سجاد عابدي
إن عالم السياسة يشبه لعبة الشطرنج التي تقوم على تقييم السيناريوهات والتنبؤ بأفضل رد فعل أو أفضل حركة للقطع لكن عالم السياسة في الشطرنج أكثر تعقيدا بحيث يشارك فيها العديد من الجهات الفاعلة ذات التفضيلات الواضحة والخفية ولا تكون مناهجها التصريحية والعملية بالضرورة واحدة تؤثر التغيرات الداخلية في سياسات البلدان بما في ذلك تحول السلطة وتحول هيكل مصادر الريع على استراتيجيات وتكتيكات وسلوك الجهات الفاعلة وأخيرا من الصعب فهم التمييز بين الإشارة (الإشارة إلى هدف محدد) الدافع أو خلق اعتقاد معين) المعلومات والتحليل في السياسة الخارجية ويزداد التعقيد عندما يجب أخذ كل هذه النقاط بعين الاعتبار في التحليل المبني على الدراسات المستقبلية لتبني السياسة الخارجية المناسبة وفي أساليب البحث المستقبلية تعد أساليب المحاكاة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي ونمذجة الألعاب وكتابة السيناريوهات أكثر قدرة من حيث عرض الصور المحتملة للمستقبل وتحديد الأولويات وتحديد الدوافع ووصف علاقات السبب والنتيجة وإمكانية تصميم آلية للسياسة الخارجية واليوم زادت برامج الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي من إمكانية استخدام هذه الأدوات التحليلية بدقة لتصميم وتعزيز السياسة الخارجية.
تعتبر مسألة الحوكمة القائمة على الذكاء الاصطناعي من أهم التطورات الأساسية التي جذبت انتباه العديد من الخبراء مع تسارع تطور هذه التكنولوجيا تشير الحوكمة الذكية إلى استخدام التقنيات الجديدة وخاصة الذكاء الاصطناعي لتحسين عمليات صنع القرار وإدارة الموارد على المستوى الحكومي والتنظيمي وبهذه الطريقة وباستخدام البيانات الضخمة والخوارزميات المتقدمة يتمكن أمناء الحوكمة من تقديم تحليلات مفصلة للوضع الحالي واتخاذ سياسات وقرارات أكثر كفاءة بناءً على هذه التحليلات وبحسب البيانات الإحصائية فقد ارتفع عدد مشاريع القوانين المتعلقة بالذكاء الاصطناعي في ١٢٧ دولة حول العالم من واحد عام ٢٠١٦ إلى ٣٧ عام ٢٠٢٢ وعلى وجه الخصوص وافق الاتحاد الأوروبي على قانون الذكاء الاصطناعي الخاص به القانون الذي يعد أول قانون شامل للتكنولوجيا المذكورة.
باعتباره محركًا تحويليًا يتمتع الذكاء الاصطناعي بالقدرة على تحسين جودة عملية صنع القرار على مستويات مختلفة من الحوكمة أصبح الذكاء الاصطناعي أداة قوية لإدارة الأزمات الذكية وباستخدام خوارزميات التعلم المعزز يمكن للأنظمة القائمة على الذكاء الاصطناعي أن توفر الحلول المثلى للوقاية والكشف المبكر والاستجابة الفعالة للأزمات بالإضافة إلى ذلك يمكن للذكاء الاصطناعي اتخاذ قرارات أكثر دقة وشفافية وكفاءة في مجالات مختلفة مثل صنع السياسات والإدارة الحضرية والخدمات العامة من خلال توفير رؤى تعتمد على البيانات ولذلك يمكن اعتبار أحد أبرز تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الحوكمة الذكية هو تحليل البيانات والتنبؤ بالاتجاهات ومن خلال فحص البيانات الضخمة وتحديد الأنماط المخفية تتنبأ خوارزميات الذكاء الاصطناعي بالاتجاهات المستقبلية بمعدل خطأ ضئيل تساعد هذه القدرة الحكومات والمنظمات على اتخاذ القرارات الإستراتيجية المناسبة والحصول على تخطيط أفضل على المدى الطويل.
وتتطلب مجموعة هذه التحديات مناهج شاملة وتعاونا بين مختلف القطاعات الحكومية والخاصة والأكاديمية للتمكن من الاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي والتغلب على العقبات القائمة ووفقا للعديد من الخبراء وبالاعتماد على الأدلة المتاحة يمكننا أن نستنتج أن مستقبل الذكاء الاصطناعي في الحوكمة مليء بالإمكانات والفرص الجديدة ولذلك من المتوقع أن يصبح الذكاء الاصطناعي أحد الركائز الأساسية للحوكمة المستقبلية مع تطوره المستمر وهذا يعني أنه يمكن للحكومات والشركات استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين الخدمات العامة وزيادة الشفافية والمساءلة وتحسين كفاءة أنظمة الحكومة والشركات. يتمتع الذكاء الاصطناعي بالقدرة على مساعدة الحكومات على مواجهة التحديات المعقدة بشكل فعال وعلى النحو الأمثل مثل تغير المناخ والأزمات الاقتصادية والقضايا الأمنية.
في النهاية ربما لا يخلو الأمر من إعادة اقتراح هذه المناقشة بأن الذكاء الاصطناعي بكل تحدياته يوفر فرصًا فريدة لتحسين الحوكمة وزيادة كفاءة أنظمة الحكومة والقطاع الخاص وأصحاب المصلحة في جميع القطاعات بمسؤولية والمنهج الأخلاقي في استخدام هذه التكنولوجيا يمكنهم من تحقيق أهداف الحوكمة الذكية وتحسين جودة خدماتهم.
