكون أكثر تدميراً من القنبلة الذرية لأنه لا يوجد فكر أو ذكاء بشري وراءه.

 

إنّ عالم السياسة يشبه لعبة الشطرنج التي تعتمد على تقييم السيناريوهات والتنبؤ بأفضل ردّ فعل أو أفضل حركة للقطع؛ لكن لعبة الشطرنج في عالم السياسة أكثر تعقيدًا. وبما أن العديد من الجهات الفاعلة ذات التفضيلات العلنية والخفية تشارك فيها، فإن مناهجها المعلنة والمطبقة ليست بالضرورة هي نفسها.

 

إنّ التغيرات الداخلية في سياسات البلدان، بما في ذلك تحولات القوة والتغيرات في بنية مصادر الريع، تؤثر على استراتيجيات وتكتيكات وسلوك الجهات الفاعلة.

 

وأخيراً، من الصعب فهم التمييز بين الإشارات (التي تشير إلى دافع معين أو تخلق حالة من عدم اليقين) والإشارات (التي تشير إلى دافع معين أو تخلق حالة من عدم اليقين) الاعتقادات المحددة والمعلومات والتحليل في السياسة الخارجية وتزداد التعقيدات عندما يتعين أخذ كل هذه النقاط في الاعتبار في تحليل قائم على المستقبل من أجل اعتماد سياسة خارجية مناسبة في أساليب البحث في المستقبل تتمتع أساليب المحاكاة القائمة على الذكاء الاصطناعي ونمذجة الألعاب وكتابة السيناريوهات بقدرات أكبر من حيث تقديم صور محتملة للمستقبل وتحديد الأولويات وتحديد المحركات وشرح علاقات السبب والنتيجة والقدرة على تصميم سيناريوهات أجنبية آليات السياسة، واليوم أصبحت برامج الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي قادرة على تطبيق هذه الأدوات التحليلية بدقة لتصميم السياسة الخارجية وتطويرها.

 

تعد قضية الحوكمة المبنية على الذكاء الاصطناعي أحد التطورات الأكثر جوهرية التي جذبت انتباه العديد من الخبراء. تشير الحوكمة الذكية إلى استخدام التقنيات الجديدة خاصة الذكاء الاصطناعي لتحسين عمليات صنع القرار وإدارة الموارد على المستوى الحكومي والتنظيمي، وبهذه الطريقة ومن خلال الاستفادة من البيانات الضخمة والخوارزميات المتقدمة يصبح القائمون على الحوكمة قادرين على تقديم تحليلات دقيقة للوضع الحالي، وبناءً على هذه التحليلات اعتماد سياسات وقرارات أكثر كفاءة.

 

وبحسب البيانات الإحصائية، ارتفع عدد مشاريع القوانين المتعلقة بالذكاء الاصطناعي في ١٢٧ دولة حول العالم من مشروع قانون واحد في عام ٢٠١٦ إلى ٣٧ في عام ٢٠٢٢، وقد أقرّ الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص قانونه الخاص بالذكاء الاصطناعي، قانون يعتبر أول قانون شامل للتكنولوجيا المذكورة.

 

وباعتبارها محركًا تحويليًا، تتمتع الذكاء الاصطناعي بالقدرة على تحسين جودة عملية صنع القرار على مختلف مستويات الحكم، أصبح الذكاء الاصطناعي أداة قوية لإدارة الأزمات الذكية من خلال الاستفادة من خوارزميات التعلم المعزز، يمكن للأنظمة القائمة على الذكاء الاصطناعي توفير حلول مثالية للوقاية والكشف المبكر والاستجابة الفعالة للأزمات. علاوة على ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يجعل عملية اتخاذ القرار أكثر دقة وشفافية وكفاءة من خلال توفير رؤى تعتمد على البيانات في مجالات مختلفة مثل صنع السياسات والإدارة الحضرية والخدمات العامة، لذلك يمكن اعتبار أحد التطبيقات البارزة للذكاء الاصطناعي في الحوكمة الذكية هو تحليل البيانات والتنبؤ بالاتجاهات من خلال فحص البيانات الضخمة وتحديد الأنماط المخفية تتنبأ خوارزميات الذكاء الاصطناعي بالاتجاهات المستقبلية بمعدل خطأ لا يُذكر تساعد هذه القدرة الحكومات والمنظمات على اتخاذ القرارات الاستراتيجية المناسبة والمرغوبة والحصول على تخطيط أفضل على المدى الطويل.

 

في عصر تتجه فيه السياسة الخارجية نحو الخوارزميات التي تهدف إلى تحليل البيانات والتنبؤ بالأحداث وتقديم المشورة للحكومات يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في مختلف مجالات السياسة الخارجية وتعد إدارة التوقعات العامة في بلد آخر واتخاذ القرارات بناء على بناء السيناريوهات وتحليل الإشارات الواردة من خطابات ومواقف المسؤولين في البلدان الأخرى من أهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في السياسة الخارجية؛ وبطبيعة الحال فإن الفهم الصحيح للموضوع قيد التحليل في السياسة الخارجية له الأولوية على اختيار نموذج التطبيق ونوع استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.

 

وفي هذا الصدد، كشفت الصين قبل عامين عن نظام ذكاء اصطناعي جديد تم تصميمه خصيصًا للسياسة الخارجية للبلاد، يقدم هذا النظام الذي يطلق عليه اسم “منصة التنبؤ بالبيئة الجيوسياسية ومحاكاتها” للدبلوماسيين الصينيين إقتراحات بشأن السياسة الخارجية بعد تحليل كميات هائلة من البيانات.

 

ووفقاً لمصدر مطلع على الأمر، فقد استخدمت الصين بالفعل نظامًا مماثلًا لتقييم جميع مشاريع الاستثمار الأجنبي لديها بعناية على مدى السنوات القليلة الماضية.

 

لذلك، في عالم اليوم سوف تتغير السياسة الخارجية بشكل كامل مع لجوء البلدان إلى الذكاء الاصطناعي والخوارزميات للتنبؤ بالأحداث لأن الدول تتفاعل مع بعضها البعض وهي تعلم أن كل تحركاتها قد تكون متوقعة قبل أيام أو أسابيع أو أشهر، ومن شأن هذا التحول أن يغير وجه عالم الأعمال والعلاقات الجيوسياسية.

 

في مثل هذه المواقف يساعد الذكاء الاصطناعي في تحديد نوع كل فاعل واختياراته المختلفة بناءً على هذا النوع من خلال تحديد الافتراضات بناءً على لجنة من الخبراء في السياسة الخارجية (ومجالات أخرى إذا لزم الأمر مثل علم النفس الاجتماعي وعلم الاجتماع السياسي وعلم الأنثروبولوجيا)، ثم يقوم الذكاء الاصطناعي بحساب السيناريوهات المختلفة وإعطائها الأولوية؛ على سبيل المثال هناك مقالات قامت من خلال تطبيق هذا النموذج بتحليل، وتوقع المواجهة بين إيران والولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي الإيراني السلمي وسيناريوهاته المحتملة ورغم أن النتائج الناتجة عن استخدام الذكاء الاصطناعي لا تعني بالضرورة أنها مؤكدة إلا أنه باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي يمكن تقليص مستوى عدم اليقين في تصميم وتطوير السياسة الخارجية واعتماد أفضل الاستراتيجيات.

 

 

المصدر: الوفاق/ وكالات