وقال محلّلون، إن انسحابات قوات العدو الصهيونية المتتالية والمتسارعة من قطاع غزة يعبّر عن مدى هزال جيش الاحتلال وهزائمه في مواجهة المقاومة الفلسطينية في القطاع، وخوفاً من استئناف الحرب.
في حين قال قيادي فلسطيني: “إنّ حماس ترى أنّ التصريحات التي تصدر من الجانب الصهيوني بشأن المرحلة الثانية من الاتفاق تدلّ على عدم الوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار وإتمام عملية الانسحاب”.
من جانب آخر وصف المستشار الألماني أولاف شولتس مقترح ترامب حول سيطرة الولايات المتحدة على قطاع غزة ونقل سكانه إلى بلدان أخرى بأنه “فضيحة”، فيما أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، وجود إجماع عربي كامل على رفض تهجير الفلسطينيين من أرضهم، مشدداً على ضرورة إيجاد حل سياسي يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وفي الضفة المحتلة تجددت الاشتباكات بين مقاومين فلسطينيين وجيش الاحتلال الصهيوني في مخيم نور شمس شرقي طولكرم.
*فشل خطة فصل شمال غزة عن الجنوب
في التفاصيل، قالت إذاعة العدو أن الجيش الصهيوني يعمل الآن في غزة بأقل عدد من القوات منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وذكر المراسل العسكري لموقع “والا” الصهيوني، أن جيش الاحتلال تلقى تعليمات بإخلاء محور نتساريم ليلة الأحد تطبيقاً للاتفاق. ونشر المراسل مقطع فيديو يظهر حديثاً لأحد الضباط عبر اللاسلكي يطالب فيه الجنود بالانسحاب من نتساريم.
وفصلت قوات الاحتلال محافظتي غزة والشمال عن محافظات الوسط والجنوب في القطاع أوائل نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وأجبرت أكثر من نصف مليون مواطن، تحت القصف والإبادة، على النزوح إلى ما زعمت أنها “مناطق إنسانية” جنوبي القطاع، لكنها لاحقتهم بالموت هناك.
وانسحبت قوات الاحتلال من معظم مناطق المحور (من البحر غرباً حتى شرق شارع صلاح الدين شرقاً) يوم 27 يناير/كانون الثاني الماضي؛ تنفيذاً لاتفاق وقف إطلاق النار، ما مكّن أكثر من نصف نازح من العودة إلى شمال غزة.
*مركز العمليات الصهيوني
وكان جيش الاحتلال قد أنشأ محور نتساريم، الممتد من كيبوتس “بئيري” في غلاف غزة إلى البحر الأبيض المتوسط، بطول 8 كيلومترات وعرض 7 كيلومترات، بهدف عزل شمال القطاع عن وسطه وجنوبه، وتأمين تحركات قواته بين مناطق التمركز العسكرية.
ويُعرف المحور إسرائيلياً بأنه كان مركز العمليات العسكرية التي أعقبت الاجتياح البري لقطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث لعب دوراً رئيسياً في تقسيم القطاع جغرافياً واجتماعياً، مما أدى إلى عزل آلاف العائلات وتأزيم الأوضاع الإنسانية في المناطق الشمالية.
وقالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” إن المواقع التي تم إخلاؤها تقع شرق شارع صلاح الدين، مما يعني أن جيش الإحتلال الصهيوني لن يبقي على أي وجود له في وسط وشمال قطاع غزة، باستثناء قوات الفرقة 162 التي تنتشر على طول المنطقة العازلة قرب الحدود. وأشارت الصحيفة إلى أن محور نتساريم كان يمثل نقطة استراتيجية للمناورة العسكرية الصهيونية، فضلاً عن أهميته لدى المستوطنين الذين كانوا يطمحون للعودة إلى الاستيطان في شمال القطاع.
*تحول استراتيجي في المعركة
وقال محللون فلسطينيون إن انسحاب جيش الاحتلال الصهيوني من محور نتساريم يمثل تحولاً استراتيجياً في المعركة، إذ فشلت خطته في تقسيم قطاع غزة والسيطرة على شماله.
وأضاف المحلّلون، إن انسحابات قوات العدو الصهيونية المتتالية والمتسارعة من قطاع غزة يعبّر عن مدى هزال جيش الاحتلال وهزائمه في مواجهة المقاومة الفلسطينية في القطاع، وخوفاً من استئناف الحرب.
وحاول الاحتلال ترسيخ وجود دائم في المنطقة، لكنه اضطر للتراجع تحت وطأة المعارك وضغوط الاتفاقات السياسية، كما وسع سابقاً محور نتساريم ليصل عرضه إلى 80 كيلومتراً وعمقه إلى ما بين 6.5 و7 كيلومترات، وأقام 4 مواقع رئيسية مدعومة بأخرى مساندة.
