د. محمد العبادي
منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام ١٩٧٩م على النظام الملكي؛ قدّمت الثورة الإسلامية مفاهيم اسلامية أصيلة، وكأن تلك المفاهيم هي نفحات ورشحات من ثورة الحسين عليه السلام وصلت إلى ثورة الشعب الإيراني وأخذ منها بقدر وسعه لا بقدر وسعها.
وكم كانت كلمة الإمام الخميني(رض) ثورية وامتدادية تذهب إلى التاريخ وتستحضر المظلوميات، وتكلم الحاضر لتأخذ منه وقودها؛ عندما قال : ( كل ما لدينا من محرم وعاشوراء).
وفيما يلي أهم تلك الشذرات والمفاهيم الحسينية التي تضمنتها الثورة الإسلامية:
أولاً: مفهوم القيادة الواعية: لقد كان الإمام الخميني (رض) قائد ثورة الوعي والبصيرة في زمننا، وقائد أهل الإيمان، وقد سرت لفظة ( خميني ) ولصقت بالمؤمنين لمجرد تعاطفهم مع ثورته وقيادته الحكيمة، وياله من وسام شرف أو توصيف كرامة ذلك الذي أطلق عليهم.
إن الإمام الخميني ( رض) كان قد خَبِر زمانه فلم تهجم عليه اللوابس؛ بل كشف عن مستغلقها وفك رموزها.
وهل رأيتم قائدا في عصرنا بقي تأثيره إلى يومنا هذا ويستشهدون بأقواله ومواقفه حتى بعد مضي عقود من وفاته؟
وعلى خطى ذلك الإمام المحمدي؛ سار السيد القائد الإمام الخامنئي والذي قاد سفينة الثورة الإسلامية في أعقد الظروف، وأشدها قسوة ولازال مقود سفينة الثورة بيده ـ مع تلك الأمواج العاتية ـ قوياً لإيصالها إلى بر الأمان.
لقد وصف محمد حسنين هيكل الإمام الخميني (رض) “كرصاصة انطلقت من القرن السابع الميلادي لتستقر في قلب القرن العشرين” .
نعم كان الإمام الخميني في أخذه من نبينا ( ص) ووعيه لوحي الثورة الحسينية؛ مثل القمر يأخذ من ضوء الشمس ليتجلى ببهائه الأبيض على الأرض .
وقد كانت التجارب التي مرت بها قيادات الثورة الإسلامية مريرة وقاسية، ساعدت في ( كي الوعي) وصقله عندهم.
لقد قاد الإمام الخميني ( رض) مع أنصاره أعظم ثورة في التاريخ المعاصر أتت على أكبر قاعدة للمصالح الأمريكية والغربية في منطقتنا وهدمتها من القواعد.
ثانياً : مفهوم الهوية المستقلة: بعد قيام الثورة الإسلامية انتقلت إيران من الملكية التي تدور مدار المصالح الغربية إلى النظام الإسلامي الجماهيري المستقل، والذي يدور مدار المصالح الإسلامية والوطنية.
إنّ الجمهورية الإسلامية في إيران قطعت شوطاً طويلاً وشاقاً في سبيل الحفاظ على استقلالها.
إنّ الاستقلال الذي حصلت عليه الثورة الإسلامية لايعني بحال من الأحوال الإنعزال، بل هو عدم الانحناء للأعاصير السياسية التحميلية ، وعدم الضعف لمغريات أوغطرسة قوى الهيمنة العالمية وأجندتها .
لقد قدمت الثورة الإسلامية هويتها الإسلامية المستقلة، وكان ذلك واضحاً من خلال شعاراتها: ( لاشرقية ولاغربية جمهورية إسلامية)، والإمام الخميني (رض) بعد انتصار الثورة كان يقول : ( إن حكومتنا الإسلامية ستكون حرة ومستقلة..)
إنّ الإستقلال الذي تنشده الثورة الإسلامية ليس في المسائل السياسية فحسب؛ بل في المسائل الاقتصادية والقضايا الاجتماعية والأمور الثقافية أيضاً.
ثالثاً : مفهوم الأمة الواحدة: عند انطلاق الثورة الإسلامية ذابت قومياتها ومذاهبها واحزابها تحت لواء الثورة الإسلامية وقيادتها الفذة .
لقد سعت إيران لتقوية جبهتها وبنيتها الداخلية، ومن ثم سعت لتطبيق مفهوم الأمة الإسلامية الواحدة في الدفاع عن مصالحهم أمام القوى الخارجية.
لقد سعى قائد الثورة الإسلامية الإسلامية في إيران عن قصد كما صرح بذلك أن يستعمل لفظ الأمة الإسلامية كثيراً، لأننا بالفعل أمة إسلامية واحدة لكن مزقتها الأجندة الداخلية والخارجية العلنية والخفية .
رابعاً: مفهوم الجماهيرية: لم يكن وصف الجمهورية وصفاً خالياً من تأييد الجماهير في إيران، وإنما كان حظها الشعبي كبيراً وقاعدتها عريضة، وتتكئ على رصيدها الجماهيري في مواقفها وأحداثها، ويمكننا أن نشاهد التأييد الشعبي للثورة من خلال الحضور المليوني السنوي في ذكرى انتصار الثورة في ( ٢٢ بهمن)، وأيضاً يمكننا مشاهدة التأييد الشعبي عند المناسبات الدينية والوطنية، وفي الأحداث التي تتطلب حضور الجماهير ومشاركتها الميدانية .
خامساً: مفهوم الدفاع عن المظلومين والمسلمين: الثورة الإسلامية بعد أن ذاقت طعم الظلم رفضت الظلم وسعت حثيثاً للدفاع عن المظلومين بغض النظر عن هويتهم الدينية والقومية، لكنها في الوقت نفسه اعطت لقضية الدفاع عن المسلمين في جميع أنحاء العالم أهمية خاصة، وحسبنا أن نشير إلى دفاعها عن المسلمين في البوسنة والهرسك ، وكشمير ، وفلسطين ، ولبنان وافغانستان وغيرها من البلدان .
إنّ وظيفة الثورة الإسلامية ليست منحصرة في حدودها الجغرافية، بل هي تشعر بمسؤوليتها في الدفاع عن حقهم في ضوء الأطر القانونية، وبناء عليه نلاحظ أنها الثورة الإسلامية هي ثورة صافية قد أخذت من ثورة الإمام الحسين عليه السلام صفائها وأهدافها ، وهي ثورة عابرة للحدود الجغرافية والأطر القومية والمذهبية وتدافع عن كرامة الإنسان من دون النظر إلى هويته الفرعية
إن مبادئ الثورة الإسلامية ومفاهيمها كثيرة وكبيرة، وهي تتصف بالأصالة والرصانة والتأثير في كل مكان وزمان، لأن مبادئها مستمدة من التعاليم المعطاء للثورة الحسينية.