العيش في عدم اليقين

الحياة ليست مساراً مستقيماً كما تخيلته عندما كنت طفلاً؛ فهي متغيرة وغير مستقرة، وبمجرد أن تحقق إنجازاً عظيماً، ستواجه عقبة هائلة

2023-02-04

العيش في عدم اليقين هو الحالة الطبيعية لأيِّ مؤسس مشروع؛ فعادةً ما يكون أعلى مستوى من اليقين لديك هو في المرحلة الأولى من بدء العمل؛ إذ تكون رؤيتك أوضح، فلقد حللت مشكلة صعبة أو هامة ضرورية، ولم تظهر أيُّ عوامل خارجية حتى الآن لعرقلة خططك.
ثم تبدأ بالعمل، وتبني فريقاً، وتبدأ في إنفاق الأموال واكتسابها ليتغير بعدها كلُّ شيء؛ فتطوير المنتج لا يحقق النتائج المطلوبة، ويبدأ المنافسون الجدد في الظهور، ولا يتماسك فريقك جيداً، ويعتقد مجلس الشركة أنَّك يجب أن تعمل بطريقة مختلفة.
هذه الأمور جزء من أشياء عديدة أخرى قد تحدث:

عادة ما تحصل هذه الأمور في الوقت نفسه؛ إذ تتوالى المشكلات كلَّ يوم، ويزداد الشعور بعدم اليقين؛ لذلك تضع مزيداً من الخطط، وتحدد الأهداف وجدول الأهداف والنتائج الرئيسة (Objectives and key results)، وتراقب كلَّ شيء بدقة وتبحث عن الأنماط وتفرض مزيداً من الإجراءات على شركتك، وتزيد التواصل وتبحث عن الأسباب، وتجتمع مع مجلس الشركة، وتقوم بإجراء دراسات، وتصقل رؤية شركتك؛ فكلٌّ من هذه الأنشطة تزيل قليلاً من عدم اليقين.

يستمر عدم اليقين بالازدياد، وتتعلم كيف تتعايش معه، فأنت تبذل قصارى جهدك لمواءمة القرارات الحالية مع الأهداف المستقبلية، لكن اعلم أنَّك لا تستطيع التحكم إلا في أفعالك في الوقت الحاضر؛ فأنت تركز على العملية وتفصل نفسك عن النتائج وتحتفي بالفوز في الوقت الحالي فقط.

تبدأ – مع استمرارك – الأنماط بالظهور؛ إذ تصبح النجاحات أكثر قابلية للتنبؤ، وتصبح حالات الفشل قابلة للتجنب، لكن تظهر أسئلة جديدة وتتحداك مشكلات وتعقيدات أكبر، وتتكرر دورة عدم اليقين؛ لذا طوال الطريق حتى النهاية، لا يزول عدم اليقين أبداً.

لقد بعتُ شركتين، وفي المرتين كلتيهما، بدت الصفقة على وشك الانهيار حتى نجحت في إتمامها، وفي أثناء ذلك، واصلتُ إدارة الأعمال في سيناريوهين متوازيين؛ في واحد منهما، ستنجح الصفقة، وفي الآخر سنبقى شركة مستقلة.

 أسباب تحبط العزم والإرادة

التنافر المعرفي وأثره: التنافر المعرفي الذي يختبره أيُّ مؤسس شركة خلال هذا الوقت هائل، ومع ذلك فهو مألوف أيضاً، فبعد سنوات من العيش في هذا الاضطراب، اعتدتُ على تحمُّل ثقل السيناريوهين، وتعلَّمت ألَّا أقلق بشأن النتائج، وبدلاً من ذلك، يمكنني التحكم في الإجراءات التي أمامي للتركيز عليها؛ فعكس عدم اليقين هو الروتين؛ فهو يعني معرفة أنَّ ما تتوقع حدوثه بالضبط سيحدث، فأنت تضمن ظهور عقبات أقل، لكن إنجازات أقل.

لكن على الرَّغم من عدم الراحة التي تتسم بها حالة عدم اليقين، إلا أنَّ غيابها يمكن أن يجعل الحياة روتينية؛ فأفضل طريقة لإدارة عدم اليقين هي التعامل معه على أنَّه سلسلة من التحديات، وأنَّك ستمر بالعقبات وستحقق الإنجازات؛ لذا ركِّز على حلِّ كلِّ لغز عندما يواجهك، وكن مطمئناً أنَّك بمجرد قيامك بذلك أو حتى قبل ذلك، ستظهر مشكلة جديدة وستتكرر الدورة.
كيف تعدل أهدافك في أوقات الشك وعدم اليقين؟

لا يمكنك أن تدمن على هذه الدورة، فقد تبدأ في رؤية تحديات غير موجودة بالفعل؛ لذا ما عليك سوى أن تضع في حسبانك أنَّ المشكلات موجودة دائماً، ولن تحتاج إلى البحث عن هذه المشكلات؛ لأنَّها ستظهر وحدها، وهذه العقلية لا تنطبق على مؤسسي الشركات فقط؛ بل إنَّها طريقة جيدة لعيش الحياة أيضاً.
في الختام:

الحياة ليست مساراً مستقيماً كما تخيلته عندما كنت طفلاً؛ فهي متغيرة وغير مستقرة، وبمجرد أن تحقق إنجازاً عظيماً، ستواجه عقبة هائلة، وتحتاج إلى التكيف باستمرار، وعليك أن تتقبل الجانب الجيد والسيئ من الأمور؛ فعدم اليقين موجود في كلِّ مكان، وإذا كنت لا تشعر بذلك، فربما تكون قد عزلت نفسك كثيراً، وفي مرحلة ما، سوف تشعر به، والحل هو أن تكون جاهزاً له.