وبالرغم من بدء جيش الاحتلال إنشاء بنى تحتية لتعزيز ديمومة وجوده، فإن معظم منشآته كانت قابلة للتفكيك، مما يعكس إدراكه إمكانية الانسحاب في أي لحظة. وفرض اتفاق وقف إطلاق النار في غزة على الاحتلال الخروج من نتساريم نهائياً.
وكانت الخطة الصهيونية تهدف للسيطرة على المناطق الشمالية لغزة في مرحلة أولى، لكن المقاومة فرضت واقعاً مغايراً أدى إلى إعادة الحسابات. وسيسهل الانسحاب الصهيوني من نتساريم حركة المواطنين، خاصة في ظل الحصار الذي فُرض بفعل سيطرة الاحتلال على المحور.
واعتبر المحللون أن الانسحاب ليس مجرد خطوة عسكرية، بل يحمل أبعاداً سياسية واستراتيجية، إذ يعكس إخفاق الرؤية الصهيونية تجاه غزة، ويؤكد أن إرادة المقاومة والتفاوض يمكن أن تفرض معادلات جديدة على الأرض.
وبدأ سريان اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بغزة يوم 19 يناير/كانون الثاني الماضي، ويتضمن 3 مراحل تستمر كل منها 42 يوماً، يتم في الأولى التفاوض لبدء مرحلة ثانية ثم ثالثة، بوساطة كل من قطر ومصر والولايات المتحدة.
*العدو يخطط لإفشال اتفاق وقف النار
من جانب آخر صرحّ قيادي فلسطيني، يوم الاثنين، بأنّ “حماس تعتبر أنّ الاحتلال الصهيوني يخطط لإفشال اتفاق وقف إطلاق النار”.
وقال القيادي: “إنّ حماس ترى أنّ التصريحات التي تصدر من الجانب الصهيوني بشأن المرحلة الثانية من الاتفاق تدلّ على عدم الوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار وإتمام عملية الانسحاب”.
وأضاف أنّ حماس تعتبر أنّ “العدو الصهيوني يستند بقوة إلى قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الطائشة في دعم سياساتها وإجراءاتها في المرحلة الثانية”.
وبحسب القيادي الفلسطيني، فإنّ حماس تُحذّر الكيان الصهيوني من أنّه “سيدفع ثمناً كبيراً في حال لم يلتزم بالمرحلة الثانية”.
أتى ذلك بعدما ذكرت وسائل إعلام صهيونية، في وقتٍ سابق الإثنين، أنّ رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، “يخطّط لأن يعرض في جلسة الكابينت التي ستُعقد الثلاثاء، المطالب الصهيونية للمرحلة الثانية في صفقة الأسرى، والتي لن تقبل بها حماس، وفقاً للتقديرات في الحكومة الصهيونية”.
وتشمل المطالب، “نفي قيادة حماس من غزة، وتفكيك الذراع العسكرية للحركة من سلاحها، واستعادة كلّ الأسرى”، بحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت”.
وأشارت الصحيفة إلى أنّ “مناقشات المرحلة الثانية ستبدأ فقط بعد جلسة الكابينت الثلاثاء”، موضحةً أنّ الوفد الصهيوني الذي سافر إلى العاصمة القطرية الدوحة، “يتناول المرحلة الأولى فقط، ويستمر في محادثاته وفي تنفيذ استمرار نبضات المرحلة الأولى”.
*نتنياهو يواصل ترويجه لخطة ترحيل أهل غزة
في غضون ذلك قال رئيس الحكومة الصهيونية، بنيامين نتنياهو، إن قطاع غزة عبارة عن “سجن مفتوح”، وأن مصر هي من تمنعهم من مغادرة قطاع غزة طوعاً، رغم تأكيد وإصرار الفلسطينيين في القطاع على استمرار تمسكهم بأرضهم ورفضهم مخططات التهجير.
يأتي هذا التصريح ضمن جهود صهيونية أميركية لتهجير الفلسطينيين من غزة إلى دول مجاورة، بينها مصر والأردن، وهو ما ترفضه القاهرة وعمان بشدة.
وزعم نتنياهو في مقابلة مع قناة “فوكس نيوز” الأميركية، أن الفلسطينيين في غزة يريدون مغادرة القطاع. وأضاف أنه تلقى طلبات عديدة من فلسطينيين لمغادرة غزة حتى قبل اندلاع الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. واستدرك نتنياهو: “لكن مصر لا تسمح لهم بالمغادرة، لو أعطيتموهم الخيار سيغادرون”، حسب زعمه.
*رفض عربي لتهجير الفلسطينيين
من جهته أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي الاثنين، وجود إجماع عربي كامل على رفض تهجير الفلسطينيين من أرضهم، مشدداً على ضرورة إيجاد حل سياسي يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وذكرت وزارة الخارجية المصرية، في بيان صباح الاثنين، أن عبد العاطي التقى في واشنطن مساء الأحد، عضو لجنتي العلاقات الخارجية والاعتمادات بمجلس الشيوخ الأميركي السيناتور الديمقراطي كريس فان هول.
وناقش عبد العاطي مع السيناتور هولن تطورات القضية الفلسطينية والعلاقات المصرية الأميركية.
وأشار عبد العاطي إلى أن مصر تبذل جهوداً مكثفة لضمان تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وإيصال المساعدات الإنسانية، والبدء في إعادة الإعمار دون إجبار الفلسطينيين على مغادرة أراضيهم.
وفي وقت سابق، أعربت وزارة الخارجية المصرية عن استهجانها لتصريحات رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، التي أدلى بها لوسائل إعلام أميركية، ووصفتها بأنها “ادعاءات مضللة” تهدف إلى التغطية على الجرائم الصهيونية بحق المدنيين الفلسطينيين.
*شولتس يهاجم ترامب
بدوره وصف المستشار الألماني أولاف شولتس مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول سيطرة الولايات المتحدة على قطاع غزة ونقل سكانه إلى بلدان أخرى بأنه “فضيحة”.
وأوضح شولتس في مناظرة تلفزيونية مع خصمه المحافظ فريدريش ميرتس تمهيداً للانتخابات التشريعية الألمانية المقررة في 23 فبراير/شباط أن “نقل سكان غزة غير مقبول ومخالف للقانون الدولي”. ووافقه ميرتس الرأي.
وكان ترامب عرض مقترحاً يقضي بسيطرة الولايات المتحدة على قطاع غزة ونقل سكانه إلى الأردن أو مصر.
وأثار مقترح ترامب إخراج أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون في غزة
من القطاع وإعادة تطويره، ردود فعل عالمية منددة، وغضباً في العالم العربي والإسلامي.
ورغم الانتقادات التي وجهها حلفاء دوليون ودول عربية، يصر ترامب على مقترحه، وقال في وقت سابق إن “الكيان الصهيوني سيسلّم قطاع غزة إلى الولايات المتحدة بعد انتهاء القتال”.
*الاحتلال يقتحم مخيم عقبة جبر
وفي الضفة المحتلة قالت مصادر محلية إن قوات الاحتلال عاودت اقتحام بلدة طمون جنوب طوباس.
وأضافت أن قوات الاحتلال أخطرت محال تجارية بالهدم في مثلث الرماضين بالخليل جنوبي الضفة الغربية.
وكان جيش الاحتلال الصهيوني قد اقتحم الاثنين مخيم عقبة جبر للاجئين الفلسطينيين في شرق الضفة الغربية المحتلة، وانتشر بأحياء عدة وفتش محالّ تجارية.
ويتزامن ذلك مع استمرار العملية العسكرية الصهيونية في شمال الضفة الغربية منذ 21 يناير/كانون الثاني الماضي، عندما بدأ جيش الاحتلال عدواناً عسكرياً استهلّه بمدينة جنين ومخيمها وبلدات في محيطهما وأدى إلى استشهاد 25 فلسطينياً، وفق وزارة الصحة الفلسطينية.
هذا وقالت مصادر إخبارية إن الاشتباكات تجددت بين مقاومين فلسطينيين وجيش الاحتلال في مخيم نور شمس شرقي طولكرم.
*العدو ينفذ اقتحامات والمقاومة تتصدى
بموازاة ذلك اقتحمت قوات الاحتلال الصهيوني مدناً وبلدات في الضفة الغربية وشنت حملة اعتقالات، وتزامن ذلك مع اشتباكات تخوضها المقاومة مع قوات الاحتلال في مناطق مختلفة بالضفة.
وقالت مصادر محلية أن آليات عسكرية لقوات الاحتلال اقتحمت بلدة السيلة الحارثية غربي مدينة جنين، واعتقلت عدداً من الشبان وأشعلت النيران في أحد المنازل.
وترافق ذلك مع اشتباكات مسلحة قام خلالها مقاومون بتفجير عبوات ناسفة خلال تصديهم لعملية الاقتحام.
وأعلنت سرايا القدس-كتيبة جنين أن مقاتلين في سرية السيلة الحارثية فجروا عبوة ناسفة في مركبة عسكرية للاحتلال وتم إعطابها.
وأكدت سرية اليامون في سرايا القدس أن مقاتليها يخوضون اشتباكات مسلحة مع قوات الاحتلال لإسناد سرية السيلة الحارثية التي تخوض أيضا اشتباكات في محاور عدة داخل البلدة.
وذكرت كتائب القسام أن جيش الاحتلال “سيفاجأ بمزيد من كمائن الموت التي رآها جنوده بأم أعينهم في أزقة وشوارع الضفة الغربية”.
وارتفع عدد شهداء طولكرم خلال العدوان المتواصل عليها منذ 14 يوماً إلى 8 شهداء وعشرات الإصابات والجرحى وآلاف النازحين.